أسرى الإدمان و الطريق نحو الحرّية من جديد
وُلِدَ الإنسانُ حُرَّا، ومنحهُ الله حُريَّةَ الاختيار،بالإضافة إلى منحهِ القدرة على السُيطرة على رغباتهِ وشهواتهِ، وهذه نعمة كبيرة يجب على المرء أن يشكر الله سبحانه وتعالى عليها.
نشكر الله على هذه النّعمة بعدم اتّباع سبل الأذى والشّر،فلا نقوم بالاستجابة للوساوس الّتي تحضُّنا على السير في دروب لا يوجد فيها سوى الأذى لأنفسنا وللغير.
هذهِ السُّبل وإن كانت مُرصّعة بالذّهب فهي تظهر لك على هذا الشّكل لجذبك نحوها،وعندما تخطو أولى خطواتك في هذه السّبل سترى أنَّ ما كُنتَ تراه لم يَكُن سوى سراب، وللأسف العودة أصبحت صعبة جدّاً لأنّك متى ما خطيت بعض الخطوات، تكون هذه السُّبل قد أمسكت بك بإحكام وأجبرتك على السَّير فيها حتّى النّهاية،وللأسف النّهاية وخيمة .
تحدّثنا في مقال سابق عن حالة إدمانيّة منتشرة في مجتمعنا وهي إدمان الترامادول، وهذا النّوع هو واحد من عدّة حالات إدمانيّة يمارسها كثير من الأشخاص في عالمنا الكبير الواسع.
الأسباب الكامنة وراء اتّجاه الأشخاص للإدمان كثيرة ومتعدّدة،وهي تقريبا مشابهة للأسباب الّتي ذكرناها في حالات إدمان الترامادول.
أما آليات العلاج فسابقا كانت بدائيّة وغير فعّالة بشكل كبير،لكن اليوم تطوّرت آليات العلاج بشكل كبير وأصبحت تعتمد على مجموعة من العوامل الّتي تتساعد مع بعضها البعض، بحيث تضمن-بنسبة كبيرة جدّاً- شفاء الشّخص بشرط أن يكون له نيّة في علاج نفسه والخلاص من هذه الحالة.
سنتحدّث في مقالنا هذا عن الحالات الإدمانيّة بشكل عام مع التركيز على علاج هذهِ الحالات، حيثُ أنَّنا سوف نستفيض في الحديث عن آليات العلاج بشكل مُفصَّل ودقيق بحيث سوف يسهّل-هذا المقال- عليك معرفة هذه التّفاصيل،ويوفِّر عليك عناء البحث .
الآلية الّتي يحدث من خلالها الإدمان ؟
لدينا مجموعة من الخلايا العصبيّة الموجودة في الدّماغ تشكّل مع بعضها البعض ما يُعرف بنظام(مركزالمكافأة)
(Reward system).
هذا المركز(النظام) يوجد في المخ بصورة طبيعيّة،ويتنشّط عندما تأكل أو تمارس الرّياضة أو تقوم بأي نشاط مفضّل لديك.
لكي يعمل هذا النظام يحتاج إلى ما يشبه المفتاح أو كلمة السّر،يقوم بدور المفتاح أو الباسوورد مادّة تُفرز في الدّماغ تُدعى بالدوبامين.(دون هذا المفتاح لا يتنشّط نظام السّعادة أو المكافأة)
هذا يعني أنّ أي نشاط يزوّد نسب الدوبامين في دماغك يقوم بشكل مباشر بتنشيط مركز المكافأة،وبالتّالي سوف تشعر بالسّعادة .
كل ما ذكر سابقا هي الآلية الّتي يعمل من خلالها المُخدِّر.
بعد فترة قصيرة من تعاطي المُخدِّر يقوم المخ بتشكيل رابط بين تعاطي المخدّرات والشّعور بالسّعادة،ونتيجة هذا الرّابط يُصبح عند المُدمن رغبة مُلحّة في تناول المخدّرات وللأسف هذه الرّغبة تكون خارج إرادة الشّخص والتّحكُّم بها صعب.
هذا يعني أنّك أنت تملك الإرادة والسيطرة في أمرٍ واحد فقط،وهو التّجربة. لأنّك بعد قيامك بتجربة المخدّر للمرة الأولى سوف تنشد نحوه بشكل لا إرادي،لذلك يُنصح دائماً بالابتعاد عن القيام بالتّجربة بشكل نهائي .
بعد فترة من التّعاطي يبدأ المخ يعتاد على جرعة المخدّرات الّتي تتعاطاها،ويقل تأثيرها بالنّسبة لك كمدمن،فتصبح هذه الجّرعة غير كافية لإرضاء رغبتك،وهنا تحدث الكارثة،سوف تبدأ أنت بزيادة جرعة التّعاطي ،وتستمر في ذلك حتّى تصل إلى مرحلة تُدعَى التّسمُّم بالجرعات المفرطة أو overdose .
ووفقا لإحصائيات أجريت في أمريكا عام 2014،بلغ عدد مُدمني المُخدرات حوالي 21 مليون شخص ،8 مليون منهم كانوا يعانون من أمراض نفسيّة مرافقة للتعاطي(الإدمان).
وطبقا لكلام منظّمة الصّحة العالميّة WHO فإنَّ الأمراض النّاتجة عن الإدمان تمثّل 5.4% من عبء الأمراض العالميّة.
بقلم الدكتور علي سويدان
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك