خلايا خرجت عن السّيطرة،فماذا حصل؟ 2
"الصّحة تاج على رؤوس الأصحّاء لا يراها إلّا المرضى"
عندما تقرأ هذا الاقتباس ستشعر بكمّية النّعمة الّتي أنت فيها،لأنّها بالفعل أشبه بالتّاج،وهذا التّاج لا يراهُ إلّا من فقدهُ .
هنالك عدد كبير من الأشخاص الّذين يعانون من أمراض مختلفة في العالم،ابتداءً من المصابين بأمراض عضوية بسيطة
يسهُل السّيطرة عليها،انتهاءً بأمراض خطيرة ،وأكاد أن أقول صعبة الشّفاء، ولا أُبالغ إن وصفتُ بعضها بالمستعصية والمستحيلة الشّفاء.
ففي حياتنا اليوميّة،نسمع العديد من القصص الّتي تتحدّث عن داء السّرطان.
حيثُ أصبح هذا الدّاء من أكثر الأمراض انتشاراً،بحيث لا يخلى حي من عدّة إصابات بهذا المرض .
بالمجمل هذا الدّاء يعدُّ مرضاً خطيراً،وتتفاوت خطورته من شخص إلى آخر.
وكما يوصف لدى عامّة النّاس بالمرض الخبيث،لأنّهُ ينتشر بسرعة في جسم الإنسان،وآليات العلاج المُتّبعة إلى وقتنا الحالي لا تتعدّى كونها مسكّنات للآلام الصّعبة الّتي يسببها،أي لا يُعالِج هذا المرض إلى وقتنا الحالي،أو بشكل أدق العلاج مازال بدائي ولهُ الكثير من الأضرار والآثار الجانبيّة .
سنتحدّث في مقالنا هذا عن داء السّرطان،وسنركّز على طرح الفكرة الأساسيّة الخاصّة بهِ،وهي:
الآلية الّتي يحصل من خلالها هذا المرض.
مراجعة بسيطة عن جسم الإنسان:
جسم الإنسان يتكوّن من عدد كبير جدّاً من الخلايا،حيثُ تُعدُّ الخلايا هي المكوّن أو الوحدة التركيبيّة للجسم .
تشبه إلى حد كبير أحجار البناء ،حيث أنَّ أحجار البناء تجتمع مع بعضها البعض لتكوِّن الحائط مثلا، وهكذا الخلايا تجتمع مع بعضها البعض لكي تكوِّن الأعضاء والأجهزة .
عندما نتعمّق في دراسة الخلايا،سوف نلاحظ وجود عدّة عضيات مهمّة جدّاً (طبعا هذه العضيات تكون داخل كيان الخلية)،كل منها لها وظيفة تقوم بها،وتكون وظيفة الخليّة هي اجتماع وظائف هذه العضيات .
يوجد داخل الخلية ما يسمّى بالنواة، وهي من أهم العضيات الموجودة داخل الخلية،حيثُ تحتوي على مكوّن يُدعَى بالمجين(الحمض النووي DNA) والّذي يشبه بطاقة التعريف .
هذه البطاقة التعريفيّة(المجين) تحتوي داخلها على جميع المعلومات الخاصة بجسمك مثل:
- لون العيون ،
- طول القامة،
- لون البشرة ونوعها.
الانقسام الّذي يحدث للخلايا:
معظم خلايا الجسم تتجدّد باستمرار ،وعملية التجدُّد هذه تُسمّى عملية الإنقسام.
ما معنى الانقسام؟
الانقسام يعني أنَّ الخلية الواحدة تصبح اثنان،والخليتين تصبح أربعة وهكذا .
مثال على ذلك :
عند ذهابك إلى البحر لممارسة نشاطاتك الّتي تحبَّها من سباحة والتعرُّض لأشعة الشمس الجميلة،فأنت تخسر بذلك طبقة من جلدك جرّاء الحروق الّتي تسبّبها الأشعة.
طبقة الجلد هذه بحاجة إلى أن تتغير،ونتيجة لهذه الحاجة سوف تحدُث عملية الانقسام على خلايا الجلد هذهِ، وذلك من أجل تعويض ما فقدناه من خلايا.
مثال آخر،
شخص يلعب كرة القدم وفجأة سقط على أرضيِّة الملعب وتعرَّض لكسرٍ في العظم، وبالتَّالي الخلايا العظميّة هنا ستنقسم من أجل تعويض الخلايا الّتي فُقدَت، وهذا يؤدّي إلى التئام الكسر والتحام أطراف العظم مع بعضها البعض من جديد.
آلية حدوث الانقسام:
عمليات الانقسام- الّتي تحدّثنا عنها وغيرها الّتي تحصل للغالبيّة العظمى من خلايا الجسم-تكون في غاية الدّقة والتنظيم، فهي عمليات تبدأ عندما يحتاج لها الجسم وتنتهي عندما تؤدِّي الوظيفة الّتي بدأت من أجلها.
ولكي تبدأ الخلية في الانقسام، تكون بحاجة إلى ما يشبه الإشارة، تفهم الخلية هذه الإشارة كرسالة يقول الجسم فيها(لتبدء عمليّة الانقسام).
الإشارة هذه تذهب إلى الخلية عن طريق مرسال يُدعى عامل النّمو أو Growth factor.
تكون الخلية في وضعها الطبيعي فيأتي لها عامل النمو growth factor حاملا معه إشارة بدء الانقسام.
عندما يصل عامل النّمو إلى الخلية يكون في استقبالهِ مرسال خاص بالخلية يسمّى بموصّل الإشارة أو Signal
transducer.
الدور الأساسي الّذي يقوم به Signal transducer هو أخذ أوامر الانقسام من عامل النمو، وإيصالها إلى النواة لكي تبدأ عملية الانقسام .
يجب أن تعرف أنَّ عملية الانقسام تتم وفق مجموعة من المراحل ،وهذه المراحل ضرورية جدّاً لضمان الدّقة في العمل
، وإنتاج خلايا دون وجود أي شذوذ فيها .
لكي تمر الخلية من مرحلة إلى أخرى يجب أن تمر على ما يشبه نقاط التفتيش أو Check Point .
تقوم نقاط التفتيش هذهِ بالتّأكُّد من أن المعلومات الّتي تحملها الخلية ما زالت مطابقة لمعلومات الخلية الأصلية .(نقصد بالمعلومات هنا المجين أو DAN)
في حال كانت المعلومات هذه مطابقة، تعبر الخلية نحو المراحل التّالية أي تقوم بإكمال الانقسام.
في حال كانت هذه المعلومات خاطئة أو مغايرة للمعلومات الأصلية(تحتوي طفرات) فهنا يكون لدى الجسم حلّان :
- 1.إصلاح الخطأ.
- 2.التخلُّص من الخلية الّتي تحتوي طفرات بشكل نهائي .
أصبحت الآن مدركاً أن عملية الانقسام لا تتم بشكل عشوائي، وإنّما تتم وفق خطوات منظّمة بشكل كبير ومراحل مستقلة عن بعضها البعض بين كل مرحلة وأخرى نقاط تفتيش .
وأيضاً عملية الانقسام هذهِ تكون محدودة أي أنَّها تنتهي بعد إكمال عدد مرات الانقسام المطلوبة منها(هذه المعلومات تكون مذكورة في الرّسالة الّتي حملها عامل النّمو للخلية).
إلى هنا نكون قد أنهينا الحديث عن مجموعة من الأفكار الهامّة الّتي تتعلّق بالسّرطان.
حيثُ تحدّثنا عن مقدمة تخص الصّحة والأمراض، وأكملنا مقالنا بالحديث عم لمحة تشريحيِّة بسيطة فأشرنا إلى أن الجسم يتكوّن من وحدات بنائيّة صغيرة جدَّاً تكون متراصّة مع بعضها لتكوّن هذا الكيان البشري الضّخم، وأنهينا المقال بالحديث عن الانقسام الّذي يحدث بشكل طبيعي في الخلايا والّذي من خلاله نحصل على خلايا جديدة تؤدّي نفس وظائف الخلايا الّتي فقدناها.
هذه المعلومات ضروريّة جدَّاً لفهم المعلومات الّتي سأطرحها في مقالي القادم والّذي سأتحدّثُ فيه عن الشذوذ الّذي يحصل أثناء انقسلم الخلايا والّذي يؤدّي إلى حدوث السَّرطان. "إقرأ المزيد"
أتمنّى أن يكون مقالي هذا مفيداً ومُختصراً بحيث يتضمّن أهم الأفكار الخاصّة بالموضوع المطروح..
إلى اللّقاء..
بقلم الدكتور علي سويدان
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك