تحدَّثنا في مقال سابق " الجزء الأول " عن جهاز مكوّن من مجموعة خلايا عصبيِّة يُدعى بالسّاعة البيولوجيِّة.
وبدأنا المقال بالحديث عن وجود آلية تقوم أجسامنا من خلالها بالسّيطرة على مواعيد النّوم واليقطة وباقي النشاطات اليوميّة فتجعلها مرتبطة بتوقيت محدّد.
وفيما بعد ذكرنا العالم MICHEL SIFFRE وتجربتهُ عام 1962 الّتي اكتشف من خلالها السّاعة البيولوجيِّة.
وأنهينا المقال بالحديث عن الدِّراسات الّتي وضّحت علاقة السّاعة البيولوجيِّة بحدوث الأمراض، حيثُ حصدنا من خلال هذهِ الدِّراسات العديد من الفوائد، أهمُّها تحديد مواعيد دقيقة لتناول الأدوية وخاصّة أدوية السَّرطان.
سنكمل اليوم الحديث عن السّاعة البيولوجيِّة، وسنجيب عن أبرز الأسئلة الّتي تراودت إلى ذهنك عزيزي القارِئ.
أوّلاً، ما هي الآلية الّتي تعمل من خلالها السّاعة البيولوجيِّة؟
تقوم السّاعة البيولوجيِّة الموجودة في أجسامنا بالتَّحكُّم في مواقيت نشاطاتنا اليوميّة من خلال آلية معيّنة يمكن تلخيصها في هذه التعدادات:
- تقوم السّاعة البيولوجيِّة بالتَّحكم والسّيطرة على نسب هرمونات معيّنة في أجسامنا.
- تقوم السّاعة البيولوجيِّة بإحداث تغييرات في نسب الهرمونات على مدار اليوم.
- تقوم الساعة البيولوجيِّة بزيادة نسب هرمونات معيّنة في أوقات محدّدة، وفي أوقات أخرى تقوم بإنقاص نسب هذه الهرمونات.
سؤال : ما هي أهم الهرمونات الّتي تقوم السّاعة البيولوجيِّة بالتّأثير عليها؟
إنّ أهم الهرمونات الّتي تخضع لتأثير هذهِ السّاعة هما هرمونا :
- الميلاتونين
- الكورتيزول.
هذه الهرمونات كل منهما يعمل بآلية عمل مضادّة أو معاكسة لآلية عمل الهرمون الآخر.
سنشرح في الفقرة القادمة آلية عمل كل منهما.
- هرمون الميلاتونين يفرز من الغدّة الصنوبريّة الموجودة في المخ، عندما تزداد نسبته في جسمك فإنَّهُ يوجّه أنظارك نحو السرير، فهو يعدُّ المنوم الخاص بأجسامنا.
أعلى نسبة يصل لها الميلاتونين في جسمك تكون في السّاعة الثانية عشر بعد منتصف اللّيل(تم تحديد هذا التوقيت بعد عدّة تجارب ودراسات لأشخاص طبيعيّين ليس لهم أي التزامات أو أمراض تجبرهم على السّهر أو مقاومة النُّعاس).
- هرمون الكورتيزول يُفرز من قشرة الغدّة الكظريّة الّتي تعلو الكِلى، ونسب هذا الهرمون في جسم الإنسان تزدادُ صباحاً، عند استيقاظه من النُّوم، وزيادة نسب هذا الهرمون في هذا الوقت ضروري جدَّاً،
إضاءة بسيطة على آلية عمل هرمون الكورتيزول :
- يقوم هذا الهرمون بزيادة نسبة السكّر في الدّم.
- يعمل أيضا على رفع ضغط الدّم.
- .يساعد على تحسين أدوات التّفكير والإدراك وأهمّها الذّاكرة
- يساعد على مواجهة الضّغوطات الّتي نتعرّض لها يوميِّاً (ضغط عمل، ضغط دراسة، الخ..).
موقع السّاعة البيولوجيِّة، وعلاقته بآلية عملها :
الخلايا العصبيّة المسؤولة عن تنظيم السّاعة البيولوجيِّة، تتواجد في المخ فوق العصب البصري.
العصب البصري يخرج من العين ويكمل مسيره نحو الباحات البصرية في الدّماغ، هذهِ الباحات منها أولية ومنها ثانوية، هنالك يتم التَّعرُّف على ما نرى، وتفسيره، وتخزينهُ.
إذا تتبَّعنا مسار النقل العصبي البصري، سنلاحظ أن منطقة المخ المسؤولة عن تنظيم السّاعة البيولوجيِّة تقع في الثلث الأوّل تقريبا من الدّماغ فوق العصب البصري، لهذه المنطقة عدّة أسماء أكثرها تداولاً Supra-chiasmatic nucleus
وهي عبارة عن مصطلح لاتيني معناها العربي مجموعة الخلايا العصبيّة الموجودة فوق العصب البصري.
العصب البصري يمكن اعتباره السلك الّذي يقوم بإيصال السيالة العصبية البصرية من العين إلى منطقة الإبصار في المخ، وهنالك تتم ترجمة هذه السيالة كي تدرك أنتَ ما تراه.
على عكس السّاعات العادية، فالسّاعة البيولوجيِّة لا تعمل عن طريق البطاريات أو غيرها، وإنَّما تعتمد في عملها على الضّوء.
كيف يساعد الضوء السّاعة البيولوجيِّة في عملها؟
وظيفة العين هي الإحساس بالضّوء، وتقوم بإرسال هذا الإحساس على شكل إشارة عصبيِّة (سيالة عصبيِّة) عن طريق العصب البصري، وكما ذكرنا سابقا منطقة تواجد السّاعة البيولوجيِّة تكون فوق العصب البصري،
لذلك - وركّز هنا معي عزيزي القارِئ- سيبعث العصب البصري إشارة كهربائيّة لمنطقة السّاعة البيولوجيِّة، هذهِ الإشارة تعدُّ بمثابة رسالة تفهم من خلالها السّاعة وجود النّور أو الضوء ( أي : نحنُ في النَّهار)،
فتكون استجابة السّاعة لهذه الرّسالة عن طريق تقليل إفراز الميلاتونين(المُنوِّم)، وتزوّد إفراز الهرمونات الّتي تبقيك يقظاً وعلى رأسها الكورتيزول(المُنشِّط).
تصرفات خاطئة :
آلية العمل الّتي ذكرناها سابقاً تُفسِّر لماذا معظم النَّاس لا تستطيع النّوم عند وجود ضوء أو نور.
وهذه الآلية سابقا-قبل اختراع التكنولوجيا وتقدُّم وسائل التواصل الاجتماعي - كانت تعمل بشكل صحيح.
ولكن في الوقت الحالي أصبحنا نحنُ السّد الّذي يقف في وجه الساعة البيولوجيِّة ويمنعها من العمل بشكل صحيح.
سنذكر بعض الأخطاء اليوميّة الّتي نقوم بها والّتي تؤثّر بشكل سلبي على عمل السّاعة البيولوجيِّة :
التصرُّف الأشنع- الّذي نقوم به - تجاه السّاعة البيولوجيِّة،
تكون ذاهباً إلى السَّرير كعادتك، فتشعر أنَّك غير قادر على النَّوم لأي سببٍ كان، فلا تتوانى عن فتح هاتفك ومشاهدة فيديوهات اليوتيوب وصفحات الفيسبوك وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي،
وتنظر إلى السّاعة دون قصد ترى أنَّك قد أمضيت ساعة على الأقل.. صحيح؟!
هذا يحدث لنا جميعاً وللأسف أصبح نشاط يومي لأغلبنا قبل النّوم.
لأنّك بهذهِ الطّريقة تقوم حرفياً بإضاعة النّوم وذلك لأنّ النور الّذي يدخل عن طريق الشّاشة، وإثناء انتقاله من العين إلى مراكز الإبصار في الدّماغ سيرسل نفس الإشارة الكهربائية-الّتي يرسلها في ضوء النّهار- للسّاعة البيولوجيِّة،
بالتّالي ستقوم بتقليل إفراز الميلاتونين الّذي يعدُّ بمثابة المنوِّم الخاص بالجسم، وعندما تقل نسب الميلاتونين (المنوم) سوف تبقى يقظاً،
لذلك يفضّل أن تترك الهاتف النّقال عند ذهابك للنّوم لكي تستمتع بنوم عميق وتستيقظ بكامل نشاطك وقوتك لمواجهة الحياة..
إلى هنا نكون قد أنهينا الحديث عن الأفكار الّتي وددت طرحها في مقالي هذا، سنكمل بقيّة الأفكار في مقالاتٍ لاحقة..
" إقرأ المزيد " لتعرف ....ماذا يحصل في جسمك خلال اليوم؟
🩺 بقلم الدكتور علي سويدان
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك