المضاد الحيوي، صديق اليوم عدو الغد
- الجزء الثاني -
المضاد الحيوي، صديق اليوم عدو الغد |
كنا قد تحدثنا في المقال السابق عن تاريخ اكتشاف المضاد الحيوي و و الكائنات الحيّة المسببة للأمراض..
سنكمل اليوم موضوعنا عن الأمراض البكتيرية و وأضارا استخدام المضادات الحيوية بدون ضرورة..
الأمراض البكتيريّة والأمراض الفيروسيّة:
السؤال الأهم هنا ما هي الأمراض الّتي ينفع معها المضاد الحيوي - والّتي هي بالأصل أمراض ناتجة عن إصابة بكتيريّة-، وما هي الأمراض الّتي لا ينفع معها المضاد الحيوي والّتي تنتج عن الإصابة بفايروس ما؟
الأمراض البكتيريّة مثل أغلب الالتهابات الصديديّة (الخراج، الدّمل وهي بثور مؤلمة تكون مملوءة بالصّديد وتتكوّن تحت الجلد)، أو العدوى الّتي تأتي بعد العمليات الجراحيّة، مرض السِّل الرِّئوي، الالتهاب السّحائي الّذي يصيب المخ، التهاب الحلق البكتيري ويكون مرافق لصديد(إفراز يخرج جرّاء الالتهاب) أصفر اللّون. هنا يجب عليك التفريق فهمنالك التهاب حلق غير بكتيري وهذا النّوع لا يرافقه صديد أصفر.
الأمراض الفيروسيّة مثل نزلات البرد، الأنفلونزا، التهاب الحلق غير المصحوب بصديد أصفر، كلّها تُصنّف ضمن الأمراض الفيروسيّة، وهذه الأمراض يستطيع الجهاز المناعي السّيطرة عليها، وبالتّالي الأدوية المستخدمة فقط تكون لتخفيف حدّة الأعراض النّاتجة عن الإصابة ليس إلّا.
أضرار استخدام مضاد حيوي بدون داعي:
يا ترى ماذا سوف يحصل إذا استخدمتَ مضاد حيوي في حالات لا تتطلّب استخدام هذا المضاد، هل حقّاً أنت بذلك لا تؤثّر على نفسك فحسب، وإنّما تساهم بكارثة سوف تحصل للعالم بشكل كامل؟؟
بغض النّظر عن كمية الأموال الّتي ستخسرها دون داعي، فأنت بفعلك هذا تقوم بكشف سلاحك أمام البكتيريا، وتساهم في ظهور وانتشار سلالات مضادة لجميع الصادات الحيويّة.
حيثُ أنّنا عندما نأخذ المضاد الحيوي دون داع، فالمستفيد الأكبر هو البكتيريا، لأنها تستغل وجوده فتقوم بتطوير آليات مقاومة له.
تم اكتشاف أول حالة مرضيّة مُصابة ببكتيريا مقاومة لجميع المضادات الحيويّة في أمريكا.
الحالة انتشرت في جريدة رويترز في 26/5/2016.
عندها أصبحت جميع الإشارات توحي بأنّنا على اعتاب انتهاء عصر المضادات الحيويّة.
وبالفعل بعد عام دخل العالم في عصر انتهاء فاعلية المضادات الحيويّة، وجاء ذلك بعدما صرّحت منظمة الصّحة العالميّة WHO في مقال نُشر على موقعها في تاريخ 20/9/2017 جاء فيه أن العالم بدأ ينفذ من المضادات الحيويّة.
وبعدما كُنَّا قد قضينا على أمراض خطيرة مثل السّل الرّئوي، عادت هذه الأمراض بصورة أقوى وأكثر مقاومة.
والإحصائيات الّتي انتشرت تقول أن المقاومة البكتيريّة تسبب حوالي 2 مليون إصابة سنويّاً، وتساهم في قتل 22 ألف مريض كل سنة، وذلك لأنّ الأدوية لم تعُد تُعطي نتيجة.
وعلى الجهة المقابلة فإنَّ شركات الأدوية والأبحاث الّتي تعمل في مجال المضادات الحيويّة، أصبحت قليلة في الفترات الأخيرة، وتراجعت بشكل كبير في إنتاجها، وذلك لأنها تقوم بصرف ملايين الدولارات على مضاد حيوي، وبعد سنة يُصبح مثله مثل كأس الماء، لأنّ البكتيريا تصبح مقاومة له.
نصائح هامة
وابتداءً من اليوم يجب علينا زيادة الوعي في التّعامل مع المضادات الحيويّة لحين اكتشاف العلم حل لظاهرة مقاومة البكتيريا لهذه المضادات.
فيجب علينا عدم استخدام هذه المضادات دون وجود سبب واضح لاستخدامها، مثلا شعرت ببعض التّعب أو أصابك التهاب خفيف أو شعرت بارتفاع طفيف في حرارتك احذر أن تتّجه بشكل مباشر لأخذ المضاد الحيوي، فهذه حالات تذهب من تلقاء نفسها ولا تتطلّب أخذ مضاد حيوي، اترك لجسمك فرصة أن يقاوم بعض الشّيء، ويجب عدم استخدامها دون إشراف طبي من قبل الطبيب المختص، حيثُ يحدّد لك الجرعة الّتي تناسبك، والفترة الزمنيّة الّتي عليك الالتزام بها في أخذ الجرعات، وعدم العبث بها أي لا تقم بالانقطاع عن أخذ الدّواء من تلقاء نفسك أو عندما تشعُر بتحسُّن.
عزيزي القارِئ إذا استمرّيت في أخذ المضاد الحيوي بهذا الشّكل فأنت تقوم بقتل نفسك بشكل بطيء، وتُضعف من مقاومة جسمك وتُخسر فرصة العلاج في المستقبل عندما تكون بحاجة ماسّة لاستخدام المضاد الحيوي.
لأنّك إذا استمريت في هذه العشوائية، فأنت تُعرّض نفسك للإصابة بالأمراض البكتيريّة المقاومة لجميع الصادات الحيويّة، فهذه العشوائية تكشف للبكتيريا السّلاح الّذي تواجهها بهِ، وبالتّالي تبني عندها آليات مضادة لهذا السّلاح، أي انت تساهم في هدم خطوط الدّفاع الموجود في جسمك.
ومن الممكن إذا استمرّت هذه العشوائية في التعامل مع المضادات الحيويّة، أن يصل بنا الحال إلى فترة زمنيّة يكون فيها أقل جرح يُصاب بعدوى بكتيريّة قد يؤدّي للوفاة، وهذا يعني فشل جميع العمليات الجراحيّة بسبب عدوى مقاومة لجميع المضادات الحيويّة.
أتمنّى أن تكون قد حصلت على المعلومات الكافية بهذا الموضوع، دمتم برعاية الله.. ألقاكم في موضوع جديد..
بقلم الدكتور علي سويدان 👨🏻⚕️
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك