مؤسسة سطر لصناعة المُحتوى العربي 8/21/2021 12:32:00 ص

 يمضي العمر كله .. في لحظة ألم ... ‎

يمضي العمر كله .. في لحظة ألم ... ‎
يمضي العمر كله .. في لحظة ألم


عندما كنتُ في السابعة من عمري البريء , خرجتُ من مقعدي متجهةً نحو الصبورة لأحلَّ المسألة المعقدّة :

" 5 + 9 = ؟؟ "

أخذتُ نفساً عميقاً , تذكّرت ُ تدريباتي الليليّة مع أمي لأجل هذا الاختبار السريع .. أخذتُ الطبشور الأبيض , و وضعتُ الجواب بعد مهلةٍ منحتني إياها المعلمة و التي لا تتجاوز الدقيقة ..

" 14 "

و بالطبع لم تثني ذلك الثناء و الإطراء الشغوف , و كأنَّ معرفة طفلة لمثل هذا الجواب و بهذا الوقت القصير .. أمرٌ بديهي ..

و لكنني أخبرتُ نفسي " رائعة .. أنت لها " (( كما كان أبي يقولها لي .. دائماً ))

و عدتُ أدراجي إلى مقعدي , عندها ..

وقعتُ على الأرض , و أمسكتُ بأوّل مقعدٍ ظهر أمام يدي ..

فخدشتها و عبر الخشب لداخلها , و لكنني حبستُ دمعتي كي لا توبخني المعلمة على طيشي , و الأهم من هذا , لأنه و باعتقادها , أفسدتُ عليها حصتها أمام موجهة التربية  ...

و عندما وصلتُ و أخيراً , همستْ لي زميلتي : لابدّ أنَّ والدتك حزينة منك .. لهذا الله عاقبك بأذية يدك .. و سقوطك ..

فكّرت ُ طول اليوم : لمَ والدتي حزينة ؟ لقد درستُ جيداً , خلدتُ للنوم و استيقظتُ دون إزعاجها و تعذيبها , تناولتُ فطوري دون تذّمر و لبستُ ملابسي لوحدي .. و أصبتُ بحلِّ المسألة ...

و لا أحد أخبرني .. أنه خطأ النّجار , لعدم إتقانه أمانته و عمله ..

و لا أحد أخبرني .. أنَّ رباط حذائي حلّت عقدته .. تلك الزميلة ....

(( و من يومها ... كرهتُ الرياضيات ))

و حماني الله منها , بنقلي إلى مدرسةٍ حسنة التعامل و المظهر .. لاحقاً ..

و  نجحتُ بتفسير .. ذلك الألم ..

و في الإعداديّة ..

ذات مرة , جاء أبي لاصطحابي من المدرسة , بعد أن وقعت حادثة حربيّة مؤلمة بالقرب من مدرستنا ..

خوفه و عاطفته دفعته للمجيء .. لكن بعد عدّة ساعات .. 

فلم يسمح لأحد العبور قبل ذلك ..

كنتُ مصابةً " بالقليل من رذاذ الزجاج على وجهي .. جروح بسيطة " ..

هذا ما أخبروني به لتهدأ روعي و ألمي .. 

لكنني كنتُ أراها .. أراها بوضوح على وجوه أصدقائي و معلماتي التي علتها تعابير الشفقة ...

كنتُ المصابة الوحيدة بحكم جلوسي الدائم أمام الشبّاك , بسبب مرضي ( التهاب قصبي مزمن .. أو ما يدعى بالربو ) ....

و لم يجرأ أحد على تقديم المساعدة لي , رغم شفقتهم .. لربما لأنني أصبحتُ قبيحة أكثر من الحرب  .. لإخافتهم .. 

و بلطفٍ من الله , و كرمٍ منه .. عاد وجهي لطبيعته .. لاحقاً ..

(( و من يومها .. كرهتُ الدماء )) 

و نجحتُ بتفسير .. ذلك الألم ..

و في الثانويّة ..

مرةً أخرى , أبي هو منقذي الوحيد , لكن هذه المرة لم يحدث شيء سيئ .. كان فقط يريد مرافقتي للمنزل لنتناول الحلوى معاً , تعويضاً عن مرور ميلادي دون حضوره , لانشغاله و انخراطه بأعماله التي لا تتوقف حتى في العطل ..

المهم ...

وبختني مدرّبة الفتوّة أمامه , لارتدائي بنطالاً باللون " الشوكو "

بدل الرمادي .. و بالطبع والدي أخبرها أنَّ هذا الحدث لن يتكرر ثانية ً ..

هذه المرة أنا التي لم أخبر أحد , كانتقام للسنوات الماضية  .. 

أنَّ اللون الرمادي تحوّل إلى " الشوكو" , لكثرة غسيله و وسوسة والدتي في النظافة .. و بأنني أعي جيداً استحالة وضعنا المادي بأن يقوم بشراء بنطالاً مدرسياً , رغم أعماله المتراكمة .. إلا مصاريف الحياة و صروفها .. متراكمةٌ أكثر ..  

و برزقٍ من الله .. اشترى لي والدي البنطال .. لاحقاً ..

(( و من يومها .. كرهتُ اللون الرمادي ))

و نجحتُ بتفسير .. ذلك الألم ..

و العديد من الأحداث التي نجحتُ , بل انتصرتُ بتفسير ألمها .. و البعض بتجاوزها ( نصرٌ في جميع الأحوال ) 

لكن الآن ... بعمر الأربعين ..

هنا .. من وسط ركام البياض ..

لم ألمح للحظة واحدة .... طيفٌ واحد .. يفسر لي .. هذه الآلام ...

و مع ذلك .. لازلتُ أنتظر رحمة الله .. بكلمة " لاحقاً " ..

✒️ بقلمي شهد بكر

إرسال تعليق

كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك

يتم التشغيل بواسطة Blogger.