يمضي العمر كله .. في لحظة ألم ...
يمضي العمر كله .. في لحظة ألم |
عندما كنتُ في السابعة من عمري البريء , خرجتُ من مقعدي متجهةً نحو الصبورة لأحلَّ المسألة المعقدّة :
" 5 + 9 = ؟؟ "
أخذتُ نفساً عميقاً , تذكّرت ُ تدريباتي الليليّة مع أمي لأجل هذا الاختبار السريع .. أخذتُ الطبشور الأبيض , و وضعتُ الجواب بعد مهلةٍ منحتني إياها المعلمة و التي لا تتجاوز الدقيقة ..
" 14 "
و بالطبع لم تثني ذلك الثناء و الإطراء الشغوف , و كأنَّ معرفة طفلة لمثل هذا الجواب و بهذا الوقت القصير .. أمرٌ بديهي ..
و لكنني أخبرتُ نفسي " رائعة .. أنت لها " (( كما كان أبي يقولها لي .. دائماً ))
و عدتُ أدراجي إلى مقعدي , عندها ..
وقعتُ على الأرض , و أمسكتُ بأوّل مقعدٍ ظهر أمام يدي ..
فخدشتها و عبر الخشب لداخلها , و لكنني حبستُ دمعتي كي لا توبخني المعلمة على طيشي , و الأهم من هذا , لأنه و باعتقادها , أفسدتُ عليها حصتها أمام موجهة التربية ...
و عندما وصلتُ و أخيراً , همستْ لي زميلتي : لابدّ أنَّ والدتك حزينة منك .. لهذا الله عاقبك بأذية يدك .. و سقوطك ..
فكّرت ُ طول اليوم : لمَ والدتي حزينة ؟ لقد درستُ جيداً , خلدتُ للنوم و استيقظتُ دون إزعاجها و تعذيبها , تناولتُ فطوري دون تذّمر و لبستُ ملابسي لوحدي .. و أصبتُ بحلِّ المسألة ...
و لا أحد أخبرني .. أنه خطأ النّجار , لعدم إتقانه أمانته و عمله ..
و لا أحد أخبرني .. أنَّ رباط حذائي حلّت عقدته .. تلك الزميلة ....
(( و من يومها ... كرهتُ الرياضيات ))
و حماني الله منها , بنقلي إلى مدرسةٍ حسنة التعامل و المظهر .. لاحقاً ..
و نجحتُ بتفسير .. ذلك الألم ..
و في الإعداديّة ..
ذات مرة , جاء أبي لاصطحابي من المدرسة , بعد أن وقعت حادثة حربيّة مؤلمة بالقرب من مدرستنا ..
خوفه و عاطفته دفعته للمجيء .. لكن بعد عدّة ساعات ..
فلم يسمح لأحد العبور قبل ذلك ..
كنتُ مصابةً " بالقليل من رذاذ الزجاج على وجهي .. جروح بسيطة " ..
هذا ما أخبروني به لتهدأ روعي و ألمي ..
لكنني كنتُ أراها .. أراها بوضوح على وجوه أصدقائي و معلماتي التي علتها تعابير الشفقة ...
كنتُ المصابة الوحيدة بحكم جلوسي الدائم أمام الشبّاك , بسبب مرضي ( التهاب قصبي مزمن .. أو ما يدعى بالربو ) ....
و لم يجرأ أحد على تقديم المساعدة لي , رغم شفقتهم .. لربما لأنني أصبحتُ قبيحة أكثر من الحرب .. لإخافتهم ..
و بلطفٍ من الله , و كرمٍ منه .. عاد وجهي لطبيعته .. لاحقاً ..
(( و من يومها .. كرهتُ الدماء ))
و نجحتُ بتفسير .. ذلك الألم ..
و في الثانويّة ..
مرةً أخرى , أبي هو منقذي الوحيد , لكن هذه المرة لم يحدث شيء سيئ .. كان فقط يريد مرافقتي للمنزل لنتناول الحلوى معاً , تعويضاً عن مرور ميلادي دون حضوره , لانشغاله و انخراطه بأعماله التي لا تتوقف حتى في العطل ..
المهم ...
وبختني مدرّبة الفتوّة أمامه , لارتدائي بنطالاً باللون " الشوكو "
بدل الرمادي .. و بالطبع والدي أخبرها أنَّ هذا الحدث لن يتكرر ثانية ً ..
هذه المرة أنا التي لم أخبر أحد , كانتقام للسنوات الماضية ..
أنَّ اللون الرمادي تحوّل إلى " الشوكو" , لكثرة غسيله و وسوسة والدتي في النظافة .. و بأنني أعي جيداً استحالة وضعنا المادي بأن يقوم بشراء بنطالاً مدرسياً , رغم أعماله المتراكمة .. إلا مصاريف الحياة و صروفها .. متراكمةٌ أكثر ..
و برزقٍ من الله .. اشترى لي والدي البنطال .. لاحقاً ..
(( و من يومها .. كرهتُ اللون الرمادي ))
و نجحتُ بتفسير .. ذلك الألم ..
و العديد من الأحداث التي نجحتُ , بل انتصرتُ بتفسير ألمها .. و البعض بتجاوزها ( نصرٌ في جميع الأحوال )
لكن الآن ... بعمر الأربعين ..
هنا .. من وسط ركام البياض ..
لم ألمح للحظة واحدة .... طيفٌ واحد .. يفسر لي .. هذه الآلام ...
و مع ذلك .. لازلتُ أنتظر رحمة الله .. بكلمة " لاحقاً " ..
✒️ بقلمي شهد بكر
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك