مفهوم التفكير الجانبي ومبادئه النظرية وأساليبه العملية
سأحكي لكم قصة
كان يوجد إمرأتين كبار في السن يتشاجرون على طفل صغير عمره يوم ،
كل واحدة فيهم تقول أن الطفل ابنها والثانية تحاول سرقته منها ،ذهبوا للقاضي ليحكم فيما بينهم ،
والمسؤول عن القضاء كان سيدنا سليمان عليه السلام ،دخلوا عليه وقصوا له الحكاية كلها ،
وبعد أن سمع منهم قال لهم بما أنكم أنتن الإثنتين تريدون الطفل فنحن سنقسمه اثنين ونعطي لكل منكن نصف ، ويطلب من الحاجب أن يأتي بسيف ،
وهنا صرخت الأم الحقيقية بسرعة وتقول له " لا " لست بحاجته فهو ابن الثانية ،
في حين أن الثانية تسكت ولا تعلق ولم تهتم لما سيحصل للطفل الصغير ،
وهنا قد عرف القاضي الأم الحقيقية
ولما ضغط على الثانية عرف أنه ليس بابنها ، فقد خطفته مكان ابنها الذي توفي وبدلته مكانه ،
هذه الحكاية تعتبر مثالا مناسباً لموضوع اليوم وهو
التفكير الجانبي ....
وقبل التكلم عنه اسمحوا لنا بالتكلم عن التفكير العمودي ،
فمن الطبيعي أن القاضي عندما تعرض عليه قضية يجمع المعلومات ويسمع ما يقوله الشهود ويقارن الأدلة ويوازن ثم يصدر النتيجة ، لكن افرض أنه ليس هناك معلومات كافية ،
ولا توجد أدلة ولا يوجد شهود ، فهل هذا يعني أنه مستحيل الوصول لنتيجة أو حكم ،
أو افرض أن عملية المقارنة مكلفة جداً ونحن محتاجين لتقييم الموضوع بسرعة ،
فماذا نفعل ؟
لا يوجد لدينا سوى التفكير الجانبي ، وبدل مهاجمة المشكلة بصورة مباشرة ونحلها بالطريقة العادية ، سنلف حولها من الجانب بطريقة غير مباشرة وإبداعية .
التفكير الجانبي :
أو إن أحببت أن تطلق عليه اسم التفكير الإبداعي
أو التفكير خارج الصندوق
فهو لا يتم بصورة اعتباطية ولا هو إلهام ينزل على الناس فجأة ،
له قواعد ومبادىء ومنطق نسير عليه :
- أول مبدأ : عدم التسليم بنقطة الدخول المتعارف عليها وكأنها هي الحل الوحيد :
فما هي نقطة الدخول هذه ؟
هي بداية طريق أو نمط الحل ، فلو أنت تواجه مشكلة وسترى مسار للحل متعارف عليها والناس كلها تستخدمه ، فأنت المفروض أن لا تسلم فيها على أنها الحل الوحيد ،
فمثال المحكمة الذي قلناه أعلاه وما يسمى الاتجاه المنطقي المتعارف عليه للحل هو صحة وقوة الإبداعات ، ونقطة الدخول تقوم على سماع الشهود وموازنة الأدلة ، لكن لو لا نقفل دماغنا ونسلم أن الطريقة هذه هي الحل الوحيد ،
سنرى وجود نقط دخول أخرى نحن لم ننتبه لها ، كعاطفة الأمومة التي تم استخدامها كنقطة دخول لحل القضية في المثال السابق ، فهذا أساس التفكير الجانبي كله ، وهو عدم التسليم بالمتعارف عليه ،
وكسر الأنماط السابقة الذي يتعبر وراء كل اكتشاف أو اختراع في تاريخ البشرية ، فأنشتاين لم يكن على سبيل المثال قد استنتج النظرية النسبية لو سلم بالمتعارف عليه ، فعدم تسليمه بالمتعارف عليه هي التي فتحت له المجال للخروج بفكرة جديدة وهكذا .
فالصحيح أن تبدأ التعامل مع المشكلة أو المسألة من غير تحيز ومن دون أي توجيه لتفكيرك أو تركيزك في اتجاه معين ، مهما كان واضحا أنه الحل ومهما كان متعارفاً عليه .
يتبع في الجزء الثاني ...
بقلم جمال نفاع
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك