هل نمتلك إرادة حرة؟ الجزء الثاني
أفكار غريبة:
منذ بضعة عقود ظهرت مدرسة فكرية تقول بأن البشر لا يمتلكون أية إرادة حرة، فأفعال البشر عامةً نتيجةٌ لمجموعةٍ من التفاعلات الفيزيائية و الكيميائية التي تحدث داخل اجسادهم عامةً و أدمغتهم خاصةً، والانسان لا يفعل إلا ما تمليه عليه تلك التفاعلات، وبالتالي يمكن من خلال قوانين الفيزياء و الكيمياء تحديد جميع أفعال البشر تجاه ما يواجهونه، أما فكرة الارادة الحرة فهي مجرد وهم صنعه البشر بأنفسهم ليقنعوا أنفسهم بأن حياتهم لها معنى وبأنهم مميزون عن باقي المخلوقات ولولا تلك الفكرة ليأس الكثير من الناس من حياتهم وربما اتجهوا نحو الانتحار.
لو اقتنع أي شخص بأنه مسير تماماً وليس لديه أية إرادة حرة فلن يكون لديه أي هدف في الحياة ولا أي رغبة في تغيير أي واقع يجد نفسه فيه بل حتى تعامله مع الناس سيكون مبنياً على ذلك الاقتناع فلن يفرح بما يقدمونه له ولن يغضب لو أساؤوا له و قد لا يبدي أي رد فعل تجاه أي شيء.وحجته دائماً أن الناس غير مسؤولين عن أفعالهم لأنهم لم يفعلوها بمحض إرادتهم.
تخيلوا لو أن قاضياً ما لديه القناعة بأن الناس مسيرون ولا يمتلكون الإرادة الحرة فكيف سيحكم على شخصٍ ما عندما يرتكب جريمةً ما؟
تجارب وأبحاث:
قام بعض علماء النفس ببعض التجارب فأعطوا مجموعةً من الأشخاص نصاً ليقرؤوه عن أن العلم أثبت بالدليل القاطع عن عدم وجود الإرادة الحرة لدى البشر، كما أعطوا مجموعةً أخرى من الأشخاص نصاً يقول إن العلم أثبت بأن الناس يمتلكون كامل الإرادة الحرة في أفعالهم، ثم قام العلماء بمراقبة الأشخاص من الفريقين فوجدوا أن أفراد الفريق الأول باتوا ميالين في أفعالهم إلى الغش وقلة الاهتمام بمختلف نواحي الحياة أكثر من أفراد الفريق الثاني الذين صاروا اكثر ميلاً إلى الأمانة والشعور بالمسؤولية.
قام أحد علماء النفس ويدعى بنجامين ليبيت بإجراء تجربة لمعرفة مقدار الأرادة الحرة لدى البشر فجمع مجموعةً من المتطوعين من فئاتٍ عمرية واجتماعية وثقافية مختلفة وطلب منهم أن يقوموا بفعلٍ محدد (رفع اليد مثلاً) في أية لحظة يريدونها دون أي تأثير خارجي ووضع أمامهم ساعة عادية وطلب من كل شخصٍ أن ينتبه إلى الساعة في اللحظة التي يقرر فيها رفع يده، كما ربط مجموعةً من أجهزة القياس على رأس كلٍ منهم ليقيس نشاط أدمغتهم الكهربائي فوجد بأن النشاط الكهربائي للدماغ يسبق القيام بالعمل بمقدار نصف ثانية تقريباً ما يعني أن الدماغ استعد للقيام بالفعل مسبقاً و هذا يقود إلى استنتاج أن الشخص لم يمتلك القرار بل نفّذ ما يمليه عليه دماغه الذي اتخذ القرار بناءً على مجموعة من المعطيات غير الواضحة.
فيما بعد أعاد هذه التجربة علماء نفس كثر و حصلوا على نفس النتائج واستنتجوا أن أفعالنا مبرمجة مسبقاً في أدمغتنا بناءً على كل ما مر معنا منذ ولادتنا فإرادتنا ليست حرة مطلقاً. علماء آخرون لم يقتنعوا بهذا الطرح و اعترضوا على نتائج هذه التجربة ولكن مع تطور التقنيات والتجهيزات المستخدمة لقياس النشاط الكهربائي للدماغ تبين بأن الفاصل الزمني بين اتخاذ القرار في الدماغ وقيام الشخص بالعمل قد يصل إلى أكثر من خمس ثواني وهذا يؤكد أن القرار الدماغي يسبق الفعل بكثير، ولكن بعض المعترضين على عدم وجود إرادة حرة طرحوا فكرةً هامة وهي أن الإرادة توجد قبل الفعل بزمن طويل نسبياً وبأن الدماغ استعد لتنفيذ هذه الإرادة ولكن الفعل قد يتأخر.
بقلمي سليمان أبو طافش✍️
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك