المذهب الإبداعي .. يجسد العشق
المذهب الإبداعي .. يجسد العشق |
الميادين الأدبيّة واسعة جداً ، فبين الفترة و الأخرى يفتح الأدباء و الشعراء أبواب جديدة بوسائلهم الفنيّة إلى عالم تجسيد الشعور..
و قد كانت إحدى الأبواب مذاهبٌ أدبيّة ، ما انثبق منها أو زاد عليها .
برز فيها " المذاهب الإبداعي " ..
حيث وجدت الإبداعيّة طريقها مفتوحاً إلى قلوب الشعراء ، فكانت تخاطب العاطفة .. لا العقل ، لأنَّها خرجت من ثوب القدماء بصورها الجديدة و اختبأت في كوخ الطبيعة ، مشعة بألفاظ مأنوسة و بسيطة ، فالإبداعيّة تحدّثت عن مواضيع غنائيّة ذاتيّة ، عبّرت عن المشاعر ، فكان الحبُّ و وصف المحبوبة من أفضل الأطباق عندها .
و هكذا راح الشعراء يتغنون بجمال محبوبتهم و عفتها ، فقد توضأ القمر من جمال وجهها و صلّى صلاة الهوى لعينيها ، و همس في أذنيها تراتيل العشق، ليروا ثغرها المبتسم .. فتقتل قلوبهم جوى ، و تجدل نسمات صباحهم بشعرها الطويل المتناثر كندى الورد فوق وجنتيها ، و عيناها جميلة كبحر قرمزي ، كموجٍ عالٍ ، كسفينة أبحرت داخل كنوز كيانهم الدفين .
و ما كان يجعلهم يعرفون إمرأتهم حقاً .. عفتها ، فكانت العفة من أفضل و أحلى المساحيق التي تضعها على وجهها ، لتتلألأ عيونها بنجمة الخجل ، فينخفض صوتها بعد سقوط جبلٍ من الأدب و الاحتشام عليه ، فتكون كالملاك الساقط من السماء على هئية البشر ، فتفرد جناحها الأيسر لتخبأهم تحته ، و يتسلل الجناح الأيمن برقةٍ ليستوطنوا به .
و هنا يظهر الأخطل الصغير و هو يصف لنا فاكهة الحب سلمى :
أتلك من حدثت عنها عجائزنا .. و قلنْ إن مليك الجنِّ يهواها
أما سليمى فما زاغت و لا عثرت .. فالحبُّ و الطّهر يمناها و يسراها
عندما رأى الشعراء ذلك الجمال الجسدي الممزوج بعطر العفة و الطاهرة ، أبرزوا أثرها على أنفسهم و الطبيعة ، فالأزهار قد بدأت تتفتح حال لمح طيفها ، و الأرض تكتسي ثوباً أبيضاً نسجته من قلبها الطاهر ، و العصافير تردد أناشيدها العذبة بعد أن نهلت من عسل صوتها الرقيق ..
عرفوا في نهاية المطاف ، إذا عزفوا الحياة بلحن الطبيعة ، فسيشوهون جمال قدسيتها .
بالنسبة لهم ، كان الزمن يمضي و الحياة تستمر من حولهم ، إلا حياتهم .. كانت مصرة على التوقف من دونها .
تنساب من أناملها ينابيع الحنان و العطف ، كأنها عجيبة الدنيا الثامنة ، و حال رؤيتها أو ذكرها ، تنبع أيام الشباب عندهم و يعود قلبهم يخفق حبّاً و عشقاً لتلك الفاتنة ، و تتخلى معالم وجههم عن الحزن ، و تخلع روحهم الكآبة .. فهي أعادت السلام الداخلي إلى مقّره السرّي الساكن بين أضلعهم .
نلمح هذا كله عند أبو قاسم الشابي ، فقال و الحب ذائب في عينيه و الطبيعة :
و تهبُّ الحياة سكرى من العطر و يدوي الوجود بالتغريد
و انتشت روحي الكئيبة بالحب و غنت كالبلبل الغريد
و بعد حين ، يصبحون لوحدهم ، كما لم يعرفهم أحد من قبل ، فبعد توالي أعاصير الحياة ، و زلازل العمر عليهم ، بدأت قصائدهم تصطبغ صبغة الضجر و التبّرم من حياتهم ، فلم يكونوا يكتبون عن عبث ، لقد كانوا يفرغون كل ما بداخلهم على أوراقٍ متراكمة فوق صدى مقاعد علقهم ، و على ما يبدو ، هذا السر وراء صمتهم المتكرر و شرود ذهنهم ، ففوق همهم و تعبهم من الدنيا ، أتت مصيبة هجران الحبيبة ، فشرعوا يكسرون جميع الآلات الموسيقية لأنها خلقت من نبرة صوتها و هي تناديهم ، و باتوا يتمنون الموت لا لشيء ، ربما قد تحرق جثههم و ينتشر العبق في أرجاء المدينة ، لتدخل إلى رئتي المعشوقة ...ليعيشوا مرة أخرى بداخلها .. بعيداً عن الواقع المرير .
و من خير من نقل لنا هذه الصورة إياس أبو شبكة ، فقال و الحزن قد عانق شغاف قلبه :
أفعم الكون بالعذاب حياتي
فلهذا تاقت إلى أكفانه
و مجمل القول ، المذهب الإبداعي نقل لنا روايات لم نكن لنعرفها لولاه ، و حررنا من قيود العقل فقط ، و فجر ما في نفوسنا من طاقات و إبداع ، فبعض قصص الهوى تحكى .. و البعض تكتب و تغنى ...
و المذاهل جميعها عندما توضع صفوفها أمام بعضها ، الإنسان المبدع الحقيقي الكامل ، هو فقط من يستطيع جمعها ليحيك قصائده منهم ....
فهل الزمن سيولد مثل هذا الإنسان ؟!
💙 بقلمي شهد بكر 💙
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك