الإفراط الّذي مزّق روحي
الإفراط الّذي مزّق روحي |
كان آدمي مفرطاً في كلِّ الأمور ..
لكن أكثر ما كان يزعجني ، و يجعلني أحياناً أفقد أعصابي ..
إفراطه في الفوضى ..
كان دائم الإنشغال ، كثير المواعيد و الأعمال ..
يرتدي الحذاء قبل بنطاله !!
ثمَّ يسرّح شعره ليلبس قميصه !!
يخصّص يوماً واحدً في الأسبوع ، يجتمع فيه مع كل شركائه في العمل ، و بعدهم الأصدقاء ..
لأنه كان يقرأ و يعمل حتى ساعات متأخرة من الليل ، و ينام في النهار هارباً من البشريّة .
يشرب فنجان قهوته في كوب الشاي ضمن الشرفة ، ثمَّ ينتقل بصحن فطوره إلى مكتبه ..
و المطبخ يناديه : تعال .. لا يمكنني الحراك أينما تذهب ..
يضع كتبه و روايته ، في زاوية المنزل ، و يبعثر أوراقه حول الغرفة المقدّسة .. و الّتي ممنوع على أي كائن حتى المرور بقربها ..
يمشي في الطريق موطئاً لرأسه ، يضرب الحصى بقدميه ، ثم ينتصب إنتصاب الطفل العائد من مدرسته في تراكمات الحصص و الواجبات ..
و مع هذا كلّه .. أحبّه .. أحبّه جداً ..
فهو أيضاً مفرطٌ في طيبته و لطفه ، ظاهرياً هو منعزل ، لكن في الحقيقة هو يناجي ربّ السماوات كل يوم ، و يدعو لكل شخص يعرفه و لا يعرفه .. يحمل هموم الجميع ، رغم لامبالاته المفرطة تجاه همومه ..
و ما بين الإنزعاج و الحبّ ، وجدت شعوراً لا مسمّى له حين أرى إفراطه باليأس و المعاناة ..
ليس تعاطفاً ، شيء أعمق بكثير ..
يؤسفني أن أنظر لتلك العيون الضاحكة ، و في الوحدة ذابلة ..
يؤسفني أن أشعر بتضاؤل فضوله تجاه العالم ،و الإستيقاظ يوميّاً دون هدف ، و دون غاية .. سوى إنتظار الموت المحتّم ..
و أكثر ما كان يمزق روحي ..
عند ملامستي شفاهٍ استولى عليهما حبٌّ عظيم .. و حجيمٌ مريع ..
تلك المشاهد الّتي سبقت موته ببعضة أشهر ، حالياً تخطر على بالي ..
ليتني جعلتك تدرك هذه المشاعر ، و أنني هنا لأجلك ، و بقربك ..
حتى و لو كنت ستراني أنظر إليك نظرة الشفقة التي تكرهها كما يكرهها أغلب الناس النبيلة ..
لكن على الأقل ستعي مدى إفراطي أنا .. بالإهتمام ، و الحب ..
حتى و لو كنت مثيراً للإهمال و البعد و النفور ..
لكنني كنت أتراجع دوما في تلك اللحظة .. اللحظة الأخيرة التي تشعر أنَّ احتوائي لك .. سيقتلك .. بدل المرض ..
بقلمي شهد بكر ✒️
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك