- الجزء الأول -
حقيقة البوذية وتعاليمها |
في إقليم نيبال شمال الهند و في منتصف القرن السادس قبل الميلاد
عاشت أسرة غنية مالكة للكثير من الأراضي وذات نفوذ كبير، ولد لها فتى أسمته "سودهارتا غوتاما"
الذي نشأ وتربى وعاش عيشة الأغنياء المترفة،
أخذته الحياة فانغمس في ملذاتها وتزوج باكراً وأنجب صبياً، وعندما بلغ أشده أدرك وجود عالمٍ آخر خارج حدود قصره مختلفٍ تماماً عما يعرفه من أمور الحياة داخل القصر،
فقرر الخروج من قصره لاستكشاف ذلك العالم و استطلاع أحوال الناس،
فكان ما رآه صدمةً كبيرةً له،
حيث وجد معظم الناس يعانون الفقر و البؤس و التعاسة،
و لعل من أكثر المشاهدات التي فاجأته و أثّرت فيه كثيراً هي رؤية ذلك العجوز البائس الفقير الذي امتلأ وجهه بالكآبة و الأسى،
و رؤية المريض المنكفئ على نفسه في إحدى زوايا الطريق القذرة وهو يتلوّى من الألم،
وكذلك انصدم كثيراً عندما رأى جثة رجلٍ فقيرٍ مات من الجوع مرميةً على قارعة الطريق،
كما شاهد المتسولين المعدمين، فانتابه شعورٌ غريبٌ حول الفارق الكبير بين حياته وحياة هؤلاء،
وأدرك أن الإنسانية بشكلٍ عام غارقة في المعاناة و الآلام و الشقاء،
وشعر فجأةً بأن كلَّ ما يتمتع به من ترفٍ ورخاء سيزول يوماً ما،
و بأن حياة اللهو و البذخ بلا معنى و لا طائل منها ولا بد لها أن تنتهي مهما طال الزمن لأن المرض و الشيخوخة و الموت ينتظرون كل إنسان.
بعد ذلك هجر غوتاما عائلته و أملاكه و حياته السابقة
بحثاً عن وسيلةٍ تساعده في تخليص نفسه وتحقيق السكينة و الرضا وربما تساعد الإنسانية في الخلاص من كل ما تعانيه.
هام غوتاما على وجهه بحثاً عن الحقيقة فعاش عيشة الزهد بين نسّاك البراهما وقهقر نفسه لكي يروّض جسده و روحه بالإمتناع عن كل الملذات و الشهوات حتى أنه كثيراً ما بقي في حالة القرفصاء و امتنع عن الجلوس،
أما فراشه فكان من الأخشاب القاسية و الخشنة، و أما طعامه فكان بضعة حباتٍ من الأرز،
وقد بقي على هذه الحالة سبع سنواتٍ كاملةٍ يجاهد نفسه و جسده على أمل الوصول إلى السكينة الروحية و السلام الداخلي حتى كاد أن يهلك،
ولكنه رغم كل ذلك لم يشعر بالرضا ولم يجد أية فائدةٍ من كل ما فعله فاقتنع بأن ما فعله ليس سوى تعذيبٍ لنفسه وبدنه بدون طائل، وأدرك بأن حياة الحرمان و الزهد لا تزيد في قيمتها عن حياة اللهو و الملذات التي عرفها سابقاً.
ذات ليلةٍ جلس كعادته تحت شجرةٍ ستلقّب فيما بعد بشجرة المعرفة،
وكان غارقاً في تأملاته فتراءى له أنه أدرك فجأةً حقيقة هذا العالم وكأنه كان غارقاً في الظلمة و غمره النور فجأة،
ومن هنا حصل على لقب بوذا أي الرجل المستنير، كما سميّت تلك الليلة بليلة الاشراق،
وفيها شعر بوذا لأول مرةٍ في حياته بالطمأنينة حيث أدرك أن خير الأمور أوسطها و أن الوسطية في كل شيئ هي طريق الخلاص.
إقرأ المزيد...
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك