حقيقة الحدس وتداعياته 1
ما هو الحدس؟
يمكن تعريف الحدس ببساطة بأنه قدرة الانسان على استنباط النتائج وتوقع الأحداث واتخاذ القرارات دون الكثير من المعطيات و التفكير.
فمثلاً عند الشروع بعمل ما نشعر بأننا غير مرتاحين لذلك وثمة ما يخبرنا بأن هذا الأمر لن يكون جيداً أو بالعكس.
قديماً كان الاعتقاد السائد هو أن القلب دليل الانسان وأن للقلب اعتبارات معينة يجهلها الدماغ وحديثاً أصبح الاعتقاد بأن لدى البشر عقل باطن أو ما يسمى اللاوعي وهذه مجرد تسمية جديدة بعد أن ثبت علمياً بأن لا علاقة للقلب بالأفكار والمشاعر مطلقاً فهو يتأثر بها ولكنه لا يؤثر فيها.
المهم أن هناك في أعماقنا شيءٌ ما يعطينا تحذيرات أو تنبيهات بشكل أو بآخر وسواء كان القلب أم العقل الباطن أم اللاوعي أم الحدس فالتسمية غير مهمة الآن.ولكن إلى أي مدى يمكن لحدسنا أن يصيب و إلى أي مدى يمكننا الوثوق به؟
الكثير من علماء النفس خاضوا في هذا الموضوع وقدموا الكثير من الأبحاث و الدراسات حوله ولعل من أشهرهم العالم ديفيد مايرز الذي كتب الكثير من الكتب و الأبحاث و المقالات حول موضوع الحدس ومن أهم ما يميزه عن غيره بأنه يتابع كل التطورات المتعلقة بهذا الموضوع.
فما الذي وصل إليه ديفيد مايرز؟
يعتقد ديفيد مايرز بوجود شيءٍ كبيرٍ من الصحة في موضوع الحدس فقد قام بتجربةٍ بسيطة بأن عرض مقطعاً قصيراً لا يتجاوز عدة ثوانٍ لفيديو عن شخصٍ ما ثم طلب من بعض المتطوعين أن يقيّموا ذلك الشخص وكانت النتيجة أن معظم التقييمات كانت قريبة جداً من التقيمات التي وضعها أشخاصٌ أخرون شاهدوا الفيديو كاملاً.
من جانبٍ آخر يستطيع بعض القضاة التوصل إلى حقيقة إدانة المتهم أو براءته من الثواني الأولى لبدء التحقيق معه ويستطيع بعض الأطباء تحديد المرض لدى شخصٍ ما من مجرد الحديث معه لبعض الوقت وفي مجال الأعمال يستطيع من يجرى مقابلة عمل مع المتقدمين بطلباتٍ للعمل أن يقيّموا ويختاروا الأشخاص المناسبين بسرعة غير متوقعة.
من خلال الأمثلة السابقة نجد عاملاً مشتركاً بين جميع الحالات السابقة وهي الخبرة، فكلما زادت خبرة الشخص في مجال ما كلما استطاع الشخص تحليل المعطيات و إعطاء النتائج بسرعة أكبر.
يعتقد بعض علماء النفس ومنهم هيربرت سايمون بأن حدسنا هو قدرتنا على تحديد الحالة التي تواجهنا و التعرف عليها فكلما امتلكنا معلومات وتجارب وخبرات أكثر في شأنٍ ما كلما استطاعت أدمغتنا أن تتعرف على الحالة و تحلل المعطيات و تعطي النتائج بسرعة أكبر، وهو يقول بأن أدمغتنا تستطيع العمل وفق نمطين للتفكير فإما أن تفكر وتحلل المعطيات ببطء وتمعّن قبل إعطاء النتائج واتخاذ القرارات وهذا ما يسميه بالتفكير البطيء أو أن تفكر وتعطي النتائج بسرعة (التفكير السريع) وتستطيع ادمغتنا أن تختار العمل وفق احد النمطين حسب الحالة التي تعترضها فكلما كانت الحالة مكررة ومألوفة لها كلما استطاعت الوصول إلى النتائج بسرعة أكبر وهذا يعيدنا إلى عامل الخبرة.
إقرأ المزيد في الجزء الثاني...
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك