حكايةٌ مأساوية نقلتها سيّدة الصباح فيروز |
|الطفولة| هي أجمل و أنقى مرحلة يمرُّ بها الإنسان , فكثيراً ما يتردد على مسامعنا عند الخلود إلى النوم , من قبل أمهاتنا العتيقة العظيمة , دندنة أغنية هادئة و جميلة :
" يلا تنام "
و الحقيقة التي يجهلها البعض , أنَّ هذه الأغنية الهادئة , ذو |المشاعر| الأموميّة الرقيقة الدافئة , تحمل في جعَبتها قصة حزينة , تقشعرُّ لها القلوب النقيّة .
منطقة " |معلولا| " ..
بلدة ٌ تقع في الشمال الشرقي لعاصمة |دمشق| , و معنى إسمها " المدخل " .
منذ أعوام بعيدة الزمن , وقعتْ حادثة مأساويّة في تلك المنطقة , و ضحية هذه القصة ..
ظاهرة |الخطف| كانت منتشرة في ذلك الحين و خصيصاً خطف |البدو| أو ما يُعرف بالغجر للفتيات الصغيرات لجعلهم إما عبيداتٍ عندهم , أو تزويجهنَّ لشبابهم ..
طفلةٌ صغيرة , تبلغ من العمر عشر سنوات فقط , خُطفتْ من منزل أهلها , بينما كانوا منشغلين بأعمالهم من زراعة و تربية الحيوان ..
أتت مجموعة من الغجر و قاموا بخطف الفتاة الوحيدة في منزلها , و بعد ساعات عدّة , تمَّ اكتشاف هذه المصيبة ..
لوعة ٌ قاتلة , إقتحمت قلوب الأهل , بحثوا عنها في كل مكان إستطاعوا الوصول إليه .. لكن دون جدوى ..
توالت السنوات و توّحدت مع الأعوام , حتى شاء القدر .. لمعرفة أسرار الخبر ..
رجلٌ مسافر , يجوب البلاد , و بالمصادفة مرَّ من معلولا " جبل الحلو " , يسترزق بيع العنب و التين لتلك القبيلة ( التي خطفت الفتاة الصغيرة ) ..
و بالطبع لم يعرفها بعدما تعاقبتْ الأيام عليها و كبرت حتّى شبّت , و لكنها تعرّفت عليه .. فذاكرة تبقى معلّقة مع المكان الذي ولدنا فيه و الأشخاص الذين وعينا عليهم..
كانت الفتاة ذكيّة بما يكفي , لتخرج بحلٍّ تستطيع من خلال طلب النجدة منه و في ذات الوقت دون أن ينتبه إليها أحد ..
لحظة ٌ مصيريّة , تبعتها دندنة ٌ آراميّة , و بيدها طفل يكاغي و يريد النوم بحريّة :
هيو هيو يالبني يالمزبن عنبي ...
مليه لبي ملي لمي ..
نغبوني العربي ..
بايثح كم الكليسا ..
حوني شموسا عيسى ..
بقرتنا حمرا نفيسة ..
وكلبنا اسلك سلوك ..
يلا ينام يلا ينام ..
لإدبحلو طير الحمام ..
حملتْ هذه الكلمات مغزاها بالعربيّة :
هييي .. هييي يا بياع العنب ..
خبر أبي وخبر أمي ..
خطفني العرب "البدو "..
بيتنا بجانب الكنيسة ..
وأخي الشماس عيسى ..
وبقرتنا حمراء سمينة ..
وكلبنا نحيف سلوقي ..
فهم البائع القادم من معلولا فحوى الكلام , وتعرّف إلى البنت , و تذّكر قصتها ..
فقام بنقل رسالتها المحملة بالأشواق و الآلام على أهلها , و أخبرهم أنها لا تزال على قيد الحياة , و تنتظر قدومهم لإنقاذها مما هي فيه .
بلهفة كبيرة , و |غضبٍ| عائم , اتّجه الأهل إلى تلك الديار ...
و لكن و مع الأسف .. فات الأوان .. لم يجدوا أحداً هناك ..
على ما يبدو .. غادروا المكان ..
لربما علموا بالحقيقة , لربما قتلوها ..
لا أحد يعرف ماذا حدث بعدها ...
و في الحقيقة , هذه الطفلة لم تكن أوّل ضحية لهذا الفعل الشنيع , لكنَّ قصتها تخلدتْ لشدّة تأثر الأخوين الرحباني بها ..
فقاموا بإعادة صياغتها , و بدأت السيدة العظيمة الناعمة
" |فيروز| " مطلعها :
" يلا تنام ريما .. يلا يجيها النوم
يلا تحب |الصلاة| .. يلا تحب |الصوم|
يلا تجيها العوافي .. كلّ يوم بيوم "
و في المقطع الأول , قال :
.. " يلا تنام .. يلا تنام ..
لدبحلا طير الحمام ..
روح يا حمام لا تصدق ..
بضحك ع ريما تتنام .. "
و غالباً " ريما " .. هو تخمين لإسم تلك الفتاة , فقد أُرفق في المقطع الذي يليه :
يا بيّاع العنب والعنبية.. قولوا لإمّي قولوا لبيّي
خطفوني الغجر.. من تحت خيمة مجدلية
التشتشة والتشتشة.. والخوخ تحت المشمشة
و كلّ ما هبّ الهوا.. لاقطف لريما مشمشة
هاي هاي هاي لِنا.. دستك لَكَنِك عيرينا
تَنغسّل تياب ريما.. وننشرهن عالياسمينة "
تهويدة ٌ خالدة , حفظها الأطفال قبل النساء و الرجال ، فرحلت فتاتها و بقيت أغنيتها متناولة في كلِّ البيوت .. عبر الزمن ..
شهد بكر ✒️
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك