استكمالاً لما بدأناه في المقال السابق ..
الأزمة المالية العالمية:
ما أن وضع "ريجنباخ" خطته الجديدة، حتى انطلق إلى جمع المستثمرين وإقناعهم بفكرته الطموحة، التي لاقت ترحيباً كبيراً،
ولكنها لم تتحول إلى حقيقةٍ واقعةٍ بسبب الأزمة المالية التي اجتاحت العالم سنة 1873، واستمرت لأكثر من عشرين سنة،
فتوقفت خلالها جميع الاستثمارات تقريباً، ومن ضمنها فكرة السكة الجبلية التي اضطرت إلى أن تُنسى وتُهمل لسنواتٍ طويلة.
الإلهام المصري للسويسريين:
كان "أدولف كوايت سيلر" أحد رجال الأعمال السويسريين الأكثر ثراء، وكان يمتلك بعض شركات النسيج والسكك الحديدية وغيرها،
وعلى عادة أثرياء العالم، ذهب "أدولف" في |رحلةٍ سياحيةٍ| زار خلالها| مصر|، بعد افتتاح قناة السويس والضجة العالمية التي أثارتها،
وقد أثارت القناة انبهاره، لقدرة المصريين على بناء تلك القناة بأدواتهم ومعارفهم البسيطة،
وبعد أكثر من عشرين سنةً على تلك الرحلة، وقف "أدولف" وبناته الثلاثة أمام مشهد الجبال السويسرية،
ففكّر بطريقةٍ تنقله إلى قمّة الجبال للاستمتاع بالمناظر من الأعلى، وتذكّر قناة السويس وكيفية بنائها، فقرر بأن حفر الجبال لبناء السكك عبرها ليس مستحيلاً.
تحدي الجبال والجليد وقهرها:
ما أن شعر "أدولف" بإمكانية تطبيق فكرته في بناء سكةٍ حديديةٍ عبر الجبال، بدأ برسم المخططات البدائية لذلك، مستفيداً من الاختراع الذي قدّمه "ريجنباخ" قبل عقدين من الزمن،
فذهب إلى السلطات السويسرية، وعرض عليها فكرته، ولكي يكسب دعم المجتمع العلمي لمشروعه،
فقد وعد ببناء مرصدٍ فلكي ومركز أبحاثٍ على إحدى قمم الجبال، وهو المرصد المعروف حالياً بمرصد "أبو الهول".
وما أن حصل "أدولف" على موافقة الحكومة، حتى أطلق مشروعه سنة 1896 راصداً له كل ثروته.
ذكاء وابداع "أدولف":
ظهر ذكاء "أدولف" وقدرته الكبيرة على| إدارة المشاريع| واستثمارها، من خلال طريقته في تنفيذ مشروعه،
فكان كلما أنجز جزءاً من المشروع، يفتحه أمام الزائرين، لكي يكمل الجزء التالي من المشروع من واردات المشروع نفسه،
ومع ذلك فقد احتاج حفر الأنفاق في قلب الجبال إلى المزيد من الأموال،
فكان على "أدولف" إيجاد التمويل اللازم بسرعة،
فطلب من المهندسين القائمين على المشروع أن يفتحوا ثغرةً في الجبل وكأنها شرفةٌ تُطل على عالم ما خلف الأنفاق، فكان له ما أراد، وهذا ما أدخل عليه موارد كثيرةً من الزائرين.
كيف تحولت أفقر الدول الأوروبية إلى أغناها؟ تصميم الصورة وفاء المؤذن |
تحقيق الحلم ولو بعد حين:
في عام 1898 بدأت الأمراض تتسلل إلى جسد "أدولف"، ولم يطل به الأمر حتى لاقى وجه ربه في سنة 1899، قبل اكتمال مشروعه، وتحقيق حلمه،
وبموته توقّف المشروع لوقتٍ طويل، وعانى أبناؤه كثيراً حتى استطاعوا إكماله في آخر المطاف، وتحقيق حلم والدهم "أدولف" في سنة 1912، بإنشاء محطة "يونغ فراو"، أعلى مبنى في أوروبا كلها.
أهمية مشروع قاهر الجبال السويسرية:
بعد اكتمال المشروع، كانت تكلفته قد وصلت إلى أكثر من ربع مليار دولار، ولكنه فتح باب |السياحة| السويسرية،
وهو يحظى اليوم بأكثر من نصف مليون زائر سنوياً،و يُدخل من الواردات ما يزيد على مئة مليون فرنك سويسري، وتكمن أهمية هذا المشروع في أنه حوّل لعنة الجبال إلى منجمٍ من ذهب،
وسمح لسويسرا بالارتباط بباقي أوروبا والعالم،
وفتح المجال لاستيراد| المواد الخام |وتصنيعها وتصديرها، وبذلك أصبحت سويسرا البلد الذي نعرفه اليوم ونحلم بزيارته.
وخلاصة الحديث، لا حياة مع اليأس، ولا يأس مع الحياة، ومن بين الأموات، قد تنهض روحٌ جديدة، فإن كنت تريد نزع اليأس من حياتك، وتنفض عنك غبار الزمن، فشارك المقال.
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك