تكلمنا في المقال السابق أن ديكارت طبق تجربة الشيطان الشرير على فكرة وجوده
فوجد أن الحالة الوحيدة التي الشيطان يستطيع أن يجعله يعتقد في وجوده ، هو أن يكون له وجود فعلاً
قال : ( كيف يمكن أن يشك في وجوده ، إلا إذا كان له وجود ، لكي يشك في هذا الوجود ).
أعلم تماماً بأن هذه الجملة صعبة .
فكر لو لم يكن لك وجود ، فكيف سيكون لديك شكوك الآن !؟
فيجب أن يكون لديك نوع من الوجود ، وذلك لكي تستطيع أن تشك في أي شيء حتى في الوجود نفسه.
وبذلك يصبح بالتأكيد لك وجود
الفكرة البديهية : ( أنا أكون ... أنا موجود) .
تمثل| اليقين |الأول عند ديكارت في أعماله الأولى.
وبعد ذلك قام بتعديل الجملة إلى :
( أنا أفكر ... إذاً أنا موجود).
لكنه غيّر هذه الكلمات مرة أخرى حين كتب كتاب " التأملات".
لأنه لم يكن يريد أن يوحي بالاستنتاج مباشرة.
بل على العكس .. كان يريد أن يصل القارئ لوحده لهذه النتيجة .
بمجرد التفكير في فكرة " نفسه" أو " الأنا".
الذي سيقوده مباشرة إلى إحساس بديهي وليس نتيجة ، ( انا موجود).
بالرغم من دقة ديكارت في عرض أفكاره بوضوح، الجملة كانت جذابة لكثير من الناس.
فاكتسبت شهرة غير عادية.
وإلى وقتنا الحالي .. (اليقين الأول هو الأنا) .
القديس " أوغستين " أحد آباء الكنيسة المؤثرين في الكاثوليكية كتب في كتابه " مدينة الله " :
( نتيجة لأخطائي ... إذاً أنا موجود ) .
بمعنى .. لو لم يكن لي وجود .. كيف لي أن أعمل الخطأ.
يوجد تشابه بين الفكرتين
القديس أوغستين لم يستخدم هذه الفكرة على نطاق أوسع كما فعل ديكارت .
الأنا " التي وصل لها ديكارت فكرة محدودة وبسيطة جداً ، هي " أنا المتكلم " " خاصة جداً " ،| الأنا |الخاصة بي لها معنى عندي فقط ، والأنا الخاصة بك ليس لها معنى عند أي حد غيرك .
بمعنى أن الشيطان يستطيع أن يخدعني في وجود الأنا الخاصة بك ، ولكنه لا يستطيع أن يخدعني في وجود الأنا الخاصة بي .
هذه الأنا في الحاضر فقط .. أي أنا موجود عندما أفكر ، واللحظة التي أتوقف عن التفكير .. الأنا تنعدم ، وحقيقة وجودي يكون فيها نوع من الشك .
وأخيراً ...
حتى الأنا الموجودة .. لانستطيع أن نحدد ماهي طبيعة وجودها أو شكلها ، لأن الشيطان الشرير يمكن أن يصورها لنا بشكل آخر غير شكلها الحقيقي للأنا .
إن فكرة ديكارت عن الأنا أو الشيء المفكر الموجود ، هي لحظة من " الإدراك الذاتي " منفصلة عن أي شيء حتى عن ماضيك .
ديكارت كان هدفه أن يوصل القارىء عند هذه النقطة إلى أنه " شيء مفكر"
والآن أسأل نفسك :
ياترى هل أنا فعلاً موجود ؟
اسمع صوت أفكارك
ياترى .. هل لي وجود الآن لأنني فكرت ؟
وماذا سوف يحدث لهذا الوجود إن انتهت أفكاري ؟
وهل أفكارك برهان على وجودك ؟
فكر مرة أخرى ...
بقلمي رهف ناولو
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك