هل أصبحنا نعرف كيف تعمل ادمغتنا؟
الجزء الثاني
هل أصبحنا نعرف كيف تعمل ادمغتنا؟ - الجزء الثاني تصميم الصورة : رزان الحموي |
تكلمنا في المقال السابق عن كيف تنشأ وتتشكل الأفكار وسنكمل في هذا المقال ..
هل يمكننا صنع آلةٍ قابلةٍ للتعلم؟
تمكن العلماء حتى الآن من تعليم الآلات أشياء كثيرة، فهناك السيارات الذكية التي تقودها البرامج الحاسوبية المتطورة، ولكن هل تستطيع تلك السيارات أن تتخذ القرار الصحيح في مواقف إنسانية محددة قد تعترض طريقها؟ هل تتمتع السيارة الذكية بالوعي الذي يجب أن يمتلكه السائق؟
وكذلك يمكن للعقل الصناعي أن يؤدي معظم الوظائف الموجودة في عالمنا، ولكن العقل الصناعي لا يفهم المشاعر الإنسانية ولا يمكن تزويده بها، ولا ننسى تأثير العامل الوراثي على سلوك البشر، فكيف يمكن تعويض هذا العامل عند الآلة؟ فمهما كانت الآلة متطورةً فهي ستبقى آلة بلا مشاعر.
الآلة والحدس:
يقول بعض العلماء بأن الكثير من الاكتشافات العظيمة قامت أصلاً على الحدس، ثم أمكن برهانها فيما بعد، فهل تستطيع الآلة المبرمجة للقيام بتسلسلٍ من الخطوات أن تتنبأ بشيءٍ ما بناءً على حدسها فقط؟ هل لديها حدس؟ فالحدس هو فكرةٌ ما تقوم على معلوماتٍ التقطها الدماغ من الوسط المحيط، والفكرة ليست نتيجة عملٍ دماغي فقط، بل هي نتيجة انفعال الدماغ مع الوسط الخارجي، فهل يمكن جعل الآلة تنفعل من المعلومات الخارجية لكي تبني على ذلك فكرةً ما؟
كيف يعمل الدماغ؟
الدماغ بنيةٌ تحليليةٌ هائلة، تتراكم فيها المعلومات لحظةً بعد لحظة، ويُنشئ الدماغ نموذجاً للعالم الخارجي، فكل شيءٍ في العالم نجد له صورةً أو تصوراً ما في الدماغ، ولكن النموذج الذي يبنيه الدماغ لا يبنيه على المعلومات الخارجية فقط، فهو لا يستطيع تذكر كل شيء، ولكنه يستطيع استكمال النواقص ذاتياً عند بناء النماذج، وكأن الدماغ يجمع قطع الفسيفساء للوحة ما، ويستكمل القطع الناقصة بنفسه ليصنع لوحةً كاملة، وتختلف تلك النماذج من شخصٍ إلى آخر، فلكل دماغٍ تجاربه وخبرته الخاصة، وبالتالي سيكون له نموذجه الخاص لكل شيء.
ما الذي لا نعرفه عن الدماغ؟
نحن نعلم بأن دماغنا يعرف عن العالم أكثر مما نعرفه نحن، ولكننا لا نعرف كيف يفعل ذلك؟ كما أننا لا نعرف إلا القليل عن عمل الدماغ في حيّز اللاوعي، وهو الحيّز الأكبر والأكثر نشاطاً من الدماغ، فالوعي يدرك العالم بشكلٍ مجتزأ، وهناك الكثير من العمليات التي يقوم بها |الدماغ| دون أن ندركها، ولكننا قد ندرك نتائجها فقط، وكثيراً ما يبنى الدماغ حلولاً أو مقترحات حلولٍ للكثير من المسائل، ويعلم الجميع بأنها صحيحة، وعند تجربتها تتبين صحتها، ولكن اثبات صحتها قد لا يكون ممكناً أبداً، فالدماغ يعمل بطرقٍ غامضة قد لا ندركها أبداً.
العبقرية والحدس:
هل يمكننا القول بأن |العبقرية| مقترنة تماماً بالحدس، ولا يمكن لها التواجد بدونه؟ وهل تتعزز القدرات التحليلية للدماغ بزيادة قدرته الحدسية؟
إن عدد تراكيب الوصلات الدماغية هائلٌ جداً، وتعقيد الدماغ لا يقل عن تعقيد الكون كله، بل ربما يفوقه، فدماغنا يبني نماذج للكون البعيد ويضع الفرضيات حوله، ثم يثبت صحة تلك الفرضيات ليحولها إلى حقائق ونظريات، دون أن يسافر إلى أقاصي الكون، وحتى دون أن يراها. ولا ننسى قدرة الدماغ على اكتساب المعلومات المتوارثة جيلاً بعد جيل، فكأن البشرية تترك الكثير من الإيحاءات مع كل درجةٍ نجتازها على سلّم التطور، وكأن أدمغتنا تستطيع التقاط تلك الإيحاءات وفهمها والبناء عليها.
اقرأ المزيد...
سليمان أبو طافش🔭
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك