بدأوا يحلمون ويخططون منهم من أراد يكون له عائلة، ومنهم من أراد بقطعة الجبن وبطعمها، حتى أن القزمان بنيا منزلين بالقرب من قطعة الجبن، وعلقا صورهما على جدران البيت، وكتب على الجدار "الجبن يشعرنا سعداء".
في بداية الأمر كان الجميع يسارعون إلى موقع الجبن
سالكين نفس الطريق المعروف، وأصبح روتين خاص، ولكن بعد فترة قصيرة اتبع القزمان روتيناً مختلفاً، فصارا يستيقظان من نومهما متأخرين ويذهبان إلى قطعة الجبن بكسل ودون حذاء رياضي إلى محطة الجبن، فيسترخيان ويتصرفان كما لو أنهما في منزلهما، وشعرا بالاطمئنان لدرجة أنهما لم يلحظا ما كان يحصل، أما الفأران فقد واصلا روتينهما اليومي، فكان يصلا إلى موقع الجبن، ويتفقدان المكان للتأكد من أي تغير قد يحصل، ثم يجلسان لتناول الجبن.
وفي أحد الأيام قدما لنفس المكان ولم يجدوها
والفأران وصلا مبكرين ولم يستغربا لأنهما لاحظا من قبل تناقصها منذ فترة، ولم يبالغا في تحليل الموقف، لقد تغير الوضع في المكان فلا بد أن يتغيرا، فقررا أن يلبسا الأحذية ويبحثان مرة أخرى في المتاهة عن قطعة جبن في مكان آخر، أما القزمان أصبحا يصرخان ويولولان بأعلى صوتهما من حرّك قطعة الجبن، وأخذا ينعيان نفسيهما ويتساءلان عمن أخذها بدون أدنى حق(وهذا طبع البشر)، لم يصدفا الواقع وما آلت إليه الأمور.
كان سلوك القزمين مفهوماً لأن الحصول على الجبن ليس بالأمر اليسير
وكان هو مصدر سعادتهما وأملهما الوحيد، وبعد طول تفكير قررا تفحص المكان من جديد، والعودة في اليوم الثاني للتحقق ما إذا تم رجوع الجبن إلى مكانه أو لا، في اليوم الثاني لم يجدها فرجعا، وفي اليوم الثالث لم يجدها فاقترح هيم أن يحفرا.
وبالفعل في اليوم الرابع مكان الجبن لعل وعسى يجدوها فخاب ظنهما، فعلا صراخ هيم وظل يكرر: من الذي أخذ قطعة الجبن الخاص بي، وعندما شعر بالإحباط حاول هاو أن يقنع هيم بأن يعودا إلى طريق المتاهة والبحث من جديد عن مكان آخر يحصلان فيه على الجبن، مع شعوره بالخوف من هذه الخطوة لأنه نسي طريق المتاهة ومسالكها، فرفض هيم ذلك وقال أنه مرتاح للمكان ووجد السعادة فيه وأنه كبر على العودة للمتاهة،
وتساءل هاو أين الفأرين؟ يا ترى هل يعرفا شيئاً؟
فجاوبه هيم: إنهما مجرد فأرين نحن أذكى منهما، رد عليه هاو: نحن نتصرف الآن بغباء، الأمور تتغير هنا لذا علينا أن نتغير نحن أيضاً، قال هيم : لما يجب أن نتغير فنحن بشر متميزون ولا يجب أن نتعرض لمثل هذه المواقف، نحن أصحاب حق لا بد من تعويضنا، يجب إخبارنا على التغير قبل حدوثه وليس من العدل ان ينفذ الجبن فجأة.
فكر هاو وعقد العزم على التغير وبدأ رحلته لأنه سيهلك إن بقي، ليس هناك من يرجع لنا جبننا علينا أن نبحث بأنفسنا عن جبن جديد (الحياة تمضي فيجب أن نمضي معها)، انطلق هاو وبدأ البحث فمرة يرى طريق مظلم ، وتارة يرى السبل مسدودة، فتأخر في مشواره وبدأ يتسلل اليأس
"أن أصل متأخراً خير من أن لا أصل على الاطلاق"
بدأ يتخيل أنه وجد قطعة الجبن وبدأ يتذوقها، عندها انكسر حاجز الخوف الذي وقع به في البداية، وبالفعل وجد بعض الجبن القليل، فكتب على الجدار " التحرك في اتجاه جديد يساعد في العثور على جبن جديد"، وبدأ يشعر بالسعادة في المغامرة والاستمتاع بها، وعاد إلى البحث على جبن أكثر، ونسي الخوف تماماً، فكتب على الجدار
"عندما تتجاوز الخوف الكامن بداخلك تشعر بأنك حر".
وفكر بصديقه هل مازال على قيد الحياة وهل سيلحقه، فقرر أن يكتب له بعض اللافتات "كي لا تفنى عليك بالبحث عن قطع جبن جديدة"، وكتب أخرى "لكي تحصل على قطع جبن جديدة لا بد أن تتخلص من جبنك القديم"، "لكي تحصل على جبن جديد عليك أن تكسر حاجز الخوف لديك".
فما تخشاه ليس بالضرورة أن يكون سيئاً بالدرجة التي يصوّرها لك خيالك، وأن الخوف الذي تدعه يتضخّم في عقلك أسوأ بكثير من الموقف التي تعيشه فعلا.
فالجبن لن يبقى كما هو، وإنما سيتناقص أو يصيبه |العفن|، فعليك أن تأكل قليلاً وتبحث عن جبن آخر لتصل إلى جبنك الملائم، فالتغير نعمة من نعم الله، لأنه سيجعلك تحصل على جبنك الخاص والعثور على قوتك الكامنة، فاكتشاف الذات أهم من قطعة الجبن.
تغير أنت قبل أن تحاول تغيير الآخرين، فهل أنت مع ذلك التغيير أم لا شاركنا رأيك في التعليقات
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك