ألمانيا وأوروبا بين الحربين العالميتين تصميم الصورة وفاء المؤذن |
التعويضات المادية هو أهم ما شغل بال الحلفاء:
لم يكن كلُّ ذلك هو ما يشغل بال الحلفاء فقط، بل كان تركيزهم منصبّاً على التعويضات المادية التي ستدفعها| ألمانيا| لكلٍّ منهم
ولكن الاتفاق على تقدير تلك التعويضات لم يكن سهلاً، فكل دولةٍ كانت تطمع بالحصول على حصّة الأسد
ففرنسا الراغبة بعصر الألمان حتى الرمق الأخير طالبت بمئة مليار دولار، وهذا رقمٌ هائلٌ جداً، فهو يعادل أكثر من مئةٍ وعشرين ألف طنٍ من الذهب
وهذا يعادل الناتج الألماني كله لعدة سنوات، ولذلك بدا هذا المبلغ مستحيلاً.
وجهة النظر الأمريكية تجاه أوروبا وألمانيا:
أصرّت |فرنسا |على التعويض الذي حدّدته، بينما رأى الأمريكيون بأن التعويضات لا يجب أن تزيد عن اثني عشر مليار دولار
فيجب أن تنهض ألمانيا اقتصادياً، وعلى أوروبا أن تتعاون معاً وتتبنى فكرة| الاقتصاد |الحر، لكي تتمكن من مساعدة| الولايات المتحدة| في القضاء على الأفكار الشيوعية التي تراها أمريكا الخطر الأكبر عليها.
بريطانيا تتخبط بين ألمانيا وفرنسا:
كذلك أرادت الولايات المتحدة مع حلفائها، أن تُنشئ ما سيسمى عصبة الأمم، لكي تحفظ الاستقرار العالمي، والأمن والسلام حول العالم، بما يضمن مصالحها
ولكن اهتمامها الأكبر كان ضمان تسديد الأوروبيين لديونهم من البنوك الأمريكية، أما البريطانيون، فقد رأوا بأن المطالب الفرنسية كبيرةٌ جداً، فهي من جهةٍ أولى لا تريد أن تخسر السوق الألمانية الكبيرة
ولكنها من جهةٍ ثانية لا تريد استعادة ألمانيا لقوتها الاقتصادية، كما أنها لا تريد لفرنسا أن تسيطر على القارة العجوز.
الحلفاء لم يستطيعوا الاتفاق بسهولة:
وجد رئيس الوزراء البريطاني آنذاك نفسه بين فكي كماشة، فهو لا يستطيع القسوة على الألمان للأسباب سابقة الذكر، ولكن الشعب البريطاني يطالبه بعدم التساهل مطلقاً مع الألمان
فرأى بأن مبلغ خمسين مليار دولارٍ كتعويضاتٍ تُفرض على ألمانية، رقمٌ مقبول، ولكن الدول الأخرى لم توافق على طرح أية دولة، فكل دولةٍ تمسّكت بما تراه مناسباً
فامتدت المباحثات لعدة أشهر، وخلال تلك المباحثات، طرح أحد الموظفين الشباب ويدعى "جون كينز" بعض التوقعات التي صدمت الجميع.
المنصب البسيط لا يمنع من رؤية الحقائق:
أصبحت أفكار "جون كينز" في أيامنا هذه، من أهم مبادئ علم الاقتصاد، ولكنه في سنة 1920، كان لا يزال موظفاً صغيراً في الحكومة البريطانية، وكان مكلّفاً بتقدير التعويضات المفروضة على الألمان
فقال بأن المبلغ المنطقي الذي يجب فرضه على ألمانيا هو ستة مليارات دولار، ويجب دفعها على دفعاتٍ مدروسة، وإلا انهارت ألمانيا، وعواقب ذلك على أوروبا ستكون كارثية.
الحلفاء لا يصغون لصوت العقل والمنطق:
طالب "جون كينز" الدول الأوروبية كلها بالوقوف مع ألمانيا وفتح أسواقها لها، لكي تستطيع تسديد التعويضات المفروضة عليها
ولكن مقترحاته لم تجد أذناً صاغية، فقدّم استقالته، وراح يؤلف كتاباً عن العواقب الاقتصادية للسلام، مبرراً وجه نظره بأسلوبٍ بسيطٍ يفهمه عامة الناس
كما شرح الدّمار الاقتصادي الذي توقّعه لأوروبا في السنوات القادمة، وقد حقق كتابه أرقاماً عاليةً في المبيعات.
سليمان أبو طافش
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك