التنمية البشرية بين العلم والخداع - الجزء الأول تصميم الصورة: رزان الحموي |
إذا قمنا بتجربةٍ ما عدّة مرّات، وحصلنا على نفس النتيجة في كل مرّة، فيمكننا عندها أن نقول بأن هذه التجربة علمية، وتستند إلى ركائز علمية، ولكن إذا كانت نتائج التجربة تختلف من مكانٍ إلى آخر، فلا يمكننا تعميم نتائجها، وبنفس السياق، إذا أجرينا مسحاً ما حول قضيةٍ ما في إحدى البلدان، فلا يمكننا تعميم نتائج هذا المسح على جميع البلدان، فمثلاً لا يمكن تطبيق نتائج الاستطلاعات المطبقة في أوروبا على شعوب العالم الثالث.
نتائج العلم الحقيقي تكون محددة:
عند النظر إلى الأمراض الجسدية وأسبابها وأعراضها وعلاجاتها، فإنها لن تختلف كثيراً من بلدٍ إلى آخر، فطبيعة الجسم البشري هي نفسها في كلِّ مكانٍ، مع بعض الخلافات البسيطة جداً، أما الأمراض النفسية فقد تختلف أعراضها وأسبابها وطرق علاجها كثيراً بين الشعوب المختلفة، فالنفس البشرية ليست نفسها في كل مكانٍ وزمان، فللبيئة والتربية والمجتمع آثارها الكبيرة على |النفس البشرية|، ولذلك لا تتطابق نتائج التجارب النفسية على شعوبٍ مختلفة.
العلم والعلم الزائف:
بمراعاة الاختلافات والفروقات، يمكن الوصول إلى نتائج وأفكارٍ محددة، تُبنى عليها طرقٌ مختلفةٌ لدراسة وعلاج |الحالات النفسية| المختلفة، وكل ذلك يندرج في إطار العلم و|الدراسات العلمية|، ولكن ماذا عن القضايا الكثيرة التي انتشرت بين الناس في السنوات الأخيرة كانتشار النار في الهشيم؟ ما الذي يمكن اعتباره علمياً بينها؟ وما الذي لا يعدو كونه دجلٌ يطرح نفسه على أنه علم؟
الاعتياد على أمرٍ ما لا يعني أنه علمٌ حقيقي:
يؤمن بعض الناس ببعض الأساليب العلاجية التي لم تخضع لأي نوعٍ من الدراسة العلمية، وبالتالي فهي لا تستند إلى أية حقائق علمية، مثل العلاج بالأحجار الثمينة، أو أساور موازنة الطاقة بداخل الجسد، أو حتى الإبر الصينية، وهي جميعاً طرقٌ غير مثبتةٍ علمياً، ولو بحثنا أكثر، لوجدنا الكثير من شبيهات هذه الطرق لدى كل شعبٍ من شعوب الأرض، ولكن ما يلفت الانتباه أكثر من غيره، هو البدع التي غزت العالم، وانتشرت وكأنها حقائق مثبتة، مثل التنمية البشرية والبرمجة اللغوية العصبية.
هل التنمية البشرية علم؟
يعتقد الكثير من الناس بأنَّ |التنمية البشرية| علمٌ حقيقي له أسسه وقواعده وقوانينه، ويحاول المروّجون له بثَّ مثل هذه الرسائل لإقناع الناس بأن ما يقومون به هو علمٌ حقيقي، تماماً كما يفعل المنجّمون الذين يحاولون تشويش أفكار المتلقّي، ليوهموه بأنّهم يعتمدون على علم الفلك، وذلك بعيدٌ تماماً عن الحقيقة، ورغم أن تأثير أساليب التنمية البشرية موجودٌ فعلاً، إلا أنه ليس أكثر من تأثير أي فيلمٍ سينمائيٍ أو خطابٍ حماسي.
كيف تُقنع التنمية البشرية الناس بما تعرضه عليهم؟
إذا استمعنا إلى إحدى محاضرات التنمية البشرية، فإننا سنجدها مليئةً بالعبارات الخلّابة، والتعابير الجذّابة، التي تثير فينا مشاعر الحماس والرغبة، فكثيراً ما نسمع عبارة الطاقة الإيجابية، وطاقة الجذب، وغيرها من العبارات التي تُشعرنا بقدرتنا على فعل المستحيل، وكل تلك العبارات تستند إلى ما يرغب الناس عادةً بسماعه، وهذا يعيدنا إلى المثل القائل: "ما أهم مواعظ السعداء في قلوب التعساء".
بقلمي: سليمان أبو طافش
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك