الأسباب المتوقعة لانهيار حضارات الشرق القديمة تصميم الصورة ريم أبو فخر |
وحينها كانت الدولة الحيثية في أوج قوتها، فكانت حينها تسيطر على كل أجزاء الأناضول وشمال العراق، بالإضافة إلى شمال سوريا، وكانت مدينة "خاتوشا" محصنةً جيداً ضد الغزاة، فقد كانت محاطةً بسورٍ مزدوجٍ منيع، وانتشرت على طوله الأبراج القوية، والبوابات الحجرية المزينة بتماثيل الأسود
وكان أغلب سكانها يزرعون الحبوب ويربّون الأغنام، ولكن الحفريات أدّت إلى اكتشاف طبقةٍ من الرماد تغطي كامل المدينة تقريباً، وتعود إلى سنة 1200 قبل الميلاد، وكأن المدينة كلّها قد احترقت عن بكرة أبيها.
مصيرٌ أسودٌ يجمع شعوب الشرق القديم:
تدلّ الحفريات والاكتشافات الأثرية، على أنّ الحضارتين الحيثية و|الإغريقية |قد اندثرتا تماماً في نفس الوقت تقريباً، وبالتزامن مع ذلك انكمشت الدولة |الآشورية |وتخلّت عن معظم مستعمراتها
أما الحضارة |المصرية|، فقد تلقّت ضربةً قاصمةً كادت أن تودي بها، وكلُّ ذلك حدث في أوقاتٍ متقاربة، وكأن منطقة الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط قد تعرّضت لنفس المصير، ومن شبه المؤكد أن ذلك المصير تم صنعه بأيدي غزاةٍ عرفوا باسم شعوب البحر.
الدمار يعمُّ حضارات الشرق القديم:
على بعد مئة كيلو متر شرقاً من مدينة "خاتوشا"، كانت مدينة "قره أوجلان" تنتصب بحصنها المنيع، ولكن العودة إلى نفس الزمن الذي احترقت فيه مدينة "خاتوشا"، وذلك بحفر الأرض إلى العمق المناسب
وقد أظهرت كمياتٍ هائلةً من رؤوس السهام، كما أظهرت أعداداً كبيرةً من بقايا الجثث التي لم تجد من يدفنها، فكأن المدينة تعرّضت لإبادةٍ جماعية
وعند البحث في معظم مناطق الأناضول، تبيّن بأن نفس الدمار قد ألمّ بها في نفس الوقت تقريباً.
اللغز المحيّر:
تعتبر نهايات| الحضارات| الشرقية بشكلٍ متزامنٍ تقريباً، أحد ألغاز التاريخ، فما حدث فيها لم يترك الكثير من الأدلة لمعرفة حقيقة ما حدث، فكأن ما حدث لتلك الحضارات قد مُحي من سجلات التاريخ
وكأن موجةً رهيبةً من الدمار قد اجتاحت الشرق فأزالت بطريقها حضارة| أوغاريت| في سوريا، والحضارة المينوسية، والحضارة الموكيانية الأقدم في اليونان
كما ضربت مصر والآشوريين، وقد احتاجت تلك المناطق إلى مئات السنين لكي تستعيد عافيتها.
خريطة المنطقة قبل دمارها:
منذ عام 1200 قبل الميلاد وخلال خمسين سنةٍ فقط، لم تعد هناك أيّة مدينةٍ كبرى في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، رغم أن تلك المنطقة كانت زاخرةً بالحضارات قبل ذلك
فقد كانت الدولة الموكيانية تسيطر على اليونان، ولكنها عانت الكثير من آثار الحروب الأهلية التي أنهكتها، ومثلها كانت الدولة المصرية تحاول التعافي من الحروب الداخلية أيضاً
وفي وسط العراق، ازدهرت الحضارة| البابلية| وكانت حينها تحت حكم السلالة الكيشية
وإلى الشمال الغربي منها، ازدهرت الحضارة الآشورية التي سيطرت على شمال العراق وسوريا، وإلى الشمال والغرب من الآشوريين
كانت الإمبراطورية الحيثية تسيطر على منطقة الأناضول، وتلك كانت خريطة العالم القديم آنذاك.
سليمان أبو طافش
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك