الأسباب المتوقعة لانهيار حضارات الشرق القديمة - الجزء الثاني - سليمان لأبو طافش

 الأسباب المتوقعة لانهيار حضارات الشرق القديمة 
تصميم الصورة ريم أبو فخر 

 بعد أن تحدثنا عن خريطة العالم القديم قبل غزو شعوب البحر في المقال السابق دعونا نتعرّف على طبيعة العلاقات بين تلك الحضارات المتجاورة.

طبيعة العلاقات بين الحضارات القديمة:

لم تكن تلك الحضارات تعيش في تناغمٍ وانسجام، بل كانت علاقاتها قائمةً على الشك المتبادل وانعدام الثقة، وكثيراً ما وقعت الخلافات والحروب بينها

 ولكن تلك الحضارات لم تكن منفصلةً عن بعضها أو متحاربةً دائماً، فقد كانت| التجارة| ناشطةً بينها كثيراً، بالإضافة إلى التبادل الثقافي وعلاقات النسب والقربى التي جمعت تلك| الحضارات|، حتى على مستوى الملوك والأمراء

ولذلك يمكن القول بأن المنطقة كانت تعيش نوعاً من الاستقرار والتعايش السلمي إلى حدٍ بعيد في تلك الفترة التي سبقت اندثارها.

من هم شعوب البحر؟

في غياب المعلومات المؤكدّة حول ما حدث في تلك المنطقة في حدود عام 1200 قبل الميلاد، فقد اعتمد |المؤرخون |على اللقى والمكتشفات الأثرية لمحاولة تفسير ما حدث

 وقد أشارت النصوص المكتشفة إلى مصطلح "شعوب البحر"، وكما يدلُّ هذا الاسم، فهناك شعوبٌ جاءت من البحر وعاثت في المنطقة دماراً وقتلاً وخراباً، ولا أحد من المؤرّخين يعرف حقيقة تلك الشعوب، من هم أو من أي جاؤوا أو أية لغةٍ يتحدثون على وجه اليقين.

مصر تتصدى لشعوب البحر:

يعتقد بعض المؤرخين بأن شعوب البحر جاؤوا من جزيرة سردينيا، أو من صقلية أو ربما من ليبيا، ولكن بغض النظر عن أصول شعوب البحر

 فالمؤكدُّ أنهم رسوا بمراكبهم بأعدادٍ هائلةٍ على الشواطئ الشرقية للبحر الأبيض المتوسط، وقد ذكرت النقوش المصرية مصطلح "شعوب البحر"

وذكرت كيف استطاع الملك "رمسيس الثالث" أن يتصدى لهم ويوقف زحفهم، ويأسر العديد منهم.

معبدٌ مصريٌ يكشف بعض أسرار شعوب البحر:

ذكرت بعض العبارات المكتشفة على جدران معبد "هابو" غرب الأقصر، معلوماتٍ عن شعوب البحر وأعدادهم الهائلة وقوتهم العسكرية، وغزواتهم المفاجئة التي يشنّونها على المدن فيمسحونها من الوجود

 فمثلاً كانت مدينة| أوغاريت |السورية ميناءً هاماً يقع على طريق الحرير التجاري، وكانت تأخذ الضرائب على كل ما يمر عبرها من منتجات، ما جعلها تزدهر وتستقر لمئات السنين

 فكانت دولةً غنيةً وقوية، ولكنها مع ذلك لم تستطع الوقوف بوجه الأعداد الكبيرة للشعوب الغازية.

أوغاريت تستغيث، ولكن ما من مجيب:

اكتشف الباحثون في أوغاريت لوحاً فخارياً نُقشت عليه رسالةٌ من الملك "حمورابي" إلى حاكم قبرص، يستعين به على مواجهة شعوب البحر

ولكن من المؤكد أن حاكم قبرص لم يلبي نداءه لأن الرسالة لم تصله ولم تخرج أصلاً من أوغاريت

 وقد وجد الأثريون طبقةً سميكةً من الرماد والكثير من رؤوس الأسهم وبقايا الجثث التي تدلُّ على أن مصير أوغاريت لم يكن مختلفاً عن مصير المدن الحيثية التي احترقت مع أهلها، وكذلك تعرّضت قبرص للمصير نفسه.

اقرأ المزيد ...

سليمان أبو طافش