المجنون الذي لا يستسلم -الجزء الثاني تصميم ريم أبو فخر |
سنكمل أحداثنا التي تم ذكرها في الجزء السابق.
ماذا حصل مع أونودا ورفاقه
وانتهت الحرب العالمية الثانية، وأعلنت اليابان هزيمتها واستسلامها حماية لشعبها، ولكن في جزيرة لوبانغ الفلبينية، ظلت مجموعات كبيرة من الجنود اليابانيين، المختبئين في الغابات وبين الجبال، ليس لديهم خبر بما يحصل في العالم.
لم يصل إليهم خبر |انتهاء الحرب|، وكل ما كانوا يعرفونه هو الأوامر التي تم إعطائها لهم، بعدم الاستسلام وعدم قتل أنفسهم وانتظار الدعم، مهما طالت المدة.
- ظل أونودا وأصدقائه الثلاثة متبعين للأوامر، محاولين البقاء على قيد الحياة باستخدام أساليب النجاة و المهارات التي تعلموها في المدارس العسكرية، كانوا يحفرون الأنفاق، ويغطون أنفسهم بأوراق الشجر، يعتنون بأسلحتهم وملابسهم، ويسرقون وينهبون أي شيء يحتاجونه من المزارع القريبة، وباختصار كانوا يقومون بكل شيء ممكن، حتى تبقى مهمتهم مستمرة.
- وفي شهر تشرين الأول من عام ١٩٤٥، أي بعد شهرين من استسلام اليابان، سمعوا دوي الطائرات تحلق فوق رؤوسهم، وعلى الفور احتموا بالأنفاق التي حفروها، بانتظار |هجوم عنيف| عليهم، والمفاجأة أن الطائرات لم تلقي فوق رؤوسهم القنابل وإنما منشورات ورقية، كُتب عليها" أوقفوا القتال، انتهت الحرب"، واعتبروا أن المنشورات التي وجدوها مجرد خدعة لإيقاعهم في فخ الاستسلام. فبالنسبة لهم الإمبراطورية اليابانية لا تُهزم، وبالتالي كانوا ملتزمين بأوامر قائدهم.
- واستمروا في عمليات النهب والسرقة والقتل بالرغم من انتهاء الحرب فعلياً، وكان أنودا أكثرهم إصراراً بأن المنشورات مجرد خدعة، وكان يحفز أصدقائه ويرفع من معنوياتهم، واستمرت المحاولات في إقناعهم، كانت |الطائرات| تلقي منشورات وبعضها كان بخط أقاربهم، وبعضها كان صحف وجرائد تعلن خبر الاستسلام وصور توثق الأحداث، حتى أن الأمر وصل لجعل بعض أصدقائهم يتكلمون عبر مكبرات الصوت معلنين انتهاء الحرب، ولكنهم كانوا مصرين على موقفهم، فإما أن أصدقائهم قد أسروا وأجبروا على قول ذلك أو أنهم خونة ويحاولون استدراجهم للإيقاع بهم.
هروب أحد أصدقائهم
- واستمر الوضع تقريباً أربع سنوات، وبالرغم من أن حسهم الوطني وإيمانهم بوطنهم وإمبراطورهم كان عالي جداً، إلا أنه مع مرور الوقت بدأت بعض النفوس تضعف، وفي أحد أيام شهر أيلول من عام ١٩٤٩، استيقظوا صباحاً ولم يجدوا أكاتسو، ولاحظوا أن أغراضه اختفت أيضاً، فتأكدوا بأنه قام بتسليم نفسه، فلم يكن قادراً على التحمل أكثر، وكان مقتنع بأن الحرب انتهت، خصوصاً بعد ملاحظته أن أغلب الناس الموجودين على الجزيرة مدنيين، ولو كانت الحرب مازالت مستمرة لكان جنود الأعداء في كل مكان، ولو أنه أخبر أصدقائه بنواياه سيعتبرونه خائن ويقتلونه بأيديهم، لذلك قرر المغادرة بهدوء.
-وبعد هروب أكاتسو، اصبحت الأمور متوترة بين أونودا وباقي أصدقائه، وبدأ كل واحد منهم يشك بالآخر، وبالرغم من ذلك لم يتفرقوا، وفي أحد الأيام عثروا على رسالة، كتبها لهم صديقهم أكاتسو، وكان يخبرهم فيها أن الحرب انتهت بالفعل، وكيف تم استقباله بترحيب من السلطات الفلبينية، وحثهم على الخروج من مخابئهم وتسليم أنفسهم، وطبعاً لم يصدقوا حرفاً واحداً، وكانوا يعتبرون أكاتسو خائناً، فمن المستحيل أن يثقوا بكلامه.
- استمرت السنين تمضي، ومر على وجودهم على الجزيرة مايقارب العشر سنوات، واستمروا في نهب المزارع المحلية، والتي كانت واحدة من المصادر النادرة التي يحصلون من خلالها على بعض اللحم أحياناً، وفي إحدى غاراتهم على هذه المزارع، كان من بين ما سرقوه جهاز إذاعة راديو، وكلما شعروا بالملل كانوا يستمعون إلى الإذاعات اليابانية.
- ولكن الشيء الغريب، أنهم لم يسمعوا أحداً يتكلم عن الحرب، ففي أحد الأيام، كانوا يستمعون إلى تقرير أخباري عن الألعاب الأولمبية والتي أقيمت في طوكيو، وأيضاً نتائج مباريات اليابان ضد أمريكا والدول الأخرى، ولكن مع كل هذا بقي أونودا مستمراً على عناده وتشبثه برأيه.
سنتابع في الجزء الثالث.
بقلمي: تهاني الشويكي
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك