المجنون الذي لا يستسلم -الجزء الثالث تصميم ريم أبو فخر |
سنكمل أحداثنا التي تم ذكرها في الجزء السابق.
تحول الجندي الياباني إلى أسطورة
-وفي عام ١٩٥٤، كانوا يبحثون عن طعام، تفاجئوا بمجموعة من الجنود الفلبيين، وعلى الفور بدأ أونودا وأصدقائه بمهاجمتهم وإطلاق النار، وحصل بينهم اشتباك، انتهى بموت شيمادا، واضطر أونودا وصديقه على التراجع والتخلي عن صديقهم الميت.
-وهذه المرة تعمقوا في الغابة أكثر من كل السنين التي مضت، وكانوا قد شعروا بالخطر فقرروا الابتعاد، ولم يرهم أحد أبداً، وقررت الحكومة اليابانية إعلان موتهم في عام ١٩٥٩، واستمر الوضع على ما هو لغاية عام ١٩٧٢، يعني بعد مرور ثمانية وعشرون عاماً لوجودهم على الجزيرة، حيث تفاجأ أحد الفلاحين في إحدى المزارع، بهجوم من جنديين يستخدمون بنادق قديمة وسيوف الكاتانا، فجأة ظهروا من مخبأهم الذي كان في أعماق الغابة، وبدوا كأنهم أتوا من عصر قديم، وهم كذلك بالفعل.
-وعلى الفور أخبر المزارعين |الشرطة الفلبينية|، والتي وصلت بسرعة للمزرعة التي كانت لازالت تتعرض للنهب من قبل أونودا وصديقه، وحصل تبادل لإطلاق النار بين الطرفين، والذي أدى إلى إصابة كوزوكا بطلقة مميتة، أما أونودا فقد استطاع الهرب والتراجع للغابة مرة أخرى.
-انتشر خبر هذه الحادثة في اليابان، ولم يصدق أحد أنه مازال هناك |جنود يابانيين| يحاربون على هذه الجزيرة، وهنا عرف الجميع أن أونودا على قيد الحياة بعد مرور كل هذه السنوات، ومن هذه اللحظة تحول إلى أسطورة.
هل تم إقناع أنودا بالعودة
-وأحد الأشخاص الذي أعجبوا بقصة أونودا، كان طالب ياباني يدعى نوريو سوزوكي، كان يحب المغامرة والاكتشاف، وكان هدفه كسب ثقة أونودا وإقناعه بالعودة، الشخص الذي حاولت الحكومة بكل الوسائل والطرق أن تقنعه، وقامت بإرسال فرق بحث متخصصة لإيجاده، وكان نوريو بنظر من حوله يحاول الوصول للمستحيل.
-وفي عام ١٩٧٤، حط نوريو في جزيرة لوبانغ، وفي إحدى الليالي الباردة شديدة الرياح، كان أونودا يمشي بحذر، بعد أن رأى ضوء نار من بعيد، واقترب قليلاً من مصدر النار، فوجد خيمة وكان هناك شاب يقف أمامها، وكانت ملامحه اليابانية ظاهرة جداً، واعتقد أنها خدعة جديدة لاستدراجه، وجه سلاحه باتجاه نوريو وصرخ بأعلى صوته استسلم أو سأطلق النار.
-وعلى الفور استسلم، وسأله بصوت منخفض "هل أنت الضابط هيرو أونودا"، وهنا زادت شكوكه بأنه يكون إما |جاسوس| أو خائن، فأخبره نوريو أنه طالب من اليابان جاء للبحث عنه بعد أن سمع قصته، وأنه أسطورة بالنسبة لشعب اليابان والجميع يتحدث عنه، لأنه مازال يقاتل في حرب انتهت منذ ثلاثين عاماً.
-ترك أونودا سلاحه، وتحدث مع نوريو وبدأ يصغي لما يقوله، حيث أخبره بأن انتهاء الحرب حقيقة، وأوضح له ما آلت إليه الأمور، وأن قصته هو والجنود الذين كانوا معه، كانت حديث الناس منذ ذلك الوقت، لوطنيتهم وتمسكهم بواجبهم المطلق كل هذه السنين.
- وكانت أول مرة منذ ثلاثين عاماً، يتكلم فيها أونودا مع شخص غريب عنه، وأخبره أنه متقيد بالأوامر، ومن المستحيل أن يستسلم أو يترك مهمته إلا بأمر مباشر من قائده، وعاد سوزوكي إلى اليابان، وبمساعدة السلطات تمكن من العثور على الرائد تانيغوتشي الذي أعطى الأوامر في عام ١٩٤٤، وأقنعه بالذهاب معه إلى جزيرة لوبانغ.
-ووقف أونودا أمام قائده السابق، والذي أعطاه الأمر المباشر والأخير بالتخلي عن القتال وتسليم نفسه وأسلحته للسلطات الفلبينية، وافق هيرو أونودا على الاستسلام أخيراً بعد مهمة استمرت ثلاثين عاماً، خلالها قتل هو ورفاقه حوالي ثلاثين شخص من المدنيين والمزارعين الفلبينيين الأبرياء، وأصابوا أكثر من مئة، ودمروا عدد كبير من الممتلكات والمحاصيل.
-وخلال مؤتمر حاشد بالناس والصحفيين، التقى أونودا بالرئيس الفلبيني، الذي سلمه أسلحته التي كانت بحوزته، ومنحه عفو شامل، على اعتبار أن ما قام به كان منطلق أنه في حالة حرب.
-وعاد أونودا إلى موطنه بعد كل هذه السنين، واستقبله ألاف الناس بالترحيب، واعتبر بطلاً وطنياً، وأصبح مثال يحتذى به في فداء الوطن.
- قرر الجيش الياباني تعويض أونودا بمبلغ مالي بسبب السنين التي قضاها وهو يعتقد أنه ينفذ مهمته، لكنه رفض وطلب منهم تقديمه للمدارس الموجودة على جزيرة لوبانغ.
قضى أونودا ما تبقى من حياته، وهو يدرس مهارات النجاة لطلابه، حتى توفي في عام ٢٠١٤، عن عمر يناهز ٩٢ عاماً.
فما رأيكم بإصراره وهل كان على حق أم أنه أخطأ بحق نفسه ؟
وبرأيكم ما لسبب الذي جعل رئيس الفلبين يسامحه على قتل الأبرياء وهل كان تصرفه منطقياً؟
بقلمي: تهاني الشويكي
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك