أعلامٌ من الصَّحابة حمزة بن عبد المطَّلب تصميم الصورة : ريم أبو فخر |
سنتحدث في هذا المقال عن أحد الأخيار الذي كانت اختياراته دائماً في مكانها الصحيح حمزة بن عبد المطلب.
سيدنا حمزة بن عبد المطلب بن هشام سيد قريش وسيد مكة كلِّها هو عمُّ الرسول مُحَمَّد صلَّى الله عليه وسلم، وسيِّد الشهداء، أسد الله ورسوله، ولقِّب بأبي عِمَارة، وُلِدَ حمزة في مكة المكرمة قبل ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم بحوالي سنتين أو أربع سنوات حسب بعض المصادر.
صفات سيدنا حمزة في الجاهلية
كثيراً ما كنا نجد الصفة وضدها تجتمعان في شخصِ سيدنا حمزة عليه السلام، الذي عُرف بالشجاعة حين يتطلب الأمر والسماحة واللطافة واللين في أحيان أخرى، كما كان يتمتع بأجمل صفات العرب مثل: الكرم والسخاء، إضافةً لكونه أشد فتى في قريش وأكثرهم شجاعة.
نشأ سيدنا حمزة في بيئة قريش الصعبة جداً، والتي علَّمته استخدام السلاح منذ الصغر، وعلى الرغم من سنِّه الصغيرة إلا أنه شارك في حرب الفجار التي كان لها دوراً كبيراً جداً في تدريب سيدنا حمزة على الشدة والبأس في شخصيته واستخدام السلاح.
في هذه الفترة وُلِدَ ابنٌ لأخ سيدنا حمزة، عبد الله بن عبد المطلب وهو: مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد المطلب عليه أفضل الصلاة والسلام، ولد بعد ولادة سيدنا حمزة بسنتين أو أربع سنوات كما دكرنا، فكان أقرب أفراد العائلة له سناً.
من المواقف التي تبيِّن قرب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لعمه حمزة
هو أنه عندما عرضت |السيدة خديجة بنت خويلد| "أم المؤمنين" الزواج على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان سيدنا حمزة أحد الأشخاص الذين أخذ سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام المشورة منهم في أمر الزواج ذاك، إذ لم يكن هناك شيءٌ يعكِّر صفو العلاقة ما بين سيدنا حمزه وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام سوى الدعوة للدين الاسلامي وعبادة الله الواحد.
مع بداية جهر سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بالدعوة إلى الله الواحد الأحد لم يكن سيدنا حمزة مع ابن أخيه ولم يُرِد الابتعاد عن عقيدة آبائه وأجداده، على الرغم من محبته الشديدة واحترامه الكبير لمحمد صلى الله عليه وسلم، وما كان يحصل آنذاك هو أن جميع القرشيين كانوا يذمّون الرسول عليه الصلاة والسلام، فأخذ سيدنا حمزة موقف الحَذِر، المراقب الصامت، ملتزم بالحياد وعدم الإساءة لابن أخيه، على الرغم من انبهاره الشديد تجاه ثباته على عقيدته بالرغم من أنهما تربَّيا في بيتٍ واحد، فلم يكن لدى سيدنا حمزة شكٌّ بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على الإطلاق، لكنه لم يكن مؤمنٌ به بعد.
ترقبٌ شديدٌ كان يعيشه سيدنا حمزة، خوفٌ وقلقٌ على ابن أخيه حتى جاء اليوم الموعود.
أعلامٌ من الصَّحابة حمزة بن عبد المطَّلب تصميم الصورة : ريم أبو فخر |
لمعرفة قصة إسلام حمزة بن عبد المطلب فلتتابعْ
قصة إسلام حمزة عليه السلام
في يومٍ من الأيام خرج سيدنا حمزة من قبيلته قاصداً الصحراء للصيد والتي كانت هوايته المفضلة، وكان حمزة صياداً ماهراً جداً، وكان من عاداته أنه حين ينتهي من الصيد ويرجع إلى مكة يذهب للكعبة ويطوف حولها، ثم يعود إلى منزله.
وبالفعل عندما انتهى من الصيد و عاد إلى مكة قاصداً الكعبة المشرفة قابلته خادمة عبد الله بن جدعان، وقالت له: يا أبا عِمَارة لو رأيت ما لقى ابن أخيك محمد آنفاً من أبي الحكم، وجده جالساً هناك فأذاه وسبَّه وبلغ منه ما يكره، وشرحت له كل ما فعله أبوجهل بسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام من إيذاءٍ وضربٍ وسبٍّ وشتم.
غضب سيدنا حمزة كثيراً وأكمل طريقه إلى الكعبة ليجدَ أبو جهل جالساً بين مجموعةٍ من |قريش|، ودون أي سابق إنذار يأخذ سيدنا حمزة قوسه و يضرب أبو جهل على رأسه ضربةً تسيل دمه، وتترك الجميع في دهشة.
كان أبو جهل وحمزة من سادات قريش، فكيف يحصل هذا؟
تساؤلات يغرق بها الجميع، كيف لاثنين من سادات قريش أن يفعلا هذا ببعضهما علناً وأمام الجميع؟ ولماذا؟ ليقطع سيدنا حمزة تلك الدهشة بقولٍ صادمٍ أكثر يوجهه لأبو جهل: أتشتمُ محمداً وأنا على دينه، وأقول ما يقول؟
ياللهول أسلم حمزة! نسي الجميع ما حصل لأبو جهل، والتفتوا لما نطق به حمزة.
فإسلام حمزة لم يكن بالأمر العادي، حمزة كان رجلاً قوياً جداً، شجاعاً لأبعد الحدود، مما دبَّ الرعب بقلوب جميع الكفار، كما أن إسلامه سيزيد من بأس سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وذلك إضافةً إلى أن أحد أعمام الرسول يؤمن به أمرٌ سيزيد من ثقة سيدنا محمد وسيرفع من معنوياته، وتشجيعٌ لجميع الخائفين من دخول الإسلام، وكيف يخافون وقد أصبح فيهم حمزة.
ولكن على الرغم من دخول حمزة الإسلام إلا أن تساؤلاتٍ كثيرة لا زالت تخطر في باله، لماذا أسلمت؟ كيف أسلمت؟ ومتى أسلمت؟ هل من السهل هكذا في لحظة غضب أن أنسى دين آبائي وأجدادي وأقف ضدهم؟ هل صوابٌ أن أؤمن بدينٍ آخر لا أعرف مبادؤه ولا أعرف ماذا يعبدون ومَنْ يعبدون؟
أعلامٌ من الصَّحابة حمزة بن عبد المطَّلب تصميم الصورة : ريم أبو فخر |
كيف أسلم سيدنا حمزة عليه السلام وكيف دافع عن ابن أخيه أمام أبو جهل
كانت تساؤلات كثيرة تخطر في باله بعدما أعلن إسلامه.
أمضى سيدنا حمزة الليلة وهو يفكر فيما إذا كان على استعدادٍ حقٍّ للدخول في دين محمد، في حين كان يشعر بحنين لدينه الأصلي، ومع زيادة الصراع الداخلي بين عقله وقلبه، وعدم اتضاح الأمور في ذهنه قرر الذهاب إلى الكعبة وأخذ يدعي ربه أن يهديه إلى الطريق الصحيح.
كان سيدنا حمزة دائماً يقول: عندما كنت أكتحلُ بنومٍ وأتيتُ إلى الكعبة، وتضرعت الله أن يشرح صدري للحق، ويُذهِب عني الريب، استجاب الله لي، وملأ قلبي يقيناً… ثم غادر الكعبة وذهب إلى |سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام| ووأخبره بكل ما حدث من ذهابه لأبي جهل إلى النهاية، فدعا له سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بأن يهدي الله قلبه للإسلام.
ها هي باختصار شديد قصة إسلام سيدنا حمزة وإعلان إسلامه وبيعته للرسول عليه الصلاة والسلام.
كان إسلام سيدنا حمزة مختلف
ففي تلك الفترة كان المسلمين مستضعفين جداً، إذ كان غالبية أتباع الرسول عليه الصلاة والسلام من الفقراء أو العبيد، ومن غير أقارب الرسول عليه الصلاة والسلام، باختصار كانوا من المستضعفين عموماً في قريش، لهذا كان إسلام سيدنا حمزة أحد أعمام الرسول وأحد سادات قريش سنداً كبيراً له ولدعوته.
بعد فترة من الزمن أذن الله لنبيِّنا محمد عليه الصلاة والسلام بالسماح لبعض المسلمين الموجودين في مكة الهجرة إلى |يثرب| هرباً من بطش قريش، فهاجرَ سيدنا حمزة قبل الرسول عليه الصلاة والسلام، وبالطبع كان أحد أهم المؤسسين للدين الإسلامي في المدينة المنورة.
كان المهاجرين الذين دخلوا يثرب في بادئ الامر يقومون بتعليم الأنصار |مبادئ الدين الإسلامي| لكي تتوسع رقعة الإسلام وتزداد أعداد المسلمين، ثم هاجر سيدنا محمد مع |أبي بكر الصديق| ليصبح القادة الموجودين في المدينة هم: محمد عليه الصلاة والسلام، أبو بكر الصديق، و|عمر بن الخطاب|، وحمزة رضوان الله عليهم أجمعين، اجتماعٌ فيه من الحكمة والقوة ما فيه.
عندما غادر المهاجرين مكة راحلين إلى المدينة تركوا وراءهم منازلهم وأموالهم، نساءهم وأبناءهم وكل شيء لديهم، فقامت قريش بالاستيلاء على كل ما تركوه، وهنا كان لا بدَّ للمهاجرين بقيادة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام أن يردوا اعتبارهم.
كان ردُّ الاعتبار عن طريق اعتراض قافلةٍ لقريش ذاهبة من الشام إلى مكة، حيث كانت أقرب نقطة تمر فيها القافلة من المدينة هي منطقة اسمها سيف البحر، أمر النبي عليه الصلاة والسلام بتشكيل سَرِيَّة من ثلاثين رجلاً لتنفيذ هذه المهمة، كان على رأسهم سيدنا حمزة عليه السلام وبالفعل استولى الصحابة على تلك القافلة ونجحوا في المهمة.
أعلامٌ من الصَّحابة حمزة بن عبد المطَّلب تصميم الصورة : ريم أبو فخر |
بعد استيلاء المسلمين على قافلة قريش ثارت حفيظة الكفار و استشاطوا غضباً مما فعله المسلمون بقافلتهم فهي إهانةٌ لهم بين العرب، فقاموا بتجهيز الجيش لمواجهة المسلمين في مكانٍ اسمه بدر.
كان من أعراف الحروب آنذاك أنها تبدأ بخروج مجموعة من كل جيش يتبارزون فرداً لفرد أمام الجيشين، فخرج من الكفار عتبة بن ربيعة، وابنه |الوليد بن عتبة|، وأخيه شيبة بن ربيعة، ثم خرج لمبارزتهم ثلاثة من الأنصار
- فسأل عتبة: مَن أنتم؟
- فأجابوا: نحن من الأنصار.
- فردَّ عليهم: ما لنا بكم من حاجة، ونادى بصوته: يا محمد أخرج لنا أكفاءنا عن قومنا.
- فقال النبي عليه الصلاة والسلام: قم يا عبيدة (عبيدة بن الحارث)، قُمْ يا حمزة، قم يا علي (علي بن أبي طالب)
- فلما خرجوا سألهم الكفار: من أنتم؟ فأجابوهم بأسمائهم، فقال الكفار: نعم أكفاءٌ كرام.
وانتهت المبارزة بين الطرفين بانتصار المسلمين، حيث قُتل الكفار الثلاثة، واستشهد |عبيدة بن الحارث|، لتبدأ الحرب بعد ذلك بين المسلمين والكفار وتنتهي كما نعلم جميعاً بانتصار المسلمين عليهم.
عاد الكفار إلى قريش بعد المعركة منكسرين مذلولين يتطلعون للأخذ بثأرهم من المسلمين، ولكن كانت هناك امرأةٌ لها ثأرٌ مختلف وهي |هند بنت عتبة|، والتي كانت تريد أخذ الثأر من سيدنا حمزة الذي قتل أبيها وعمها وأخيها وابنها.
أثناء تجهيز الكفار جيشهم من أجل شنِّ حرب أخرى على المسلمين وردّ اعتبارهم، قامت هند بنت عتبة باستئجار عبدٍ حبشي اسمه وحشي لكي ينفذ عملية اغتيال في تلك الحرب لسيدنا حمزة.
قصة استشهاد سيدنا حمزة عليه السلام على لسان قاتله وحشي
كان يجلس وحشي مع رجلين ويحدِّثهما قائلاً:
أمَا إني سأحدِّثكما كما حدَّثت رسول الله صلى الله عليه وسلم، كنت غلاماً لجبير بن مطعم، وكان عمه طعيمة بن عدي قد أُصيب يوم بدر، فلما سارت قريش إلى أُحُد قال لي جبير: إنْ قتلت حمزة عمُّ محمد بعمي فأنت عتيق، فخرجت مع الناس وكنت رجلاً حبشياً اقذف بالحربة قذف الحبشة، وقلَّما أُخطِئ بها شيئاً، فلما التقى الناس أخذت أنظرُ حمزة، أترقَّبه حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق، يهدُّ الناس بسيفه هدَّاً، وما يقوم له شيء، والله إني لأتهيَّأ له وأستتر منه بشجرةٍ أو حجرٍ ليدنو مني فتقدَّمني له سُبَاع بن عبد العزة، فلما رآه سيدنا حمزة قال له: هلمَّ إليَّ يا ابن مُقطِّعة البذور، فضربه ضربةً كأنْما أخطأَ رأسه، وهزَزْت حربتي ودفعتها عليه فوقعت في ثَمَتِه حتى خرجت من بين رجليه، وذهب ليَنُوء نحوي فغُلِب، فتركته و إيَّاها حتى مات، ثم أتيته فأخذت حربتي ورجعت إلى العسكر وقعدت فيه فلم يكن لي بغيره حاجة، وإنما قتلته لأُعتَق.
حزن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام على وفاة عمه حزناً شديداً، وانكسر لموته انكساراً عظيماً، فقد علمنا مما سبق قربهما لبعض، وقد كان حمزة بن عبد المطلب سنداً يستند عليه الإسلام، وحصناً منيعاً يدافع عن |الدعوة الإسلامية|، فأنزلَ الله سبحانه وتعالى الوحي بآياتٍ عدة على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام يواسيه ويصبِّره ويعلِّم الناس كيف يتعاملون في حالاتٍ.
وبهذا عزيزي القارئ نكون قد وصلنا لختام مقالنا في الحديث عن سيدنا حمزة عليه السلام، بالطبع هذا كلامٌ لا يفيه حقه ولكنه لمحةٌ مختصرة تفتح لكم باب القراءة والاستزادة عن هذا الرجل العظيم.
فضلاً شاركنا آراءك الرَّائعة من خلال التَّعليقات ^-^
آية الحمورة
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك