أعلامٌ من الصَّحابة سعد بن معاذ تصميم الصورة : ريم أبو فخر |
كان رد قائد قبيلة غطفان أنه اشترط على المسلمين مقابل تنفيذه لمطلبهم أن يعطوه ثلث ثمار المدينة، فرجع الرسل بذلك الرد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكالمعتاد أراد مشورة أصحابه وخصوصاً|سعد بن معاذ و|سعد بن عبادة| وذلك لأنهما من كبار أهل المدينة قبل أن يهاجر الرسول إليها، فبعد عرض المسألة على الصحابة للشورى
سأل سعد بن معاذ الرسول قائلاً
"يا رسول الله أهذا أمرٌ تختاره أم وحيٌ أوحي إليك به؟" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل أمرٌ أختاره لكم"
فجاءه الرد قاطعاً من سعد بن معاذ: "يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء على الشرك وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم كانوا لا يطمعون أن يأكلوا من مدينتنا تمرةً إلا قِرَى أو بيع، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا إليه وعزَّنا به نعطيهم أموالنا، والله ما لنا بها من حاجة ووالله لا نعطيهم إلا السيف"
كان هذا موقفاً مميزاً أيضاً لسعد بن معاذ يبيِّن مدى حرصه علي قوت المسلمين واستعداده لمجابهة جيشٍ كامل مقابل ألا يُنقِص من حقوقهم شيئاً.
اِطمأنَّ قلب النبي عليه الصلاة والسلام مباشرةً بعد ما سمعه من سعد بن معاذ وأنهى المساومة مع قبيلة غطفان، فبدأت غزوة الخندق بحصار| المدينة المنورة|، فتجهَّز المسلمون للحرب ولبسوا لباسها وخرج فيهم سعد بن معاذ مردِّداً بيوتاً من الشعر يحثُّ من خلالها الصحابة والمسلمين على الاستعداد للحرب ويذكّرهم بجمال الاستشهاد في سبيل الله فقال
"لبِّثْ قليلاً يشهد الهَيجا جمل ما أجمل الموت إذا حان الأجل"
أُصيب سعد بن معاذ خلال الحرب بسهمٍ في ذراعه وسبَّب له نزيفاً، فأمر الرسول عليه الصلاة والسلام ببناء خيمةٍ له بجوار المسجد النبوي لكي يتم علاجه فيها، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم دائماً يزوره -أثناء الحرب وبعدها- ويطمئن على حاله حتى أنه عالجة أكثر من مرة بيديه الشريفتين.
أعلامٌ من الصَّحابة سعد بن معاذ تصميم الصورة : ريم أبو فخر |
سعد بن معاذ في خيمة العلاج
نظر سعد إلى السماء في إحدى المرات وهو في تلك الحالة ثم ناجى ربَّه ودعاه قائلاً: "اللهم إن كنتَ أبقيت من حرب قريشٍ شيئاً فأبقني له فإنه لا قومٌ أحبّ إلي من أن أجاهدهم من قومٍ آذَوا رسولك وكذّبوه وأخرجوه ، وإن كنتَ قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعل ما أصابني طريقاً للشهادة ولا تمتني حتى تُقَرَّ عيني من بني قريظة"
ثم يُهزَم الكفار بأمر الله ويهربون ويُفَك الحصار عن المدينة المنورة ولكن هل انتهت الحرب هكذا؟
بالطبع لم تنتهِ الحرب بهزيمة الكفار في ساحة المعركة وفك الحصار عن المدينة، فما زال اليهود الذين نقضوا العهود والمواثيق دون حساب، فماذا كان مصيرهم؟
أمر النبي عليه الصلاة والسلام بمحاصرة يهود بني قريظة، استمر الحصار قائماً لمدة ٢٥ يوم حتى أحسَّ زعيم يهود بني قريظة بثبات المسلمين وعدم نيتهم في التراجع، فقرر الاستسلام والتفاوض مع الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم أخبره بأنهم يريدون سعد بن معاذ ليحكم في أمرهم، وذلك لأنه كان بينهم وبين سعد بن معاذ عهوداً ومواثيق قبل الإسلام، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم أمره لسعد بن معاذ بالمجيء إليه ليحكم في أمر اليهود.
حُمِل سعد بن معاذ إلى النبي عليه الصلاة والسلام حملاً حيث كان جرحه لا يزال بحالة سيئة
- وقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: "احكمْ في بني قريظة"
- فحكم فيهم بأن: يُقتَل مقاتلوهم وتُسبى ذَراييهم وتقسَّم أموالهم.
- فقال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد: "لقد حكمت فيهم بحكم الملك".
رجع سعد بن معاذ إلى خيمته بعد أن استجاب الله له دعوته وأقرَّ عينه من |بني قريظة| وجعل حكمهم في يده، وفي إحدى الليالي انفجر جرحه وظلَّ ينزف حتى توفَّاه الله
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لموته: "اهتزَّ العرش لموت سعد بن معاذ".
وبهذا انتهت حياة هذا الصحابي الشجاع المقدام، حياته التي كانت مليئةً جداً بالمواقف المَهيبة الرصينة والتي بالطبع لم نذكر سوى القليل منها.
وهكذا نكون قد وصلنا لنهاية هذا المقال من الحديث عن سعد بن معاذ رضي الله عنه.
فضلاً شاركنا آراءك الرَّائعة من خلال التَّعليقات ^-^
آية الحمورة
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك