لا دموع بعد اليوم تصميم الصورة وفاء مؤذن |
ضاق أمجد بالزحام وهو يسير الهوينا بسيارته وشعر بالضيق والضجر
مدَّ رأسه من السيارة يخاطب إحدى الفتيات التي كانت تسير بمحاذاة الرصيف و تعيق طريقه وقال : عذراً آنستي هلا تفضلتي بالسير على الرصيف ...
أطرقت مجدولين برأسها في الأرض وهي تقول بخجل :
أعتذر منك لكن الإزدحام شديد على الرصيف واستدارت لتمشي ،فأطلق أمجد بوق سيارته ليرغمها على الالتفات إليه ،فقد تملكه فضول غريب لرؤية وجهها، بعد أن سمع صوتها الذي كان يفيض رقة وعذوبة وليته ما فعل، فحين التفتت ونظرت إليه تسمَّر في مكانه.
بدت له كنسمة صيفٍ ،كملاكٍ يتهادىٰ... أسَرَهُ جمالها ورقتها .
كانت عيناها زرقاوين ،اتحد فيهما الأزرق البحري الداكن بالسماوي الصافي فأعطاهما مزيجاً أخاذاً ساحراً .
وقد أضفت أهدابها الشقراء الطويلة ،مزيداً من الجاذبية والجمال على وجهها الطفولي .
ومع أنه كان يميل للسمراوات إلاّ أنّ تلك الشقراء الفاتنة استهوته ،وملكت فؤاده ودخلت قلبه بلا استئذان
تمتم ما شاء الله تبارك الرحمن .
أوقف سيارته وانحنى فوق المقود يتابعها بنظراته بشغف .
فجأة مرَّت سيارتان مسرعتان
وأطلقتا مكابحهما بقوة ،وبدأتا بتبادل إطلاق الرصاص الذي انهمر كوابلٍ من المطر .
دب الذّعر في المنطقة ،وبدأ الناس يتراكضون ،لم تدرِ مجدولين بنفسها ،ففتحت باب السيارة التي كانت بقربها وارتمت داخلها وهي ترتجف كعصفور صغير
لم تفكر بالاستئذان ربما بسبب بحثها عن ملاذٍ آمنٍ يقيها رشقات الرصاص الطائش .
أحس أمجد بخوفها الشديد ،وأحس بمسووليةٍ كبيرةٍ تجاهها ،فانعطف بسرعة بسيارته وأوى إلى ركن قريب بدا له آمناً ،وحاول أن يهدئ من روع الفتاة .
سادت فوضى وارتباك في الشارع ،وبدأ الناس يتراكضون بعضهم اختبأ في المباني القريبة والبعض بدأ بالجري بعشوائية في شتى الاتجاهات.
أُغْلِقَت النوافذ وخلَتِ الشرفات والسطوح من الناس ،ولم يجرؤ أحد على النظر من خلالها لمعرفة ما يجري ،فالفضول في هذه المواقف غير محمود العواقب.
مَرَّتْ حوالي العشرين دقيقة انسحبت بعدها السيارتان المتطاردتان ،واختفى المسلحون وابتعدوا عن المكان .
انتهى الأمر بسلامٍ دون إصابات أو ضحايا واقتصر الأمر على عددٍ كبيرٍ من الثقوب السوداء التي أحدثتها الرصاصات الطائشة ، والتي اخترقت الجدران والأبنية بينما بقيت رائحة البارود المشتعل تملأ المكان.
هدأ الأمر تماماً ،وبدأ الناس بالخروج مجدداً إلى الطريق ،وعادت الحركة طبيعية إلى حدٍّ كبير
هذا الكم الهائل من الشجاعة وحب الحياة عند الناس، وطريقة تعاملهم وتكيفهم مع الأزمة التي عصفت بالبلاد ،أعطاهم مزيداً من الثبات وجعلهم يتابعون حياتهم اليومية بكل ما أوتوا من طاقةٍ، وبرغم افتقادهم إلى الأمان وسعيهم للحصول عليه .
لم تطل الفترة التي جمعت الصبية والشاب معاً في ظل الإضطراب الذي حصل، لكنها كانت كافية ليتم التعارف بينهما ،بل لتنشأ بينهما رابطة قوية من المحبة ،فقد تبادلا أرقام الهواتف والعناوين.
هو أمجد طالب هندسة معمارية في السنة الثالثة جاء من محافظته حمص لقضاء بعض الأمور التي تخص عمل والده.
وهي مجدولين |الفتاة الدمشقية| ،ابنة الثمانية عشر ربيعاً ،تدرس الثانوية العامة
كانت إقامته قصيرة في دمشق لأنه كان يخشى من ظروف الحرب التي كانت تتسبب في قطع المواصلات والإتصالات بين المحافظتين.
لكنه في هذه المرة ،تمنى لو تطول زيارته أكثر
عاد إلى حمص مرغماً فقد ترك قلبه فيها...
تمنى لو يأخذها معه أو يبقى بقربها ، تلك الساحرة الفاتنة التي سرقت قلبه وعقله، هي ولا شك فتاة أحلامه التي رسم صورتها في مخيلته
لقد قدمتها له الظروف على طبق من فضة ،وساقتها إليه فملأت قلبه بالسعادة ،وبرغم ظروف الحرب استمرا عاماً كاملاً يتحادثان
زار خلالها دمشق مرة واحدة ،فدعاها للغداء في مطعم الياسمينة البيضاء ،وكما حدث معه عند أول لقاء ،أحس بأن قلبه ينسلخ منه ليبقى معها ولكن بعد شهرين من تلك الزيارة انقطعت اتصالاتهما تماماً .
لم تعرف السبب، ربما شغلته الدراسة، ربما هاجر مع من هاجر ،ربما أضرَّت به الحرب، ربما بسبب انقطاع التواصل والإتصالات ببن المحافظات الذي كان يحدث عندما تشتد الأزمة
ربما وربما وألف ربما راودتها....
والمسكينة عصفت بها وبأسرتها رياح الحرب الظالمة ومرت بظروف أليمةٍ وقاسية شغلتها حتى عن ذكر اسمه ،مع أنها كانت تحتاجه بشدة ليكون بقربها ،لتبثه آلامها وتحدثه عما قاسته هي وعائلتها ،ولكن المسكينة مرت بتجربتها القاسية وحدها.
بعد عامين إلا أربعة أيامٍ من الإنقطاع ،رن جوالها حملقت بذهول في شاشة الجوال حين أدركت أنه المتصل.
لماذا شعرت مجدولين بالذهول عندما علمت أن المتصل هو أمجد ؟
هل سترد على اتصاله؟
أم أنها سترفض الرد عليه بعد غياب عامين؟
تابعونا في الحلقة القادمة لنعرف كيف ستجري الأمور..
بقلم هدى الزعبي
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك