هل سمعتم عن حجرٍ يحول المعادن الرخيصة ذهباً حقيقياً ؟
بل ويحولها إلى أشياء تفوق الذهب قيمة وأهمية ؟
هل لهذا الحجر وجود ؟ ...وهل حجر الفلاسفة هو الحجر المقصود فعلاً؟
رافقونا سنبحث اليوم في مقالتنا هذه موضوع الحجر الشهير في دراسة مسنفيضة ،وسنتعرف على خباياه ونعرف معاً سبب تسميته بهذا الاسم....
قد يبدو الأمر للوهلة الأولى ترهات وأوهام ترتسم فقط في مخيلة الحالمين ،الذين لطالما راودتهم الأحلام والأماني، بوجود شيء يشبه عصا موسى السحرية .
نعم هو شيء يشبه هذا تماماً ،ولولا وجود دلائل علمية، تشير إلى إمكانية تحويل ذلك الحجر السحري إلى المعدن الرنان ،وإلى إمكانية تحقيق النتائج المرجوة منه ،لما اهتم به علماء الخيمياء و|الفلاسفة| والمفكرين، ولما أولوه كل هذه المكانة
وإذا جرت الأمور حسبما اتجه تفكيرهم فإنه يستحق بجدارة كل تلك الضجة .
فما أجمل أن تصحو ذات يوم ،لتجد أمامك المفتاح السحري الذي سيفتح لك طريق الوصول إلى الحياة الأبدية ،ويمنحك سر الخلود
فهل سيتحقق ذلك حقاً ؟ أم أنه سيبقى مجرد أوهام وخيال تنسجه الحكايا و|الأساطير| التي تروى وتدغدغ مخيلة العلماء والمفكرين الذين ما زالوا يدأبون منذ مئات السنين في سعي حثيث ومحاولات مستمرة وهم يقومون بأبحاث وتجارب عديدة لنقلِ ذلك الحلم من خانة الأحلام إلى خانة الواقع؟
ويبقى السؤال.... هل نجحت تلك التجارب فعلاً؟
وهل يمكن لعلماء العصر الحديث أن يكملوا تجارب من سبقهم من العلماء والخيميائيين القدماء؟
ويستفيدوا من خبراتهم وما توصلوا إليه من نتائج لمتابعة ما بدأوه ليزهر الحلم الوردي الذي يدغدغ مخيلاتهم؟
أم أنهم سيوقفون عمليات البحث لأنهم اصطدموا بصخرة الواقع وتاهوا في دهاليز الصراع بين العلم والمنطق ،وبين الجهل والسحر والأقاويل؟
ومن يدري فقد يكون لتداخلهما معاً أثر كبيراً في تعثر ظهور النتائج الإيجابية .
انطلق العلماء والفلاسفة والمفكرين والخيميائيين لدراسة وتحليل الحجر السحري ،الذي يعرف باسم : حجر الفلاسفة
وجعلوه منطلقاً لأبحاثهم وتجاربهم ،وتضافرت جهودهم من أجل الوصول إلى الأمل المنشود، لاكتشاف خبايا هذا الحجر العجيب....
حجر الفلاسفة مم يتكون ؟ وما هي ماهيته؟
في الحقيقة لم يتم التوصل بما يكفي لتحديد طبيعة تكوينه ،كما أنه لم يتم تحديد شكله تماماً ،وبقيت نتائج كل المحاولات والدراسات في حدود التكهنات ،ولم يعرف تماماً ما إذا كان هذا الحجر صلباً أو سائلاً أو رذاذاً .
لكن المهتمين بذلك الحجر العجيب ،اتفقوا جميعاً على أنه الإكسير المطلوب الذي يعيد الشباب ،بل ويعيد الحياة لخلايا الكثير من الكائنات الحية التي أصابها العطب والتلف ،ويعيد إليها النضارة والحيوية، لاسيما النباتات كما أنه يتمتع بقدرات فائقة
وقد اتفقوا على تسميته بحجر الفلاسفة لاهتمام الفلاسفة بشكل كبير بأمره ...
لكنهم مع الأسف وبرغم كل اهتمامهم وتحليلاتهم ودراساتهم التي أجروها لمعرفة طبيعة تكوينه ،كانوا كمن يدور في حلقة مفرغة مبهمة، أو كمن يتخبط في الهواء، أو يغوص في بحر الرمال المتحركة
ومع ذلك كانوا دائماً يواصلون البحث عن أرضية ثابتة صلبة ،تقودهم للتوصل لطريق واضح يوصلهم إلى معرفة السر الذي يبحثون عنه
إلا أنهم لم يتوصلوا بعد إلى حل هذا المعضلة
بل بقيت أبحاثهم مغلفة بهالة من الحلقات المبهمة، التي تبدو لغزاً محيراً والذي سيكون حلاً ووسيلة للخلاص من الكثير من الأمراض والشفاء منها ،وسبيلاََ للوصول إلى الشباب الدائم والحياة الأبدية
كما وأنه سيعيد للنباتات التالفة الميتة حياتها، ويجدد نشاطها
وفي النهاية وإلى أن يتوصل العلماء إلى ما يسعون إليه ،وبرغم امتزاج السحر والشعوذة مع التجارب العلمية ،وتحليلات الخيميائيين القدامى والجدد عرب وفرنجة ،وإلى أن يتم التوصل إلى النتائج المرجوة والتحقق منها ،فإن هذا الحجر سيبقى الكنز الذي يتسابق عليه فرسان المغامرة والبحث للحصول عليه ،لما يتمتع به من إمكانات هائلة مدهشة .
وقد جاء في أحد الكتب القديمة الذي يتحدث عن الحجر العجيب، والذي اعتُبِرَ كخارطةٍ يهتدي بها كل الباحثين عن سر ذلك الحجر ،وقد جاء فيه في وصف لذلك الحجر بأنه يشمل كل الالوان ، وبأنه يجمع في تركيبه العناصر الأربعة المكونة للطبيعة
وهي الماء والهواء والنار والتراب .
فالحرارة والصلابة تتعلق بتكوينه الداخلي ،بينما تشكِّل البرودة والرطوبة مكوناته الظاهرية
هذا وقد تضاربت الأقاويل، حول تاريخ بدايات ونشأة رحلة البحث والاكتشاف المتعلقة بحجر الفلاسفة.
فما هو التاريخ الحقيقي لظهور الدراسات المتعلقة بالحجر الاسطورة؟
من المرجح أن رحلة البحث المتعلقة بهذا الحجر قد بدأت منذ عصور موغلة في القدم ، وقد ظهرت في الفترة الممتدة مابين القرنين الثالث والخامس قبل الميلاد
ويعتقد أنها نشأت في |مصر| ،وتحديداً في مدينة الاسكندرية.
إلا أن البعض رجحوا أن تكون بداياتها انطلقت من بلاد الصين، ولكن يجب أيضاً الأخذ بعين الاعتبار دور السحر والشعوذة اللذان كانا يسودان العصر آنذاك ،ومدى ارتباطهما بها وتأثيرهما على النتائج والتحليلات التي تمت في هذه الفترة على حجر الفلاسفة .
ولكن يرى البعض أن تاريخ بدايات الأبحات التي رافقت وجود هذا الحجر ،إنما يعود إلى زمن النبي آدم عليه السلام ، ثم امتد بعد ذلك ليصل إلى زمن الأنبياء الذين توالوا فيما بعد
حيث تم توارثه عبر الأجيال القديمة آنذاك ،وقد ساد اعتقاد أن طول أعمار الأنبياء في هذه الأثناء إنما كان بسبب وجود ذلك الحجر .
الحجر العجيب والتطورات التي شهدها في ظل الدولة الإسلامية والبيزنطية :
استمر توارث حجر الفلاسفة عبر الأزمنة حتى وصل به المطاف إلى العصور الوسطى.
في تلك الفترة كانت| الدولة الإسلامية| والبيزنطية تشهد تطوراً كبيراًَ في جميع المجالات ومنها مجالات الطب والعلوم والخيمياء مما سبب نقلة نوعية في تاريخ التجارب والدراسات ،التي أسهمت بشكل كبير وواسع في اكمال حلقات التقصي والاستناج حول حجر الفلاسفة
وقد أولى علماء هذه الآونة لا سيما علماء الخيمياء ذلك الحجر الغريب اهتماماً كبيراً وبدأت فعلاً دراسات واسعة حول امكانية الاستفادة من دراسات الفلاسفة في تلك العصور له ،وتحقيق النتائج المرجوة منه .
في ظل نبوغ عدد من الكيميائيين العرب ،ومع بدايات القرن الثامن عشر ،بدأت شمس الكيمياء الحديثة تبزغ كعلم حديث ،يعتمد على الدراسات والتجارب ،بعدما كانت تسود الخيمياء التي يمتزج فيها البحث بالخرافات والسحر والشعوذة
وقد برع العالم الكيميائي العربي |جابر بن حيان| ، الذي أسس|علم الكيمياء |ووضع أسسه وأرسى قوانينه ، والذي صار فيما بعد مرجعاً هاماً معتَمَدَاً في الجامعات إلى يومنا هذا .
وقد تابع جابر بن حيان ،ما بدأه الفيلسوف الشهير| أفلاطون| ،لا سيما أنه كان يُعنى بشكل خاص بدراسة المعادن ،ويبحث في طرق تحويلها إلى معادن أخرى
وانطلق منها محاولاً الاستفادة من تجارب من سبقه من الفلاسفة والعلماء ،وعمل على تطويرها ومتابعتها على أسس علمية لتحقيق الإنجاز الكبير والحصول على المعدن الذهبي الرنان من الحجر الغريب ،والسعي لتسخيره لشفاء الأمراض
وقد كان له دور بارز وهام في هذا المجال حيث انطلق من المكونات الأربعة الرئيسية للحجر
وهي الهواء والماء والتراب والنار
والتي تشكل بمجموعها خصائصه الباطنية والظاهرية ،وقام بتحليل تلك الخصائص ،واعتبر أنه إذا ما تم استبدال تلك العناصر الداخلية مع الظاهرية وتم تبديل مواضعها، فإنه سيتشكل لدينا معدناً جديداً ذو بخصائص جديدة ،وقد ارتكز على ذلك المبدأ في تحويل حجر الفلاسفة إلى المعدن المطلوب .
هذا الاتجاه، لم يلقَ التأييد المناسب من بقية العلماء
فالعالم |ابن سينا |رفض بشدة هذه الفكرة، لأنه يرى أن لكل معدن صفاته وخصائصه الكيميائية الخاصة به ،ولا يجب التدخل بها أو تغييرها أو تحويل أي مركب أو معدن إلى معدن مغاير
وكذلك فإن| لافوازييه |عالم| الفيزياء |الشهير ،انطلق من نفس المبدأ، لكنه خالف جابر بن حيان في آرائه وتحليلاته حول هذا الموضوع.
بينما كان متوافقاً مع ابن سينا في الرأي ، وهذا ما أشار إليه في كتابه
حيث قام بتعريف العناصر وأورد صفاتها وخصائصها ،واعتبر بأن لكل عنصر خصائص خاصة وأسماء خاصة به وحده ،حيث يتميز وينفرد بها
وقد قام بتفسيرها وشرحها في كتابه الذي لازال يلقى الأهمية والمكانة في العلوم الكيميائية الحديثة ،الذي هو من أهم مؤسسيها .
هذا ولم تتكلل جهود كل من تابع التجارب فيما بعد ذلك والتي تمت على حجر الفلاسفة بالنجاح وباءت جميعها بالفشل
لا زال بجعبتنا المزيد من المفاجآت التي نحملها لكم عن حجر الفلاسفة ،والتي رافقت عمليات البحث والتجارب ،للحصول على المعدن الرنان .
فهل تراها ستنجح مع الإصرار على تحقيق ذلك الحلم ؟
أم أن هناك عوائق جديدة ستجعل العلماء والمفكرين يصرفون النظر عن تحقيق حلمهم .
انتظرونا في المقالات القادمة....
هدى الزعبي
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك