لنكمل رحلة البحث عن الحجر العجيب التي بدأناها في المقال السابق
لقد تم تداول رواية مفادها أنه في القرن الثالث عشر قام الفيلسوف ألبرت ماغنوس باكتشاف حجر الفلاسفة ،وقام بنقله بعد ذلك إلى تلميذه توماس الأكويني.
توماس هذا هو أحد أبرز القديسين والفلاسفة اللاهوتيين المؤثرين الذين تبنوا ما يعرف بمذهب اللاهوت الطبيعي
هذا المذهب هو فرع من اللاهوت يعتمد على العقل والتجارب العملية ،لذلك هو يختلف عن الوحي الديني ومايتعلق به من أمور تخص العلم والطبيعة
أما الرواية فتقول
إن توماس الأكويني ،بعد حصوله على الحجر الغامض من معلمه ماغنس، قام باستخدامه بتجاربه المتعلقة بتحويل المعادن إلى أخرى، وأهمها |الذهب |
يجدر بي أن ألفت أنتباهكم الى أمر مهم ...
أغلب العلماء الخيميائيين والكيميائيين الذين تلو| جابر بن حيان |،اعتمدوا في تجاربهم على مانصه جابر بخصوص تحويل المعادن وهو ماذكرته سابقاً
لذلك نجد أغلب المصادر تذكر نفس الخطوات التي اعتمدها ابن حيان ،وبالطبع كل من حاول تحويل المعادن إلى ذهب ،كان بالتوازي يبحث بشتى الطرق عن الحجر الأسطوري
نكمل مع روايتنا....
إذاً حصل توماس على الحجر ،واستخدمه ....فماذا كانت النتيجة ؟؟؟؟
النتيجة وبكل بساطة يذكرها ألبرت ماغنوس في مذكراته ،على أنه شهد صناعة الذهب بطريقة تحويل المعادن ،إلا أنه لم يأتي على ذكر أو الإشارة إلى حجر الفلاسفة ،بأي شكل من الأشكال.
أما في القرن السادس عشر ،فقد كان للعالم السويسري براكلسوس ،رأي أخر فهو قد قام بإطلاق اسم alkahest على عنصر قال عنه أنه لم يتم اكتشافه بعد ،بل وأكثر من هذا فقد أسهب العالم السويسري بوصف هذا العنصر حيث قال أنه عنصر تندرج منه جميع عناصر الحياة ،أي الأرض والماء والهواء والتراب
لذلك بحسب وصف العالم فإنه قال أن حجر الفلاسفة ماهو إلا هذا العنصر ،أما عن عنصر alkahest فقد بقي إلى يومنا هذا مبهماً وغامضاً ،رغم محاولات العديد من الكيميائيين تحديد ماهيته.
والآن هل أثارت تجارب هؤلاء العلماء استغرابكم ،وبالأخص أنها ماتتعلق بمادة صنفت بأنها أسطورية
فما رأيكم إن أخبرتكم أن أحد أبرز وأهم علماء عصرنا ،كان من أبرز الباحثين في هذا المجال.
أنا أتكلم عن |إسحاق نيوتن| صاحب قانون الجاذبية
في عام ١٩٤٠م
أعلن الاقتصادي البريطاني جون كينز ،أنه استطاع الحصول على صندوق يحتوي على أوراق تخص نيوتن
أما المفاجئة ،فكانت أن هذه الأوراق تحتوي على ملاحظات لاتحصى ،حول محاولات البحث واكتشاف حجر الفلاسفة
وعلى مايبدو فإن نيوتن ،بكل ماكان يحمله من علم وذكاء لم يوفق للوصول إلى النتيجة النهائية.
أحد أبرز الباحثين في هذا المجال والذين تعمقوا في دراسة هذا الحجر هو الفيلسوف والمؤرخ الإنكليزي بيتر مارشال.
بيتر هذا وصل في بحوثاته إلى حد السفر إلى الصين والهند ومصر وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا وجمهورية تشيك ،لجمع كل مايمكن جمعه حول أسرار هذه المادة أو الحجر
ورغم كل هذه الأسرار ،إلا أنه لم يستطع الوصول إلى مبتغاه.
حجر الفلاسفة أسطورة المعادن تصميم الصورة ريم أبو فخر |
إلا أن رحلاته وأبحاثه ،مكنته من وضع كتاب عنونه بيتر بحجر الفلاسفة ، إحدى أبرز النقاط التي أوردها بيتر بكتابه ،هي قصة تتعلق بهذا الحجر
فطبقاً لما ورد في الكتاب ،أن رجلاً ادعى أنه اكتشف حجر الفلاسفة ،وقام بزيارة العالم السويسري جوهان هيلفيتس ،وذلك عام ١٦٦٦م
هذا الرجل أعطى العالم السويسري قطعة صغيرة من حجر الفلاسفة كي يقوم بتحليلها ،وغادر الرجل واعداً العالم السويسري بأنه سوف يعود إليه كي يخبره بكيفية صناعته لهذا الحجر ، واعتماداً على هذا الوعد قام العالم جوهان بتحويل نصف وقية من الرصاص إلى ذهب نقي باستخدام القطعة الصغيرة من حجر الفلاسفة.
العالم استخدم القطعة من حجر الفلاسفة دون أن يعرف كيف قام الزائر الغامض بصناعتها
بقي العالم السويسري ينتظر عودة زائره المجهول ،ولكنه لم يعد أبداً.
ليبقى سر هذا الحجر غامضاً إلى يومنا هذا......
الآن كما لاحظتم أصدقائي في سياق المقال فإن كلمة خيمياء وردت في أكثر من موضع ،كلما ورد ذكر حجر الفلاسفة
فما هو الخيمياء وماعلاقته بحجر الفلاسفة؟؟؟؟
الخيمياء ببساطة ،هو علم الكيمياء القديم وبشكل أدق ،هو فرع قديم للفلسفة الطبيعية وتقليداً فلسفياً ،وأحد العلوم المبتدئة القديمة
هذا العلم نشأ في |مصر| الرومانية في القرون الأولى ،وتم تدريسه وممارسته في كل من أوروبا وأفريقيا وآسيا ،بحسب المعطيات التاريخية والكتب والمصادر القديمة التي تناولت هذا العلم فإن جوهر علم الخيمياء ،هو السعي وراء تحويل معدن إلى آخر وبالأخص السعي وراء تحويل المعادن الرخيصة إلى معادن نفيسة ،وبالتحديد إلى ذهب.
وهو مايطلق عليه بعلم الخيمياء الكريسوبويا
كما أن علماء الخيمياء ،أبدوا اهتماماً كبيراً بمحاولة تصنيع إكسير الحياة ،الذي ذكرنا سابقاً خصائصه لمنح الشباب الدائم ومعالجة الأمراض المختلفة
أما عن سر ارتباط هذا العلم بحجر الفلاسفة
هو ما آمن به كبار خيميائيين العرب وغيرهم ،أمثال الرازي و وي بويانغ و ألبيرتوس ماجنوس وغيرهم الكثير ، إلا أن هذا الحجر يضاعف من قدرة الخيميائيين
وهو حجر الأساس في تحويل المعادن إلى ذهب ،وفي صنع إكسير الحياة ...
حجر الفلاسفة أسطورة المعادن تصميم الصورة ريم أبو فخر |
ارتباط علم الخيمياء بالثقافة التراثية العربية
حيث نجد له ذكراً في رواية للخيميائي عز الدين ايدمير الجلدكي
إذ يذكر عز الدين أنه بفضل ابن حيان الذي استطاع تحضير هذا الإكسير أو المستحضر ،تحققت القوة والجاه لبني العباس ولوزرائه من البرامكة الذين استطاعوا تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب ،بل ذهب البعض الآخر إلى ربط ثروة| قارون| الشهيرة بعلم الخيمياء وحجر الفلاسفة.
ولكن رغم أن الخيمياء تصنف من العلوم الطبيعية ،والعديد من الأسس الكيمياء الحديثة اعتمدت على مبادئ الخيمياء ، إلا أن أبرز أوجه الإختلافات بين الخيمياء والكيمياء ،هو عدد العناصر
ففي حين تنص |الكيمياء |الحديثة على وجود ١١٧ عنصر متفردين الخواص ، موزعين في جدول دوري ،نرى أنه في الخيمياء عدد العناصر هو ٤ فقط
وهي الأرض النار والهواء والماء
إذاً علم الخيمياء وكل ما ارتبط به من حجر الفلاسفة وإكسير الحياة هو علم بحسب من مارسه من قدام العلماء
فما رأي العلم الحديث بحجر الفلاسفة وإكسير الحياة ؟
كل ما عمل عليه الخيميائيون القدامى ، وماسعى بعض من الكيميائيين الجدد ، لمحاولة تغير معدن الى آخر ،ذهب أدراج الرياح
إذا أثبتت الكيمياء الحديثة بالدلائل والبراهين أنه ليس هناك من طريقة كيميائية لتحويل نواة ذرة عنصر إلى أخر.
بل جل ماتمكن منه هو إعادة ترتيب الذرات لتكوين مادة جديدة ، وهو ماينسف فكرة حجر الفلاسفة وقدرته على تحويل المعادن إلى ذهب
وإذا نظرنا إلى التفسير العلمي الى حجر الفلاسفة فسنجد ببساطة أنه مادة أسطورية ،لديها القدرات على تحويل الفلزات الرخيصة إلى ذهب
إذاً العلم يرى أنه مجرد| أسطورة| ، ارتبطت بعلم الخيمياء القديمة
رغم كل ماتواتر إلينا من روايات وتجارب من علماء قدماء ، ومع هذا نجد بعض المحاولات من علماء اليوم لتحضير إكسير الحياة في محاولة منهم لهزم الشيخوخة والمرض الذي لم يستطع أحد أن يجد له دواء.
إذا أصدقائي هذا ماكان في جعبتنا حول حجر الفلاسفة ،فمن بداية الخلق إلى يومنا هذا ،لم يتمكن أحد من إثبات أبسط الأمور حول هذا الحجر ،ولم تفلح كل المحاولات لتحويل المعادن إلى ذهب ، أو حتى لإنتاج مايسمى بإكسير الحياة ،مايدفعنا الى طرح السؤال الأبرز
هل حقاً حجر الفلاسفة موجود؟؟؟؟
أم أنه كما يقول العلم الحديث ،مجرد أسطورة اندمجت مع أحد أعرق العلوم القديمة
وإن كان موجوداً فهل من الممكن أن نشهد يوماً ما اكتشاف سره ،وماذا عن إكسير الحياة؟؟
تعتقدون أصدقائي أنه سوف يكون بإمكان العلماء وقف زخف الشيخوخة ومنح البشرية الشباب الدائم ، مخالفين بذلك كل ماهو معروف ومتفق عليه.
لا أحد يعلم........
إن أعجبتكم سلسلة حجر الفلاسفة ،أسطورة المعادن ،لاتنسوا أن تشاركونا رأيكم في التعليقات ،وأن تشاركوا هذا المقال مع الأصدقاء وعلى أوسع نطاق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هدى الزعبي
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك