كيف سيطرت الصين على سوق العناصر النادرة تصميم وفاء المؤذن |
أهمية العناصر النادرة
يوجد حتى الآن ستة عشر عنصراً نادراً مثل الإيتيريوم، وهي تدخل في الكثير من الصناعات الحيوية الهامة، مثل صناعة التلفاز ومصابيح الليد والكثير من التطبيقات العسكرية وغيرها، كما تدخل في علاج بعض الأمراض الخطيرة، ولذلك أصبح من يمتلك |العناصر النادرة| يستطيع السيطرة على مثل تلك الصناعات، وبالتالي يستطيع السيطرة على الاقتصاد العالمي الجديد الذي سيقوم أصلاً على مثل تلك الصناعات.
نشأة الصناعات المعتمدة على العناصر النادرة
ظهرت أهمية العناصر النادرة منذ ثلاثينيات القرن العشرين، مع بدء أبحاث القنابل الذرية في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تم اكتشاف منجمٍ في صحراء كاليفورنيا الأمريكية، من قبل شركة "مولي كورب"، وأثناء البحث عن |اليورانيوم|، تم العثور على كمياتٍ كبيرةٍ من العناصر النادرة، ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، بدأت الأجهزة الإلكترونية مثل التلفاز بالظهور، وكان التلفاز الملون بمثابة ثورةٍ جديدة، رفعت الطلب كثيراً على العناصر النادرة الداخلة في صناعته، فتحوّل منجم "مولي كورب" إلى منجمٍ للذهب، وأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية المورد الوحيد في العالم لتلك العناصر النادرة.
الحرب الباردة والعناصر النادرة
في بداية الستينيات، كانت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي على أشدّها، ما جعل الولايات المتحدة تصرف المزيد من الأموال على |التعدين| ودراسة المعادن وبخاصةٍ المعادن النادرة لاستخدامها في المجالات العسكرية، كالرادارات المتطورة، كذلك استخدم الاتحاد السوفيتي العناصر النادرة للحصول على خليطٍ معدني قوي وخفيف، يتكون من |اللمنيوم| وأحد المعادن النادرة، ما سمح له بتطوير طائراته الحربية مثل "الميغ 29" التي أثبتت جدارتها في الثمانينيات، ومع توسّع حركة التجارة العالمية في الثمانينيات أيضاً، بدأت الشركات الكبرى تبحث عن بلدانٍ غنيةٍ بأيدٍ عاملةٍ رخيصة.
الأسباب الحقيقة لنقل المصانع إلى خارج أمريكا
لم يكن البحث عن اليد العاملة الرخيصة السبب الوحيد لنقل صناعات التعدين إلى خارج بلاد الشركات الأم، بل الحقيقة تكمن في أن الولايات المتحدة بدأت تدرك مخاطر تعدين العناصر النادرة على صحة البشر، فغالباً ما تتواجد العناصر النادرة في الطبيعة بجانب |العناصر المشعة|، فلا بد إذاً من فصل تلك العناصر عن بعضها، وهنا تكمن خطورة التعدين، ولا ننسى النفايات الناتجة عن التعدين والتي تحتوي على عناصر مشعة، ولذلك أرادت الولايات المتحدة أماكن بديلة للتخلص من تلك النفايات، وإذا كانت بعض الدول تلقي بنفاياتها في البحار، فإن مخاطر ذلك على الثروة البحرية وبالتالي على البشر، أكبر من أن تستخدمه الولايات المتحدة.
كيف سيطرت الصين على سوق العناصر النادرة تصميم وفاء المؤذن |
التخلص من النفايات المشعة
بما أن النفايات الناتجة عن عمليات التعدين وبخاصةٍ تعدين العناصر النادرة والمعادن المشعة، تنطوي على مخاطر كبيرةٍ على صحة البشر، فلا بد من التخلص من تلك النفايات بطرقٍ سليمة، والطريقة الأمثل لذلك هي دفنها على أعماقٍ كبيرةٍ في باطن الأرض، ولكن المواد المشعة المدفونة في الأرض سرعان ما تجد طريقها إلى البشر، فهي قد تتسرب إلى المياه الجوفية، فلم تجد الولايات المتحدة خياراً أفضل من نقل تلك النفايات إلى خارج حدودها، ولذلك بدأت الشركات الكبرى بنقل مصانعها إلى خارج الولايات المتحدة وبخاصةٍ الصين.
الفرصة الذهبية للصين
كان الباحثون والعلماء وكبار رجال الأعمال الصينيين، وعلى رأسهم رئيس الصين "دينج شياو بينج" الذي يعتبر باني الصين الحديثة، مدركين تماماً لأهمية العناصر النادرة واستخداماتها ومستقبلها، وقد أدركوا سلفاً بأن مستقبل السيطرة على الأسواق العالمية سيمر من خلال |صناعات المعادن النادرة|، وكان الصينيون قد اكتشفوا الكثير من هذه العناصر داخل أراضي الصين، ومع بحث الشركات الأمريكية عن أماكن تنقل إليها مصانعها، وجدت الصين أمامها فرصةً ذهبية، فسارعت إلى تقديم عروضها وإغراءاتها، مثل توفير المواد الخام، واليد العاملة الرخيصة، وأضافت على ذلك بعض الإعفاءات الضريبية، وهدفها الوحيد كان الحصول على تكنولوجيا العناصر النادرة واحتكارها.
خطوات صينية إضافية
لم تكتفِ الصين بتقديم العروض والتسهيلات والمغريات للشركات الأمريكية حتى تنقل جميع أنشطتها إلى الصين، ولكنها سارعت أيضاً إلى إرسال أبنائها للدراسة في أفضل الجامعات الأمريكية للحصول على مختلف العلوم والتقنيات المتعلقة بالعناصر النادرة، وفي عام 1991 بدأت الشركات الصينية المملوكة من الدولة الصينية بشراء حصصٍ كبيرةٍ في شركات العناصر النادرة، الموجودة خارج الصين وخاصةً في أمريكا، فاشترت فعلاً بعض أكبر وأهم الشركات الأمريكية التي كانت رائدةً في مجالها.
شراء الصين للشركات الأمريكية
كانت الصين دقيقةً جداً في انتقاء الشركات الأمريكية الراغبة بشرائها، فمثلاً اشترت الصين إحدى الشركات التابعة لشركة "جنرال موتورز" عملاق صناعة السيارات الأمريكية، وهي الشركة التي ابتكرت مغناطيساً جديداً فائق القوة بإضافة عنصر |النيودينيوم| النادر إلى |الحديد| و|البروم|، وقد أصبح ذلك المغناطيس عنصراً أساسياً في صناعة السيارات الحديثة، والأهم من ذلك أن جزءاً كبيراً من أبحاث تلك الشركة كان متعلقاً بالأبحاث العسكرية، وكانت تلك الشركة الموّرد الوحيد لبعض العناصر النادرة المطلوبة بشدة من قبل الجيش الأمريكي.
طموحات الصين الخفية
عندما اشترت الصين تلك الشركة الأمريكية، لم تمانع الحكومة الأمريكية ذلك في عهد بيل كلينتون، ولكنها اشترطت عدم نقلها إلى خارج الولايات المتحدة قبل خمس سنواتٍ على الأقل، فوافقت الصين على ذلك ورحبّت به، ولم تكد السنوات الخمسة تنقضي، حتى انتقلت الشركة الأمريكية إلى الصين بكل محتوياتها وكوادرها وميزاتها، وهذا كان أحد أهداف خطة الرئيس الصيني التي وضعها منذ عام 1987 للحصول على أسرار التكنولوجيا العسكرية الأمريكية.
كيف سيطرت الصين على سوق العناصر النادرة تصميم وفاء المؤذن |
احتكار الصين للعناصر النادرة
بدأ رجال الأعمال والشركات العالمية الكبرى يتسابقون بنقل أموالهم وأنشطتهم ومصانعهم إلى الصين، ما جعل الصين بدءاً من عام 1997 تُنتج وتُصدّر إلى العالم أكثر مما تنتجه وتصدّره الولايات المتحدة، حتى كادت صناعة التعدين تنقرض في أمريكا منذ عام 2000، خاصةً بعد إقفال |منجم كاليفورنيا| منذ عام 1997 على إثر حادثة تسربٍ للنفايات المشعة منه، ما أثار ضجةً كبيرة في الولايات المتحدة، فحصلت الصين على فرصتها الذهبية للسيطرة على صناعة العناصر النادرة في العالم، وهذا ما كانت ترمي إليه منذ عشر سنوات.
خسارة الولايات المتحدة لآخر شركات العناصر النادرة
في سنة 2002، أصبح وضع شركة "مولي كورب" الأمريكية صاحبة منجم كاليفورنيا متدهوراً جداً، لدرجة أن شركة "شيفرون" الأمريكية قد اشترتها، ورغم أنها ضخّت فيها الكثير من الأموال للنهوض بها مجدداً، إلا أنها لم تستطع منافسة الأسعار المتدنية التي تقدمها الشركات الصينية، ورغم أنها استطاعت الانتعاش في فترة القطيعة التجارية بين الصين واليابان، إلا أنها لم تفرح بذلك كثيراً وسرعان ما انهارت بعودة العلاقات التجارية الصينية اليابانية.
القطيعة التجارية بين الصين واليابان
في سنة 2010، أمسكت قوات خفر السواحل اليابانية بقارب صيدٍ صيني قرب حدودها، ضمن منطقة الجزر المتنازع عليها من قبل الصين واليابان، فاعتقلت اليابان أفراد طاقم القارب الصيني، ووجدت الصين فرصةً في ذلك لعرض عضلاتها، فقررت وقف تصدير العناصر النادرة إلى اليابان على أثر ذلك، ما أدخل اليابان في حالة ذعرٍ شديد، وارتفعت أسعار العناصر النادرة في اليابان بنسبة 2000%، وهنا رأت شركة "مولي كورب" فرصةً تستطيع اغتنامها، فحشدت كل إمكاناتها لتصنيع كمياتٍ كبيرةٍ من العناصر النادرة، لتزوّد بها اليابان بأسعارٍ مرتفعة، ولكن فرحتها لم تكتمل، ففي مطلع سنة 2016 عادت المياه بين الصين واليابان إلى مجاريها، فانهارت أسعار العناصر النادرة وانهارت معها شركة "مولي كورب" وأعلنت إفلاسها في عام 2017.
محاولات أمريكية يائسة
ما أن أدركت الولايات المتحدة خسارتها لكامل سوق إنتاج العناصر النادرة، حتى أطلقت حربها التجارية الجديدة على الصين، لمحاولة وقف صعود الصين، واستعادة السيطرة الأمريكية، ومنذ عدة شهورٍ فقط، عقدت أمريكا اجتماع قمةٍ مع الهند واليابان وأستراليا لبحث السبل المتاحة لوقف العملقة والهيمنة الصينية، ولكن ذلك لم يمنع الصين من استمرارها في الصعود حتى الآن، فهل سنجد تغيراتٍ ما على مستوى التجارة العالمية والاحتكارات؟ من يدري فكل شيءٍ محتملٌ في عالمٍ مليءٍ بالمتغيرات.
إذا أردت معرفة المزيد عن التطورات الاقتصادية العالمية، شاركنا بتعليق.
بقلمي: سليمان أبو طافش
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك