هل تسبق سلحفاة جيف بيزوس أرنب إلون ماسك؟ تصميم الصورة : ريم أبو فخر |
حلم الطفولة المبكرة
لم يكن تأسيس شركةٍ عملاقةٍ مثل أمازون، هو حلم جيف بيزوس الأكبر، بل حلمه منذ الطفولة كان الصعود إلى الفضاء، فهو من أوائل الأشخاص الذين أسّسوا شركةً خاصةً لغزو الفضاء، فقد سبق إلون ماسك صاحب شركة سبيس إكس في ذلك بسنتين، ولكنه لم يستطع مجاراة إلون ماسك في هذا المجال حتى الآن، فما الذي حدث بين هذين العملاقين وجعل بيزوس يبدو كالسلحفاة أمام ماسك الذي بدا سريعاً كالأرنب؟
رؤى مستقبلية متفاوتة
يتوقّع إلون ماسك أن تصبح الأرض مكاناً غير صالحٍ للحياة عاجلاً أم آجلاً، ولذلك نجده يُسارع خطواته نحو |الفضاء| وخاصةً المريخ، ليكون الموطن الجديد للبشر، وقد وعد بإرسال رحلاتٍ مأهولة إلى المريخ في السنوات القليلة المقبلة، أما جيف بيزوس فيرى الأمر من منظورٍ مختلف، فجيف يريد الصعود إلى الفضاء مثل إلون ماسك، ولكنه لا يطمح لاستعمار المريخ، بل يريد تحقيق الفائدة لكوكب الأرض لكي يحميه ويحافظ عليه، إضافةً طبعاً لمكاسبه الشخصية التي يطمح إلى تحقيقها.
حلمٌ أشبه بالخيال
يريد بيزوس بناء مستعمراتٍ فضائيةً قريبةً من الأرض، بحيث يتم بناؤها بطرقٍ مبتكرة، قد تكون جديدةً كلياً، وقد تحاكي بعض المناطق الفاتنة من الأرض، أو بعض المدن التاريخية المتميّزة، ورغم أن فكرته قد تبدو مستحيلة التطبيق لمعظم الناس، إلا أنه يراها أمراً قابلاً للتطبيق ولو بعد حين، ولعله يعوّل على التطورات التقنية المتسارعة التي تعد بمستقبلٍ مشرقٍ يتيح له تحقيق حلمه.
هل جيف بيزوس عبقريٌّ أم مجنون؟
أحد أشهر التصميمات للمستعمرات الفضائية التي عرضها |جيف بيزوس|، تأخذ شكل أسطوانةٍ قطرها ستة كيلومترات، وطولها اثنان وثلاثون كيلو متراً، وبمقارنة هذه المستعمرة مع محطة الفضاء الدولية، سنجدها أكبر منها بكثير، وإذا كان بناء محطة الفضاء الدولية قد استغرق عدة سنواتٍ، وتساعدت عليها دولٌ كثيرة، فكيف يطمح بيزوس لبناء مستعمرته بمفرده؟ قد يبدو هذا العمل ضرباً من الجنون، فما الذي يعوّل عليه بيزوس لتحقيق ذلك؟
تطورات مستقبلية واعدة
كانت كلفة نقل كيلوغرامٍ واحدٍ من الأرض إلى الفضاء في ثمانينيات القرن الماضي، تصل إلى 125 ألف دولار، ولكنها تصل اليوم إلى 2700 دولار فقط، وذلك بفضل التطوّر الكبير في مختلف التقنيات، وخاصةً تقنيات الفضاء، ومن المتوقع أن تنخفض التكلفة أكثر من ذلك في المستقبل، فقد أصبح من الممكن استخدام الصاروخ الواحد عدة مراتٍ في رحلات متعددةً إلى الفضاء، فقد أصبحت الصواريخ الفضائية قادرةً على العودة إلى الأرض بعد نقل حمولتها إلى الفضاء، وقد تم ذلك بجهودٍ كبيرةٍ من شركتي سبيس إكس وبلو أوريجن التي أسسها جيف بيزوس.
هل تسبق سلحفاة جيف بيزوس أرنب إلون ماسك؟ تصميم الصورة : ريم أبو فخر |
عودة الحلم المنسي
كان حلم بيزوس في طفولته أن يصبح رائد فضاء، لأن طفولته عاصرت فترة صعود الإنسان إلى القمر في ستينيات القرن الماضي، ولكنه بعد أن أنهى دراسته الثانوية بتفوق، دخل |كلية الهندسة|، ثم انشغل بعد تخرجه بمشاكل الحياة العملية، فأسس |شركة أمازون| سنة 1994، وبعد ستة أعوامٍ فقط، أصبح مليارديراً، ولكن حلم الطفولة عاد يداعب خياله في سنة 1999 بسبب أحد الأفلام السينمائية، وهذا جعله يؤسس شركة بلو أوريجن سنة 2000.
استعينوا على قضاء حوائجكم بالصبر والكتمان
بقيت شركة بلو أوريجن طي الكتمان لثلاث سنوات، فمن طبيعة بيزوس أن يعمل بسريةٍ تامة، بحيث لا يعرف أحدٌ ما الذي يفكّر فيه، على عكس إلون ماسك الذي يتحدث عن كل ما يخطط له، وكانت السرية مطلوبةً جداً مع بداية تأسيس شركة بلو أوريجن، وذلك لكي يضمن بيزوس أن يسبق غيره في هذا المجال، فقد تجلب أفكار الفضاء اهتمام الكثير من المستثمرين الحالمين، وكذلك لكي يتمكن من شراء الأراضي الواسعة التي سيستخدمها لتجارب إطلاق الصواريخ، دون أن يتسبب بغلاء أسعارها إذا انتشر سبب حاجته إليها.
انكشاف المستور بسبب وقوع المحظور
بعد أن اشترى بيزوس تلك الأراضي، أراد رؤيتها من الفضاء، فركب طائرته الخاصة في ظروفٍ جويةٍ غير ملائمة، وفجأةً فقد الطيار السيطرة على الطائرة التي فقدت توازنها، ثم سقطت، وقد نجا بيزوس من حادثة التحطم تلك بأعجوبة، ولكن الحادثة كانت سبباً لكشف شركة بلو أوريجن ومخططات جيف بيزوس.
مضايقات إلون ماسك لا تتوقف
لم يكن بيزوس من يدير شركة |بلو أوريجن| منذ تأسيسها ولمدة عشرين عاماً، فقد كان منشغلاً بإدارة شركة أمازون، ولكن اهتمامه وعواطفه كانت تميل أكثر إلى شركته الجديدة، ورغم أن إلون ماسك أسس شركة سبيس إكس بعد سنتين من تأسيس شركة بلو أوريجن، إلا أنه استطاع التفوق عليها بمراحل كثيرة، وكثيراً ما كان يُثقل على بيزوس بسخريته منه وبتعليقاته عبر وسائل |التواصل الاجتماعي|.
أفكّارٌ بنّاءةٌ تؤدي إلى قفزاتٍ كبيرة
في 2008 استطاعت شركة سبيس إكس إطلاق الصواريخ إلى الفضاء، وهذا ما جعل |وكالة ناسا| تتعاقد معها على إرسال بعض المعدات إلى الفضاء، ثم أصبحت ناسا تعتمد كثيراً على إلون ماسك وشركته عبر عقودٍ بمليارات الدولارات، فبدأت سبيس إكس التفكير بإعادة استخدام الصواريخ مراتٍ عديدة، فنجاحها في ذلك سيوفر عليها مبالغ طائلة ستتحول إلى أرباح.
هل تسبق سلحفاة جيف بيزوس أرنب إلون ماسك؟ تصميم الصورة : ريم أبو فخر |
رد الصّاع صاعين
تمكنت شركتي سبيس إكس وبلو أوريجن من تحقيق الصواريخ متعددة الاستخدامات بنفس الوقت تقريباً، ولم تلتفت أياً منهما إلى ضرورة تسجيل إنجازها كبراءة اختراع، ولكن بيزوس قرر الحصول على براءة اختراعٍ للإنزال العمودي للصاروخ عند عودته إلى الأرض، محققاً سبقاً كبيراً على إلون ماسك، ولكن ماسك سرعان ما توجه إلى السلطات المعنية مدعياً بأن فكرة بيزوس في الهبوط العمودي ليست حديثةً، وقد تحدث عنها العلماء من قبل، كما تم عرضها في أحد الأفلام السينمائية السوفيتية، وهذا ما جعل السلطات تسحب من بيزوس براءة الاختراع.
هزائم بيزوس المتتالية
بعد أن نجحت وكالة ناسا بإطلاق عدة رحلاتٍ مأهولةٍ إلى القمر، انخفض كثيراً اهتمامها بنقل البشر إلى القمر، فأصبحت محطتها الأرضية التي استخدمتها في رحلات أبولو الشهيرة قليلة الاستخدام، وهذا ما لفت انتباه إلون ماسك، فتقدم بطلبٍ للانتفاع المأجور من تلك المحطة، ولم تمانع ناسا ذلك، وما أن سمع بيزوف بذلك حتى قرر إفساد الأمر على ماسك، ولكنه لم ينجح بذلك، بل تمكن ماسك من استئجار المحطة لعشرين سنة.
ردة فعلٍ محسوبة
بعد كل الهزائم التي تلقاها بيزوس من خصمه اللدود إلون ماسك، كان لا بد له من التفرغ لشركته الجديدة بلو أوريجن لكي تتمكن من مجاراة سبيس إكس التي أصبحت متفوقةً بأشواط، ولذلك قرر التخلي عن إدارة أمازون والتركيز على بلو أوريجن فقط لكي يحقق حلمه القديم بالوصول إلى الفضاء وبناء الفنادق والمنتجعات السياحية في المستعمرات التي سيبنيها هناك.
ما سر شعار السلحفاة في شركة بلو أوريجين؟
لم يكن قرار بيزوس بالتفرّغ كلياً لشركة بلو أوريجين فجائياً بالنسبة له، فيبدو بأنه بدأ يخطط لذلك منذ عدة سنوات، فكان في السنوات الأخيرة يبيع بعضاً من أسهمه في شركة أمازون بين الوقت والآخر، ويضع أموالها في شركته الجديدة، فهو كعادته يخطط بسريةٍ تامة، ويتحرك ببطءٍ شديدٍ كالسلحفاة التي أصبحت شعار شركته الجديدة، ولكنه يمضي بخطواتٍ ثابتةٍ ومدروسة، لكي يحقق الفوز على شركة سبيس إكس التي تعدو بسرعةٍ كالأرنب.
إلى أين يوصلنا كلُّ ما ذكرناه؟
لعل السباقات والتنافسات المحمومة بين كبار رجال الأعمال لن تنتهي أبدأ، وكلما أفل نجم شركة، سطعت مكانه نجومٌ جديدة، وسماء العلوم و|الاقتصاد| ومختلف الصناعات واسعةٌ جداً، وتكاد تكون غير محدودة، ولكن السؤال الأهم الذ يطرح نفسه دائماً هو:
هل ستكون هذه السباقات في صالح البشرية؟ أم انها ستكون وبالاً عليها، فهل سنشهد تحقق نبوءة إلون ماسك بزوال الحياة على الأرض، أم أننا سننتبه أكثر إلى أخطائنا ونتعلم منها لكي نحافظ على كوكبنا الفريد ونحفظه للأجيال القادمة؟ هذا سؤالٌ برسم المستقبل.
وفي الختام نتساءل: هل سينجح جيف بيزوس في تحقيق حلمه اعتماداً على التطورات التقنية المتسارعة؟ أم أن إلون ماسك سيستمر بالتفوق عليه؟ هذا ما سيخبرنا به المستقبل، وإذا كنت ترى ما يراه فشاركنا بتعليق.
سليمان أبو طافش
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك