أعلامٌ من الصَّحابة سلمان الفارسي تصميم الصورة : ريم أبو فخر |
ولادته ونشأته
وُلدِ سلمان الفارسي وكما هو واضحٌ من اسمه في بلاد فارس في قرية صغيرة موجودة بجانب مدينة كبيرة في إيران تدعى أصفهان.
نشأ ضمن عائلة تتَّبع المجوسية، كان سلمان يتصف بشخصيةٍ يختلط فيها الزهد مع الحزم، ويتميز برجاحة العقل، ويمتلك معرفةً كبيرةً جداً بفنون القتال وخدع الحرب، كما تميز بأخلاقه النبيلة.
كان سلمان الفارسي مجوسياً بحتاً نظراً لكونه مولودٌ في عائلةٍ مجوسية والمجوسي يعني عابد النار، ولم يكن مجوسياً عادياً إنما كان متشدداً فكان معروفٌ عن ناره أنها لا تنطفئ أبداً إذ كان يوقد عليها كلما شارفت على الانطفاء.
كانت عائلة سلمان ميسورة الحال إذ كانت تمتلك مزرعةً في طرف القرية خاصتهم، وعندما كبر سلمان كان والده يرسله كل فترة إلى تلك المزرعة لإنجاز مهمةٍ معينة، وفي إحدى المرات التي أُرسل فيها سلمان إلى المزرعة لإنجاز مهمة أوكلت اليه صادف في طريقه كنيسة فدخل عليها وأخذ يشاهد كيف كان النصارى يصلّون ويتعبدون، فأُعجب بصلاتهم جداً ورأى أن دينهم أفضل من الدين الذي هو عليه، ثم سألهم عن أصل دينهم، فأجابوه أنه في الشام.
أكمل سلمان طريقه وأنجز مهمته ثم عاد إلى المنزل و أخبر أباه بما حدث معه، ولكن والده كان مجوسياً متشدداً جداً فقابل ما قاله بعصبيةٍ شديدة ولم يحتمل أن يرى ابنه يدخل في دينٍ غير دينه ودين آبائه، ولأن سلمان في ذلك الوقت كان متمسكاً جداً بالمسيحية لم يجد والده حلاً سوى سجنه في غرفةٍ داخل المنزل مكبَّلاً بالأغلال.
استطاع سلمان بطريقةٍ ما التواصل مع تلك الكنيسة وطلب منهم إخباره في حال ذهاب أحد منهم إلى الشام، وبالفعل قررت طائفة منهم بعد فترة الذهاب إلى الشام، فبعثوا له مرسالاً ساعده في الهرب من المنزل والسفر معهم إلى الشام.
ماذا حدث مع سيدنا سلمان الفارسي بعد هروبه من المنزل وسفره إلى الكنيسة الكبيرة في الشام؟
أعلامٌ من الصَّحابة سلمان الفارسي تصميم الصورة : ريم أبو فخر |
عندما وصل سلمان إلى الكنيسة الكبيرة في الشام سألهم عن مكان تواجد كبيرهم فأخبروه بمكانه، ذهب إليه على الفور وأخبره بأنه مستعدٌّ ليكون خادماً عنده ويلبي جميع طلباته مقابل أن يعلِّمه الدين المسيحي، فوافق الرجل على بقاء سلمان معه في |الكنيسة|، ولكن بعد مدة وجيزة اكتشف سلمان أن هذا الرجل لم يكن يعرف شيئاً من العلم إنما هو مجرد رجل متعارف عليه للتواجد في الكنيسة فلم يستطع أن يتعلم منه شيء.
بعد فترةٍ من الزمن مات هذا الرجل واستلم الكنيسة مكانه شخصٌ آخر، كان رجل الكنيسة الجديد صالحاً وكان سلمان يقول عنه دائماً:
"ما رأيت رجلاً على دينهم خيراً منه ولا أعظمَ رهبةً منه في الآخرة"
تعلَّق سلمان به كثيراً وأحبه حباً شديداً وتعلم منه الكثير من العلم، ومع مرور السنين وتقدم هذا الرجل الصالح في العمر أصبح على مشارف الموت فسأله سلمان سؤالاً واحداً فقط
- سأل سلمان الرجل: إلى مَن توصي بي من بعدك؟
- فأجابه: "إن في هذا المكان لا يوجد مَن أوصيك إليه ولكن هناك رجلٌ في الموصل أوصيكَ بالذهاب إليه".
وبالفعل سافر سلمان إلى الموصل وبحث عن ذلك الرجل حتى وجده وظل عنده إلى أن مات هو الآخر، فذهب إلى الرجل الذي كان قد سلَّمه له ذلك الأخير، وظلَّ |سلمان الفارسي| على هذا الحال يتنقل من رجل دينٍ لآخر يتعلم الدين المسيحي ليكون مسيحياً صالحاً إلى أن اجتمع في أحد الأيام برجلٍ قال له كلاماً مهماً جداً غيَّر مجرى حياته إلى الأبد، قال له ذلك الرجل: "إنه قد أضلَّك زمانُ نبي، يُبعَث بدين إبراهيم حنيفاً، يهاجر إلى أرضٍ ذات نخلٍ بين جبلين فإنْ استطعت أن تخلَص إليه فافعل" ولكن سلمان لم يقتنع بما قيل فقد يجد الكثيرين في ذلك المكان فطلب من الرجل دلالاتٌ وعلاماتٌ أدق فأخبره بثلاث علامات يستطيع من خلالها معرفة النبي دون أن يُخطئ، قال له: "إنه لا يأكل الصدقة ويقبل الهدية ويوجد بين كتفيه خاتم نبوة"
ثلاث علاماتٍ واضحات لو وجدها في شخصٍ من الأشخاص سيعلم أنه النبي الذي عليه أن يؤمن به ويتبع الدين الذي يأتي به.
وهنا ستبدأ رحلة سيدنا سلمان في البحث عن صاحب هذه الأوصاف.
ماذا سيحدث معه يا ترى وهل سيحظى بذلك النبي؟
أعلامٌ من الصَّحابة سلمان الفارسي تصميم الصورة : ريم أبو فخر |
رحلة سلمان الفارسي في الوصول إلى المدينة المنورة
صادف سلمان في أحد الأيام قافلةً عابرة فسألهم عن وجهتهم فأخبروه بأنهم ذاهبون إلى جزيرة العرب، فاقترح عليهم أن يأخذوه معهم إلى هناك مقابل أن يعطيهم كل ما يملك، وبالطبع وافقوا علي عرضه وأخذوه معهم، استمروا في المسير إلى أن وصلوا إلى مكانٍ يسمى وادي القرى، وهناك اجتمعوا عليه وخانوا وعدهم له وباعوه لرجلٍ من اليهود.
ظلَّ سلمان على ذلك الوضع مستعبداً في وادي القرى عند سيده اليهودي لفترةٍ طويلة من الزمن، وفي إحدى المرات اشتراه يهوديٌّ من |بني قريظة| من سيِّده وأخذه معه، وكما نعلم إن يهود بني قريظة كانوا يقطنون يثرب فعندما وصل سلمان إلى مشارف يثرب لفته مظهرها وأخذ يطابق أوصافها مع الأوصاف التي ذُكرت له من قبل الرجل المسيحي فوجدها مطابقةً فقال في وصف ذلك المشهد: "فَوالله ما إنْ رأيتها حتى أيقنت أنها البلد التي وُصفت لي" فعرف أنه وصل إلى المدينة المطلوبة، ولكن في ذلك الوقت لم يكن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد هاجر إلى المدينة بعد.
في يومٍ من الأيام وبينما كان سلمان متسلقاً إحدى النخلات أثناء عمله عند سيده اليهودي سمع شخصاً من أقرباء سيده يكلِّمه في الأسفل وييخبره بمجيء شخصٍ إلى المدينة يزعم أنه نبي - وصف سيدنا سلمان هذا المشهد بعد حين بقوله "أول ما سمعته أخذتني العَرواء فارتجفت النخلة حتى كدتُ أسقط على صاحبها"- فنزل سلمان من أعلى النخلة بسرعة كبيرة كالبرق ليستفسر عن الخبر ولكن سيده قابله بقسوةٍ شديدة وضربه وقال له بألّا دخل له في الأمر.
سيدنا سلمان في تلك اللحظة لم يكن يهتم بكلام سيده وصراخه، الشيء الوحيد الذي كان يفكر به ويشغل باله هو أنه كان مسروراً جداً
لأنه تيقن أنه في المكان الصحيح.
وهنا ستبدأ رحلة سيدنا سلمان في البحث عن الحقيقة جولتها الثانية، وهي التأكد من أمر هذا الشخص الذي جاء إلى المدينة يدَّعي النبوة، هل حقاً يمتلك تلك العلامات الثلاثة التي أخبره بها ذلك الرجل المسيحي؟ هل حقاً سيكون هذا الشخص هو النبي الذي يبحث عنه سيدنا سلمان؟
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك