|
من هو قيصر الاقتصاد الألماني الذي صنع أسطورة هتلر تصميم وفاء المؤذن |
في الخامس من يناير \ كانون الثاني سنة 1931، اجتمع "|هتلر|" مع "|هالمر شخت|" في موعدٍ على العشاء، ولكن ذلك الموعد لم يكن عادياً مطلقاً، فقد ترك أثره على كلِّ شخصٍ في ألمانيا وأوروبا، وربما ساق العالم كلّه نحو مجرياتٍ ما كانت لتحدث لولا ذلك الاجتماع، فمنذ تلك الليلة، أصبح هالمر الشخص الوحيد الذي يستطيع مناقشة هتلر في كل قراراته، فجميع مستشاري هتلر وأعوانه كانوا في كفةٍ واحدة، بينما كان هالمر في الكفة الثانية، فمن هو هالمر شخت هذا؟ وما الدور الذي لعبه وغيّر أحداث التاريخ؟
شخصية هالمر شخت باختصار
حصل هالمر شخت على شهادة دكتوراه في الاقتصاد سنة 1899، وتعيّن سنة 1903 في مجلس إدارة أحد البنوك الألمانية، وأصبح بعد خمس سنواتٍ نائباً لمدير البنك، وكان يتمتع بالكثير من الذكاء والطموح، فقد أراد أن يصنع الثروة والمجد، ولكنه رغب أكثر في أن يصبح شخصاً مشهوراً، وكثيراً ما افتخر بذكائه وبقدرته على بناء العلاقات الجيدة مع رجال الأعمال والمصرفيين ورجال الدولة.
ألمانيا تواجه إهانات الحلفاء
بعد هزيمة |ألمانيا| في |الحرب العالمية الأولى|، وتوقيع معاهدة فيرساي، توجب على ألمانيا إرسال فريقٍ من المصرفيين والمسؤولين إلى هولندا لإجراء بعض عمليات التسليم للجنة المشكّلة من قبل الحلفاء المنتصرين، ضمن سلسلة التسويات التي توجّب على ألمانيا أن تخوضها، ولكن الفريق الألماني واجه الكثير من الذل والمهانة خلال تلك المهمة.
الحلفاء يتعمّدون إذلال الألمان
أُجبر الوفد الألماني على المكوث في أسوأ فنادق المدينة، وقُدّم لأعضائه أسوأ الأطعمة، ولم يكونوا قادرين على التجوّل في المدينة دون حرسٍ ومرافقة، وعندما دخلوا قاعة المفاوضات لم يجدوا أماكن ليجلسوا فيها، وبدا واضحاً بأن إذلال الألمان كان أهم أهداف هذه المفاوضات، وكان هالمر ضمن الوفد، فثار وحاول الاعتراض على تلك المعاملة، ولكن بلا فائدة، وأكمل الوفد المفاوضات بمثل ما بدأها.
واقع اقتصادي مؤلم
ترك ذلك الموقف أثراً عميقاً في نفس هالمر وذاكرته، وبقيت رغبته في الانتقام حافزاً له لسنواتٍ طويلة، فقد عانت ألمانيا الأمرّين من نتائج الحرب العالمية الأولى، وفي سنة 1923، كانت ألمانيا على موعدٍ مع جميع أشكال المشاكل الاقتصادية، من كسادٍ وبطالةٍ وتضخمٍ مالي، وكانت الحكومات المتعاقبة عاجزةً عن فعل أي تغييرٍ حقيقي، وكان هالمر وقتها في مجلس إدارة ثالث أكبر بنوك ألمانيا.
أولى محاولات الإصلاح الاقتصادي
أصبح أحد أصدقاء هالمر مستشاراً لألمانيا، فأراد أن يفعل شيئاً لتحسين العملة الألمانية، ولذلك أراد أن يكلّف هالمر بمنصب رئيسٍ لبنك ألمانيا المركزي، ولكن ذلك المنصب لم يكن شاغراً، وبحسب القانون الألماني الذي نجده في الكثير من الدول، فإن رئيس البنك المركزي لا يمكن إقالته من منصبه، فحاول المستشار الجديد التفاوض مع حاكم البنك المركزي لكي يتخلّى عن منصبه، ولكن دون جدوى.
|
من هو قيصر الاقتصاد الألماني الذي صنع أسطورة هتلر تصميم وفاء المؤذن |
عندما فشل المستشار الألماني في التوصّل إلى حلٍّ مع رئيس البنك المركزي، ابتكر وظيفةً جديدةً ضمن وزارة المالية أسماها "|المفوض بالعملة|"، وكانت صلاحياته لا تختلف كثيراً عن صلاحيات |حاكم البنك المركزي|، وأسند تلك الوظيفة لصديقه القديم هالمر شاخت الذي سارع إلى الانطلاق بعمله الجديد، رغم أن مكتبه لم يكن سوى غرفةٍ صغيرةٍ مهملة، ولم يكن معه أي موظفٍ باستثناء سكرتيرةٍ واحدة.
أول أعمال هالمر شخت
بدأ هالمر أعماله بدراسة واقع المارك الألماني، فوجده منهاراً تماماً، وقيمته أقل بكثيرٍ من تكلفة طباعته، فقرّر التخلّص من عملة المارك نهائياً، وأوجد عملةً جديدةً أسماها "الرنت مارك"، ولكن العملة الجديدة يجب أن تكسب ثقة الناس بأن ترتبط بقيمةٍ حقيقية كالذهب، ولكن احتياطي المانيا من الذهب في تلك الفترة كان قليلاً جداً.
فكرةٌ جهنمية
بما أن رصيد ألمانيا من الذهب لم يكن كافياً لدعم العملة الجديدة، فقد قرّر هالمر أن يربط عملته الجديدة بالعقارات والأراضي الزراعية والممتلكات الصناعية، وسرعان ما استجاب الناس للعملة الجديدة وأقبلوا عليها ووثقوا بها، فانخفض حجم التضخم إلى 15% بعد أن كان بمعدّلاتٍ عاليةٍ جداً، ثم سرعان ما تحسّنت الأوضاع الاقتصادية، فأصبح هالمر بطلاً شعبياً، وأصبح |قيصر الاقتصاد الألماني|.
هالمر يصبح رئيساً للبنك المركزي الألماني
في شهر فبراير \شباط من عام 1923 أُصيب حاكم البنك المركزي الألماني بنوبةٍ قلبيةٍ أدّت إلى وفاته، ولعلَّ ذلك بسبب لقب "أبي التضخم" الذي أُطلق عليه من قبل الناس، وبسبب النجاح الذي حققه هالمر في القضاء على التضخم، وبذلك أصبح منصب حاكم البنك المركزي شاغراً، فتولاه "هالمر شخت" بعد عدة أشهر.
خطط هالمر تؤتي ثمارها
بقي هالمر رئيساً للبنك المركزي الألماني حتى عام 1930، فاستطاع أن يقدّم للاقتصاد الألماني خدماتٍ كثيرة، خاصةً من خلال علاقاته مع رؤساء بنوك الكثير من دول العالم، حيث ساعدوه على النهوض باقتصاد ألمانيا وإعادته إلى المكانة المالية التي يستحقها، وفي عام 1929 شارك هالمر بما سمي بخطة "يانج" الهادفة إلى تخفيف التعويضات المترتب على ألمانيا دفعها للحلفاء، والتي أدت إلى ذلك فعلاً.
انقلب السحر على الساحر
رغم كل الإنجازات التي حققها هالمر للاقتصاد الألماني فإنه لم يسلم من النقد اللاذع والشتم أحياناً، خاصةً من قبل الأحزاب المعارضة التي بدأت تقوى وتزداد شعبيتها، لأنها استغلت الغضب الشعبي ضد دول الحلفاء وكلِّ من تعامل معهم، وشنّت الأحزاب المعارضة حملةً على هالمر وعلى كلّ من شارك في مفاوضات "يانغ" فشوهوا صورته وجميع إنجازاته.
استقالة هالمر من منصبه
بدأت الأوضاع الاقتصادية في ألمانيا تسوء ثانيةً، خاصةً بعد أزمة |الكساد الكبير| التي غمرت الولايات المتحدة وتركت أثارها على دول أوروبا عامةً وعلى ألمانيا خاصةً، ولذلك قرّر هالمر أن يستقيل من منصبه ويسافر خارج ألمانيا، وهذا ما حدث، ولكن قصته مع الاقتصاد الألماني لم تنتهِ عند ذلك الحد، بل كانت على وشك ان تبدأ من جديد.
|
من هو قيصر الاقتصاد الألماني الذي صنع أسطورة هتلر تصميم وفاء المؤذن |
سافر هالمر إلى الولايات المتحدة بالباخرة، وخلال الرحلة وقع بين يديه كتاب "كفاحي" لهتلر، فنال على إعجابه، وتلك كانت بداية قصته الجديدة مع هتلر والاقتصاد الألماني، وبدأت معها رحلة انتقامه من الذين أذلوه في المفاوضات التي حضرها في هولندا قبل سنوات.
بداية التعاون بين هتلر وهالمر
بدأت رحلة هتلر وحزبه النازي نحو السلطة في سنة 1930، وكان عليه أن يسير نحوها معتمداً على الأساليب السياسية، فاستغل غضب الجماهير الألمانية على الحلفاء والتعويضات التي أرهقت الشعب الألماني، ووضع خطةً سياسيةً محكمة لتولي السلطة بطريقةٍ قانونيةٍ وديموقراطية، ولكن برنامجه الانتخابي المحكم كان بحاجةٍ إلى خبيرٍ اقتصادي يكمله ويقويه، فلم يجد أفضل من هالمر لأداء هذا العمل.
أفكارٌ ومصالح متكاملة
عندما عاد هالمر إلى ألمانيا، التقى بأحد رجال هتلر عن طريق أحد كبار المصرفيين الألمان، وكان اللقاء مثمراً جداً، حيث التقت أفكار الرجال الثلاثة بقدر ما التقت مصالحهم، وهذا ما مهّد للقاء الأهم الذي جمع بين هالمر وهتلر والذي ذكرناه في بداية المقال، فكان عشاء العمل الأهم في تاريخ ألمانيا، ورغم اختلاف أهداف هتلر وهالمر ولكن كلّاً منهما وجد في الآخر ضالته، فبدأ التعاون والتفاهم بينهما يبلغ أبعد الحدود.
هالمر يدعم هتلر مالياً وسياسياً
بدأ هالمر عمله مع |الحزب النازي| بكل حماس، وبدأ يستقطب رجال الصناعة الألمانية الأفذاذ، وهم من دعموا الحزب النازي مالياً، ودفعوه حتى أصبح أكبر الأحزاب الألمانية فحصل على 33% من أصوات الناخبين، ولكن ذلك لم يكن كافياً لإقناع الرئيس الألماني "هينم بيرغ" بتكليف هتلر كمستشارٍ لألمانيا، فقام هالمر مع أصدقائه الصناعيين بتوقيع عريضةٍ وتقديمها إلى الرئيس مطالبينه فيها بتعيين هتلر في ذلك المنصب.
هتلر يصبح مستشاراً لألمانيا
تم تعيين هتلر في منصب المستشار الألماني يوم 30\ يناير\ 1933، فكان على هتلر أن يتخلّص من جميع منافسيه ومعارضيه، ولكن ذلك يحتاج إلى الكثير من المال، فطلب من هالمر أن يجد له طريقةً لجمع تلك الأموال، فقام هالمر بجمع عشرات رجال الاقتصاد الكبار مع هتلر الذي ألقى أمامهم خطبةً عصماء وقدّم لهم الكثير من العروض لقاء خدماتهم، ثم قام هالمر بإقناعهم بتقديم بعض الدعم لهتلر.
هتلر يتخلص من معارضيه
بعد عدة أيامٍ فقط، استطاع هالمر أن يجمع لهتلر مبلغاً كبيراً، وبعد أيامٍ قليلة، اندلع حريقٌ في مقر البرلمان، وتوجّهت أصابع الاتهام نحو |الشيوعيين|، فانقض عليهم هتلر وتمكن بذلك من التخلص من أكبر معارضيه، ثم سرعان ما وجد الطرق المختلفة للتخلص من بقية المعارضين، فاستتب له الحكم، وبسط سيطرته على ألمانيا.
|
من هو قيصر الاقتصاد الألماني الذي صنع أسطورة هتلر تصميم وفاء المؤذن |
بعد أن بسط هتلر هيمنته على مفاصل الحكم في ألمانيا، أراد أن يبدأ بالنهضة الاقتصادية، فتحدّث مع رئيس البنك المركزي "هانز لوثر"، ولكنه لم يلقَ منه التعاون المطلوب، فعرض على هالمر أن يعود إلى منصبه السابق، ولكي يتخلص من رئيس البنك الحالي عرض عليه منصب السفير الألماني في أمريكا، فوافق على عرضه وأفسح المجال أمام عودة هالمر إلى البنك المركزي.
هالمر يعود إلى البنك المركزي الألماني
أصبح هالمر رئيساً للبنك المركزي الألماني، ثم جمع منصبه مع منصب وزير الاقتصاد، فأصبح قادراً على أن يبدأ لعبته مع الحلفاء ورحلة انتقامه منهم، وأول ما فعله بكل نجاحٍ، هو إخفاء الأموال الألمانية عن أنظارهم، وليس ذلك فقط، بل استطاع أيضاً تحقيق الكثير من المكاسب المالية المخفية، وكل ذلك لخدمة هدف هتلر في |إعادة بناء الجيش الألماني| وتسليحه بعيداً عن أعين الحلفاء.
حرفية هالمر في جني الأموال وإخفائها
لكي يجمع هالمر الأموال الضرورية لإعادة بناء الجيش دون أن يلاحظ أحدٌ ذلك، أنشأ شركةً وهمية، فقامت تلك الشركة بما يشبه عمل البنك، ولكنها أغرت الناس لتقديم أموالهم لها لفتراتٍ محددة مقابل نسب أرباحٍ عالية، وكل تلك الأموال كانت تذهب إلى تسليح الجيش، ولكي يتمكن هالمر من إعادة الأموال لأصحابها، فقد طبع الكثير من العملة دون أن يعرف أحدٌ بذلك تجنباً لحدوث تضخم.
الحلفاء يشاركون بتسليح ألمانيا دون أن يعرفوا
لم تقتصر شركة هالمر الوهمية على استدانة الأموال من الألمانيين فقط، بل اندفع الكثير من الأجانب إلى المساهمة في تلك الأموال بسبب الفوائد الكبيرة التي كانت تدفعها الشركة، وبذلك استطاع هالمر أن يجعل الحلفاء أنفسهم يشاركون في تمويل وتسليح الجيش الألماني الجديد، دون أن يشكوا بذلك ولو للحظةٍ واحدة.
بدء الشقاق بين هالمر وهتلر
في عام 1936 أصبح هالمر سعيداً بما أنجزه، فقد أصبح لدى ألمانيا جيشاً واقتصاداً قويين، ولكن هتلر لم يكن راضياً بذلك، فطموحاته كانت تتجاوز حدود الأراضي الألمانية، وكانت أطماعه تقوده نحو الاستيلاء على أراضٍ أخرى، وعندما عرض أفكاره على هالمر لم يقتنع بها، وحاول ثنيه عن مخططاته، لأنه رأى بأن ألمانيا غير قادرةٍ على فعل ذلك، لأن العالم لن يقف متفرجاً عليها وهي تجتاحه.
نهاية الرحلة
غضب هتلر من موقف هالمر شاخت فأقاله من منصبه سنة 1937، وعيّن مكانه من يطيعه في كلِّ ما يريده، ولكن خليفة هالمر لم يستطع الحفاظ على المكاسب التي حققها هالمر، وكان همّه الوحيد إرضاء هتلر، وفي سنة 1939 دخل الجيش الألماني النمسة ويوغوسلافيا، ومن خلال الذهب الذي سلبه منهما استطاع أن يغزو باقي أوروبا، واندلعت |الحرب العالمية الثانية| بسبب أطماع رجلٍ واحد.
بذلك انتهت رحلة هالمر شاخت مع هتلر ومع السياسة والاقتصاد، ولكنه بقي علماً بارزاً ومرجعاً كبيراً من |مراجع الاقتصاد|، فإذا اعجبتك قصته فنرجو ان تشارك المقال.
سليمان أبو طافش
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك