ما الذي لا تعرفه عن النودلز أو المعكرونة الاختراع الذي غير العالم -الجزء الأول تصميم رزان الحموي |
- منذ حوالي٢٢عام، وتحديداً في عام ٢٠٠٠، معهد فيوجن للأبحاث في اليابان، قام باستطلاع رأي سأل فيه ألفين شخص من طوكيو، ما هو أفضل اختراع اخترعه الإنسان في القرن العشرين في السلعة المصنعة والثقافة والتكنولوجيا؟
هل تعرف ماذا كان جواب اليابانيين
برأيهم أن |المعكرونة سريعة التحضير| هي أعظم ما توصل له عقل الإنسان في القرن الفائت، وهذا ليس رأي اليابانيين فقط، لأن المعكرونة سريعة التحضير تعتبر اليوم واحدة من أكثر المأكولات استهلاكاً في العالم كله.
هل تعلم أننا في السنة الواحدة نستهلك منها أكثر من مليار عبوة!!! وهذا يأخذنا لنسأل عدة أسئلة مهمة.
ماهي قصة هذه المعكرونة؟
متى ظهرت وكيف ؟
ما هو سبب انتشارها بهذا الشكل المرعب؟
وما علاقة كل هذا بالأحوال الاقتصادية وظروف المعيشة؟
وكيف أصبحت المعكرونة سريعة التحضير الإندونيسية تحديداً مشهورة لهذه الدرجة؟
ولماذا يصيب القلق الاقتصاديين عندما يزيد استهلاك الناس من هذه المعكرونة؟
ماحدث في اليابان وعلاقته بموضوعنا
بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية واستسلامها للحلفاء، كانت مدمرة بالمعنى الحرفي للكلمة، فلم يكن هناك مكان واحد فيها إلا وقد دمر، فقد خسرت هذه البلد الملايين من مواطنيها في الحرب، ما بين جنود ومدنيين فقدوا حياتهم، لكن مأساة اليابان الكبيرة لم تكن مقتصرة على أعداد من مات منهم، حيث أن مأساتها الأكبر كانت في أحوال الجزء الذي مازال على قيد الحياة من الشعب، فالقصف الجوي لقوات الحلفاء دمر على الأقل ٤٠%من المناطق الحضارية في اليابان، وذلك كان سبب في أن ٣٠% من الشعب الياباني، يعيش في العراء بدون مأوى.
دمار اليابان
حيث أن الحي المال في طوكيو، والذي يعتبر واحد من أرقى الأحياء في العاصمة، لم يصبه ضرر كبير في الحرب، لذلك قرر الجنرال الأمريكي(Douglas MacArthur)، القائد الأعلى لقوات الحلفاء، عاش في هذا الحي هو وأصدقائه من كبار القادة بعيداً عن الخراب والدمار، وهذا هو السبب في تسمية هذه المنطقة بأمريكا الصغرى( Little America).
وخارج هذه المنطقة كانت شوارع اليابان مزدحمة بملايين الجنود والأرامل والأيتام وكبار السن، الذين لا يجدون مكان يأويهم وطعام يسد رمقهم.
قصة الرجل والصدفة التي غيرت حياته
أحد الأشخاص الذين كانوا شاهدين على هذه المأساة، رجل يدعى (Momofuku Ando)، والذي ولد في تايوان عام ١٩١٠، وسافر إلى اليابان عام ١٩٣٣، وكان عمره في ذلك الوقت ٢٣عاماً، وصل إلى اليابان وبدأ بالعمل في مختلف المجالات، ولكن الشيء المثير للأعجاب أنه لم ينجح في أي عمل قام به، وكما يقال فإن الذهب كان يصبح في يده تراب، واستمر في البحث عن عمل محاولاً النجاح فيه، ولكن حدثت معه صدفة غيرت مجرى حياته!
ولكن ما علاقة موضوعنا اليوم بالرجل الياباني؟
ما الذي لا تعرفه عن النودلز أو المعكرونة الاختراع الذي غير العالم -الجزء الأول تصميم رزان الحموي |
كيف ظهرت النودلز
- في عام ١٩٥٧، كان (Ando) يمشي في أحد شوارع مدينة أوساكا، ولاحظ وجود مجموعة كبيرة من العمال والموظفين يظهر عليهم علامات الإرهاق والتعب، يقفون في طوابير لشراء المعكرونة، والتي تعتبر |وجبة رخيصة| ينقذون فيها أنفسهم من الجوع، وهذا المشهد جعله يفكر كيف يمكن له أن يقوم بتصنيع المعكرونة بطريقة مختلفة، بحيث يصبح من السهل على الناس الحصول عليها من غير ازدحام، وهذا الازدحام يدل على الطلب الكبير من الناس عليها، وبنفس الوقت فكمية المعروض منها محدد لأنه يتم طهيها حسب الطلب، عدا عن أنه لايمكن تخزينها.
طريقة تحضير المعكرونة
-هذا المشهد جعله يفكر بتعمق، وبدأ بالبحث وبالقيام بعدة تجارب في منزله، وبعد مرور سنة، توصل لاختراعه العبقري الذي غير العالم، وهو المعكرونة سريعة التحضير، فبعد خروجها من مرحلة العجين، يتم تعريضها للبخار وبعد ذلك يتم تجفيفها، ثم يتم تعبئتها بأكياس خاصة، وتبقى صالحة للاستخدام لمدة طويلة، فكل ماتحتاجه لتكون جاهزة للأكل، هو أن تضع عليها القليل من الماء الساخن، بالإضافة لكيس التوابل الموجود بداخلها، وفي خلال ثلاثة دقائق تصبح جاهزة للأكل، ومن هنا بدأت ثورة (|Instant Noodles|)، أول معكرونة سريعة التحضير.
انتشار المعكرونة في السوق
-في٢٥ آب من عام ١٩٥٨، كان قد بلغ Ando من العمر حوالي ٤٨عاماً، بدأ ببيع اختراع المعكرونة الخاصة به في السوق عن طريق شركته (NiSSiN)، وقام بطرحها في السوق بنكهة الدجاج فقط، ورفض أن يكون هناك نوع بنكهة اللحمة، وكانت وجهة نظره أن المسلمين لا يأكلون لحم الخنزير، والهندوس لا يأكلون لحم البقر، وبالتالي لو أنه قام بتنزيل مثل هذه النكهات سوف يحرم نفسه من سوق كبير جداً، وعلى هذا الأساس قرر اعتماد نوع واحد من |النكهات|.
إقبال التجار والمواطنين على الشراء
-وعندما تم طرح بضاعته في السوق، كان أصحاب المتاجر وتجار الجملة في اليابان متخوفون من شراء البضاعة بسبب ارتفاع سعرها، حيث كان يبيعها بخمسة وثلاثين ين للعبوة الواحدة ، في حين كان سعر المعكرونة الطازجة بستة ين فقط.
ولكن المفاجأة أن هذه المعكرونة نالت إعجاب اليابانيين، وقدرت مبيعات شركته في أول سنة ثلاثة عشرة مليون عبوة، وفي خلال ١٢عام وصلت أرباح مبيعات الشركة السنوية إلى ٣،٦ مليار ين ياباني، وصل نجاح هذه المعكرونة لدرجة أن شاحنات التجار، كانت تقف بالطوابير من أجل تحميل أي كميات تخرج من خط الإنتاج.
وحتى هذه اللحظة لم تبدأ الانطلاقة الحقيقة لهذه المعكرونة!!
ما الذي لا تعرفه عن النودلز أو المعكرونة الاختراع الذي غير العالم -الجزء الأول تصميم رزان الحموي |
الفكرة التي جعلت من النودلز منتج عالمي
-في عام ١٩٦٦، كان Ando في زيارة لأمريكا وأوروبا، لاحظ أن الناس تخرج المعكرونة التي قام بتصنيعها، وتضعها في كؤوس تحتوي على ماء ساخن، وبعدما ينتهوا من أكلها يرمون هذه الكؤوس في سلة المهملات، وخلال مراقبته للناس خطر في باله فكرة، جعلت من منتجه منتج عالمي.
- في عام ١٩٧١، بدأ يقوم بتعبئة المعكرونة في أكواب خاصة، مصنوعة من مادة ستايروفوم المقاومة للمياه، حتى يسهل على الناس تناول المعكرونة التي اخترعها.
الاختراع الذي تفوق على اختراع Ando
-وفي نفس عام ١٩٧١، ولكن في بلد آخر يبعد عن اليابان أكثر من ٤٨٠٠كلم وتحديداً في إندونيسيا، قامت شركة تغذية محلية اسمها(Indofood)، بطرح منتج جديد من المعكرونة سريعة التحضير، بنفس مواصفات المعكرونة التي اخترعها(Ando)، وأطلقت على المنتج الجديد الخاص بها أندومي.
وهذا النوع من المعكرونة كان الإندونيسيين غير معتادين عليه، ولكن خلال عدة سنوات نجحت الشركة في التسويق لمنتجها داخل وخارج إندونيسيا، لدرجة أنها تفوقت على الشركة الأصلية التي كانت تملك هذا الاختراع في الأساس.
الانتشار الواسع للأندومي
-في وقتنا الحالي، تعتبر الأندومي هي العلامة التجارية الأشهر في صناعة المعكرونة سريعة التحضير على مستوى العالم، عدا عن أنها أكثر علامة تجارية مشهورة في إندونيسيا، وهذا النجاح ساعد شركة (Indofood) الإندونيسية في أنها تصبح رقم واحد في هذه الصناعة على مستوى العالم، ويأتي بعدها NISSIN اليابانية، وبعدها Nestle السويسرية.
يعتبر الإندونيسيين في وقتنا الراهن، من أشهر الناس في صناعة المعكرونة سريعة التحضير، والتي تجاوزت قيمتها السوقية العالمية في عام ٢٠١٩ مايقارب ٤٤مليار دولار، وهناك توقعات أن تصل إلى ٧٣ مليار دولار في عام ٢٠٢٧، وعدا عن أن هذه الصناعة أفادت الاقتصاد الإندونيسي بصورة خاصة، في صورة صادرات للخارج وتشغيل عمالة، فهي قد خلقت للبلد شكل من أشكال (Soft Power).
تأثير الإندومي على العلاقات الخارجية
- في دراسة تم نشرها في عام ٢٠٢١، تحت عنوان دبلوماسية القوة الناعمة في الإندونيسية من خلال الإندومي، أشارت باحثة إندونيسية أن صادرات إندونيسية من المعكرونة سريعة التحضير، والتي وصلت لأكثر من ثمانين دولة في العالم، بالإضافة لمصانعها الموجودة في أكثر من دولة، جعل من الإندومي أداة دبلوماسية، تستطيع الحكومة استخدامها في علاقاتها مع الخارج.
والأمر المدهش هو أن المنتج نفسه لم يتم اختراعه من قبل الإندونيسيين، وحتى أنهم لا يملكون المواد الخام اللازمة لتصنيعه.
وكما نعلم فإن الإندومي يتم تصنيعها بشكل أساسي من |دقيق القمح|، ولا يمكننا اعتبار إندونيسيا من المنتجين للقمح، فهي لا تملك ما يكفيها حتى.
فماذا تفعل إندونيسيا لتغطية كميات القمح التي تنفقها؟ تابعونا في الجزء التالي.
بقلمي: تهاني الشويكي
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك