عند الغضب تكون قوتنا المؤقتة أكبر من قوتنا الطبيعة تصميم وفاء المؤذن |
مواجهة الدب القطبي
في عام ٢٠٠٦ ميلادي ذكرت إحدى الصحف واقعة غريبة جداً، امرأة عمرها ٤١ سنة تعيش بقرية نائية في إقليم كيبك الكندي، واسمها ليديا آنجو، وفي أحد الأيام ليديا كانت تمشي مع أطفالها، وفجأة ظهر أمامهم دب قطبي كبير جداً، فطلبت من أطفالها أن يركضوا مسرعين حتى ينجون بحياتهم، ووقفت هي لوحدها أمام الدب حتى تشغله عن أولادها، والمدهش في القصة أنها لم تكتفي في الوقوف أمام الدب، ففي اللحظة الذي اختلط فيه الشعور بالخوف مع الشعور بالغضب هاجمت ليديا الدب، وبدأت تلكمه في أيديها بقوة، وعندما أوقعها الدب على الأرض استمرت في مقاومته وضربه بأرجلها دون توقف، حتى ظهر رجل ومعه بندقية صيد كان قد مرّ صدفةً، وعندما شاهد الذي حصل مع ليديا، قام بضرب عدة طلقات في الهواء حتى جعل الدب يفر هارباً، ونجت ليديا مع أطفالها، وبعد هذه الواقعة حصلت ليديا على جائزة وطنية بسبب شجاعتها وقدرتها في الحفاظ على سلامة أطفالها.
جهاز إنذار داخل الجسم
مثل هذه المواقف وردة أفعالنا لها تعود إلى استجابة الجسم الفسيولوجية السريعة، حيث يوجد في الدماغ |اللوزة العصبية| وهي عبارة عن جزأين موجودين في منطقة الفص الصدغي للدماغ، وهذه اللوزة العصبية وظيفتها مراقبة الإشارات التي تدل على الخطر، وذلك عن طريق اتصالها بالحواس الخارجية مثل النظر والسمع والشم واللمس، وبالإضافة على قدرتها في إدراك العواطف والمشاعر، وكأن هذه اللوزة العصبية تراقب كل الوقت أي شيء يحصل من حولنا، ومن خلال المعلومات التي تحصل عليها تستطيع تحديد وضع الشخص الذي هو عليه، هل هذا الشخص في خطر أم لا؟
وإذا كان الشخص في |وضع الخطر| تبدأ فوراً في عملها، وتنبيه الجسم بأخذ الإجراءات اللازمة، ولذلك تم وصف اللوزة العصبية بأنها جهاز الإنذار الموجود داخل الجسم.
ماهي الإجراءات التي تأخذها اللوزة العصبية
عندما يتعرض أي شخص إلى |تهديد|، أو كان يمر في موقف خطير، أو يتعرض لضغط نفسي كأن يستفزه أحد الأشخاص أو يثير غضبه، تبدأ اللوزة العصبية في تجهيز الجسم للدفاع عن نفسه.
أول خطوة تقوم بها اللوزة العصبية بأنها تجعل الغدد الصماء وتحديداً الغدة الكظرية بفرز هرمون الأدرينالين، وبمجرد وجود هرمون الأدرينالين في الجسم يجعل القلب والرئتين يعملون بشكل سريع جداً، ويحفز الأوعية الدموية في الانقباض، والذي يؤدي إلى إرسال كمية كبيرة من الدم والأوكسجين إلى العضلات الرأسية للأطراف مثل العضلات الموجودة في الأيدي والأرجل، والتي تساعد على الجري سريعاً أو حتى استخدام الأيدي و|ضرب| الأشياء بقوة، وكما أن الأدرينالين يجعل حاستي البصر والسمع بحالة تأهب قصوى.
وبالإضافة إلى الأدرينالين يقوم الجسم في إفراز هرمون الكورتيزول الذي يساعد في الوصول لمخازن الجلوكوز الموجودة في الجسم، والذي يمنح الجسم كمية إضافة من الطاقة.
وكما يقوم الجسم أثناء |الغضب| في إفراز هرمون الإندورفين، الذي يخفف من الآلام، ويزيد من مستوى تحمل الشخص.
كل ذلك يحصل في ثواني معدودة، أو حتى في أجزاء من الثانية، وتحوّل الشخص في وقت الغضب من إنسان عادي إلى مقاتل عنيف، لكن هذه هي حالة مؤقتة.
عند الغضب تكون قوتنا المؤقتة أكبر من قوتنا الطبيعة تصميم وفاء المؤذن |
الخطر من كثرة الغضب
والكلام السابق يعطينا إيحاء أن في داخلنا طاقة كبيرة جداً، والطاقة التي تظهر أثناء الغضب هي طاقة غير صحية للجسم، ويدفع الجسم ضريبة هذه الطاقة وخاصة إذا الموضوع زاد عن حده.
خلق لنا رب العالمين هذه الطاقة حتى نستطيع التعامل مع |المواقف الطارئة|، ويكون لدينا كمية من الطاقة والقوة للدفاع عن أنفسنا من أي خطورة أو تهديد نتعرض له.
ولكن في نفس الوقت لا يصلح أن يبقى هذا هو أسلوب حياتنا، وإفراز هرمون الأدرينالين في الجسم لفترة بسيطة، ونتيجة رد لأي فعل طارئ أمر طبيعي، ولكن إذا تم إفراز هرمون الأدرينالين بشكل متواصل فهذا يتسبب على المدى البعيد في أعراض مرضية مثل تصلب الشرايين، وأمراض ضغط الدم، و الإصابة بالسكتة الدماغية، والأزمات القلبية.
بالإضافة إلى أن عدم الشعور بالألم في حد ذاته شيء خطير جداً، والهرمونات التي يفرزها الجسم أثناء الغضب تعتمد بشكل أساسي على تخفيف الألم، أي عندما يكون أي شخص يشعر بالغضب، ويقوم في رفع شيء ثقيل بيديه هذا لا يعني أن الشخص أصبح فجأة قوي، لأن الهرمونات هي التي تسببت في هذه الطاقة، لكنها ليست بطاقة كبيرة جداً، والهرمونات المسؤولة عن تخفيف الآلام هي التي تجعلك لا تشعر بأي ألم، ولكن بعدما يزول تأثير المسكنات تبدأ في الشعور بالألم.
لا تأخذ قرار أثناء الغضب
كما يؤثر الغضب على أجسامنا، فإنه أيضاً يؤثر على أي قرار ممكن أن نأخذه بلحظة الغضب.
والنصيحة التي تقول عدم اتخاذ أي قرار أثناء الغضب، وهذا الكلام صحيح والعلم أثبته، حيث أن التفكير العقلاني واتخاذ القرارات يعود إلى منطقة في الدماغ وتدعى القشرة الدماغية، وفي وقت الغضب تبدأ اللوزة العصبية في التفاعل مع الجسم وتجعله يفرز الهرمونات، ويحصل هذا قبل أن تعطي للقشرة الدماغية فرصة في التحقق من |ردة الفعل|.
لذلك من الصعب جداً أن نتخذ قرارات صائبة، أو نفكر في وضوح وحكمة أثناء الغضب.
• التحكم في الغضب
الكثير من الأشخاص يعانون في التسرع بالتعبير عن غضبهم، ثم بعد ذلك يندمون على تصرفاتهم، وهذه بعض النصائح التي تساعد في التقليل من نوبات الغضب، لأن ترويض الغضب ليس فقط مهم في تحسين من الحالة النفسية، وإنما أيضاً مهم في الحفاظ على صحة أجسامنا، ووقايتها من أمراض كثيرة و خطيرة.
أولاً : عندما تشعر بالغضب استعذ بالله من الشيطان الرجيم، وحاول أن تقف عن الكلام، وخاصة لو كان الموقف حصل مع شخص مقرب لك، لأنك لو تكلمت ستشعر بغضب كبير ولا تعرف ما تقول.
ثانياً : عندما تشعر في الغضب حاول في الخروج من المكان الموجود به، أو قم بتغير حالك، أي إذا كنت جالس قف، وإذا كنت واقف اجلس، لأن النشاط البدني يقلل من |الضغط العصبي|.
ثالثاً : لا مانع من التحدث مع شخص أهل ثقة بالنسبة لك، وتتناقش معه في الأمر الذي يزعجك، لأن عادةً الشخص الذي يكون خارج المشكلة يرى الأمور بشكل أوضح.
قم بتدريب نفسك في التقليل من الشعور بالغضب، أو اتباع إجراءات التحكم بالغضب، وبالتالي الجسم سيضبط مستويات الأدرينالين والكورتيزول بشكل أفضل.
بقلمي: ربا
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك