طريقة تحنيط الفراعنة للجثث اختيار الصورة رزان الحموي |
استخدام التحنيط
التحنيط عملية طبية معقدة واشتهر بها قدماء المصريين، والتي استطاعوا من خلالها أن يحافظوا على بقاء بعض الجثث المحنطة لآلاف السنين، وإن عملية التحنيط إلى يومنا هذا لا تزال محاطة بمجموعة من التساؤلات والغموض، هل عملية التحنيط مازالت سر ولم يعرفه أحد، هل هي شيء يشبه سر بناء الأهرامات أو غيرها من الأشياء الغامضة التي اشتهر بها المصريون القدماء، أو إن تفاصيل العملية معروفة بالنسبة للعلماء والباحثين، والسؤال الأهم عن سبب تحنيط الفراعنة للجثث الخاصة في الملوك والملكات، وهل في عصرنا الحالي نستطيع القيام بعملية التحنيط بنفس الطريقة التي كان يتميز بها |الفراعنة|.
سبب تحنيط المصريين القدماء للجثث
المصريين القدماء كانوا يؤمنون بوجود حياة في العالم الآخر، وإن الموت ليس نهاية حياة الإنسان، لكن كانوا يعتبرونه بداية لمرحلة جديدة من الحياة، وإن اعتقاد المصريين القدماء لمفهوم الحياة الأخرى كان غريب بعض الشيء، المصريين القدماء كانوا يعتقدون بأن تحقيق عملية الحياة بعد الموت بشكل سليم يجب أن تستوفي بعض الشروط، وأحد أهم هذه الشروط هي أن يبقى الجسد بعد الموت محفوظ بشكل سليم وأن يحافظ على هيئته كما هو، حتى يكون من السهل أن يتعرف على ملامح جثته، وبالإضافة إلى القبر الخاص به أن يكون مفروش ومجهز بكل الأشياء التي يحتاجها في العالم الآخر، وطبقاً لمعتقداتهم لو تحققت هذه الشروط بهذه الطريقة يستطيع الإنسان أن يعود للحياة مرة ثانية من خلال جسده المحفوظ وأدواته الموجودة في المقبرة، وإن لم تحقق هذه الشروط فإن الإنسان لا يستطيع أن يعيش في حياة العالم الآخر، ولذلك اتجه المصريين القدماء إلى ما يسمى بالتحنيط.
عملية التحنيط
التحنيط هي عملية طبية يقوم بها الكهنة وبعض المختصين، بغرض المحافظة على جثث بعض الملوك والأثرياء من التحلل والتعفن، وبالفعل استطاع المصريين القدماء في النجاح بذلك الموضوع، وقاموا في تحنيط الجثث و|المومياء| دامت لآلاف السنين.
هل عملية التحنيط كانت سرية وغامضة
لم تكن سرية، المنتشر بين عامة الناس بأن عملية التحنيط هي شيء سري للغاية، لا أحد يعرف طريقة عملها ولا أي شيء عن خطواتها، لكن في الحقيقة أن هذا الكلام غير صحيح، وإن كل الخطوات الخاصة في عملية التحنيط معروفة في عصرنا الحالي من قبل العلماء والمختصين، ولديهم القدرة على القيام في نفس الطريقة التي كان يقوم بها الفراعنة لتحنيط الجثث.
طريقة تحنيط الفراعنة للجثث اختيار الصورة رزان الحموي |
طريقة التحنيط
للقيام في عملية التحنيط هناك بعض الأدوات التي تحتاجها في التحنيط، وسوف تحتاج إلى خُطاف وسكينة حادة ووعاء فيه الزيت والقليل من شمع العسل وصمغ نباتي وقماش من الكتان ونشارة الخشب وبخور مع بعض العطور العربية بالإضافة إلى نبيذ النخيل ومجموعة من الأعشاب والمواد الطبيعية الأشبه بالتوابل، وبالإضافة إلى كل هذه المكونات تحتاج إلى بعض الأوعية المصنوعة من الحجر الجيري، وأخيراً تحتاج إلى كمية كبيرة جداً من ملح النطرون، وبعد تحضير جميع هذه المواد تبدأ عملية التحنيط.
أي خلطة في العالم أو تركيبة معينة تكون مكونة من شقين الشق الأول هو المواد الخاصة بالخلطة، وهي عبارة عن مجموعة من المواد التي لها تأثير ودور مهم، ولكن ممكن أن نستغني عن بعضها أو استبدالها في بدائل أخرى، أما الشق الثاني فهو العامل الرئيسي الذي يقوم عليه كل شيء، وهو العنصر الرئيسي الذي لا نستطيع استبداله ولا الاستغناء عنه، وهذا يعني أن المواد الخاصة بعملية التحنيط تتمثل في المواد مثل البخور والعطور والأعشاب الطبيعية، أما العنصر الأساسي الذي تقوم عليه فكرة التحنيط هو |ملح النطرون|.
ملح النطرون
ملح النطرون هو مطهر ومجفف وهو المكون الرئيسي الذي استخدمه الفراعنة في التحنيط، وهو مركب كيميائي مكون من نوعين من الملح القلوي وهما كربونات الصوديوم وبيكربونات الصوديوم، والمصريين كانوا يحصلون عليه من أحواض الأنهار المجففة، ومن بعض المدن المصرية مثل مدينة وادي النطرون التي كان يطلق عليها قديماً اسم وادي الملح.
التحنيط ببساطه هو منع الخلايا من التحلل، وذلك من خلال مهاجمة البكتيريا وأنزيمات التحلل في بعض المواد التي تتغلب عليهم مثل أملاح النطرون، ولو استطعنا في عزل الجسم ضد البكتيريا والأنزيمات فبالتالي سوف نستطيع أن نحافظ على بقائه لفترة طويلة من الزمن.
خطوات التحنيط التي كان يقوم بها الكهنة
في البداية يحضرون الجثة ويضعوها على منضدة طويلة، ثم يقومون في الخطوة الأولى وهي استخراج المخ، ومثل ما تحدثنا سابقاً بأن الفكرة الأساسية في عملية التحنيط هي منع الجثة من التحلل، ولو نظرنا إلى المخ البشري سوف نجده مكون من عدد كبير من الخلايا العصبية والتي تموت وتتحلل بسرعة، وهذا سوف يسبب مشكلة كبيرة بالنسبة للأشخاص القائمين على التحنيط، فبالتالي يجب استخراج المخ من الدماغ، وطريقة استخراج المخ هي قاسية بعض الشيء، وفي البداية يقومون في دق مسمار طويل في الجمجمة، ويبدؤون في عمل عملية هرس المخ من خلال الثقب الذي فتحوه في الدماغ، وبعد ذلك يقلبون الجثة على الوجه ويستخرجون بقايا المخ من فتحة الدماغ ومن خلال الفتحتين الموجودين في الأنف، ومن ثم يبدؤون في ضخ كمية من الصمغ النباتي داخل الجمجمة من نفس الفتحات من أجل منع تحلل الدماغ من الداخل، وبذلك يكون الدماغ لا يحتوي على أي خلايا عصبية قابلة للتحلل.
طريقة تحنيط الفراعنة للجثث اختيار الصورة رزان الحموي |
أما عن الأعضاء التي يستخرجونها من البطن
كانوا يحتفظون بها في طريقة خاصة، وذلك من خلال وضع كل عضو من أعضاء الجسم في قارورة مليئة في ملح النطرون، وعلى حد اعتقادهم بأن هذه الأعضاء سوف تتجمع في العالم الآخر داخل الجسم مرة ثانية، وكل عضو منهم يرجع لمكانه الأصلي الخاص به.
وبعد ما أزال المحنطين جميع محتويات البطن، يقومون في تنظيف التجويف الداخلي في الجسم ويغسلوه بشكل جيد، وبذلك يكون الجسم مستعد للجزء الثاني من عملية التحنيط والتي معتمدة تحديداً على |الملح|.
الأملاح بصفة عامة لديها قدرة كبيرة على منع التعفن، وذلك من خلال قدرتها الشديدة في القضاء على البكتيريا، وعند استخدام ملح النطرون فالنتيجة تكون فعالة أكثر، لأن الأملاح القلوية الموجودة فيه سواء الكربونات أو البيكربونات التي تجعله مثل الوحش الكاسر بالنسبة للبكتيريا والأنزيمات، ولذلك يقوم المحنطين في حشو البطن بأكياس ولفائف من الكتان المنقوعة في ملح النطرون حتى تقضي على البكتيريا والأنزيمات من جانب، ومن جانب ثاني يعطوا الجسم شكل انسيابي أكثر، ويبقى شبيه للصورة البشرية الطبيعية عندما كان تجويف الجسم من الداخل مليء بالأعضاء، ومن المدهش أن مهمة ملح النطرون لا تتوقف عند لفائف الكتان المحمية داخل بطن المومياء فقط، لكنهم يقومون في نقع كامل الجثة في كمية كبيرة من ملح النطرون، وكأنها حمام من الملح ويتركوا الجثة منقوعة في الملح حوالي ٣٥ يوم متواصل، وكل ذلك من أجل الحفاظ على الجلد الخارجي للجسم، ومنحه مناعة ضد البكتيريا والأنزيمات، وبعد مرور ٣٥ يوم وبمجرد إخراج الجثة من ملح النطرون تكون الأملاح القلوية الموجودة داخله استطاعت امتصاص جميع السوائل الموجودة في الجسم، ويخرج منها هيكل صلب خالي من السوائل على الإطلاق، والحصول في النهاية على جسم من دون سوائل ومن دون بكتيريا ومن دون أنزيمات هاضمة.
طريقة تحنيط الفراعنة للجثث اختيار الصورة رزان الحموي |
استخدام صمغ الأشجار
أي نعم من خلال نقع الجسم في ملح النطرون وإزالة جميع الأعضاء الداخلية الموجودة فيه سوف تمنع الجسم من التحلل، لكن مازالت رائحة الجثة المحنطة غير لطيفة إطلاقاً، لأن ملح النطرون يحارب التحلل ولا يقضي على الروائح، ولذلك يقومون الكهنة في صب كمية كبيرة من صمغ الأشجار على كامل محيط الجسم من الخارج، ويضيفون مزيج من الشمع والزيوت ثم يتم تدليكهم على الجثة بطريقة تشبه طريقة المساج، وبعد ذلك يقومون في لف المومياء بمجموعة من الأقمشة و|الكتان| حتى تصل للشكل النهائي والمألوف للجثث الفرعونية المحنطة.
وضع المومياء في التابوت
ومن ثم يضعون المومياء داخل مجموعة من |التوابيت| المتداخلة، وفي الغالب يكون التابوت الأخير والذي يحتوي في داخله على التوابيت الأخرى عبارة عن تابوت ضخم من الحجر، والتابوت الأول من التوابيت يتم نقش صورة الملك عليه باستخدام ألوان معينة، ومن الخطوات المهمة أثناء التحنيط وهي أن رئيس المحنطين يجب أن يرتدي قناع معين أثناء تأديته إلى جميع الخطوات السابقة، وهذا القناع هو |قناع أنوبس| إله التحنيط والعالم السفلي في اعتقاد المصريين القدماء، وهو قناع على شكل حيوان أشبه بالكلب ولونه أسود.
وبعد ذلك يضعون في المقبرة بعض الحاجات التي يحتاجها الميت في العالم الآخر على حد اعتقادهم، وهذه الأشياء تكون عبارة عن المجوهرات والكنوز والمقتنيات الذهبية مروراً بالأثاث والملابس والأوعية وغيرها، وكمية الأشياء التي يتم وضعها في المقبرة تكون بناءً على مكانة الشخص ودرجة ثراه، وخصوصاً عندما يكون هذا الشخص ملك أو أحد أفراد الأسرة الملكية، وبعد ذلك يبدؤون في تأمين المقبرة ضد اللصوص والمعتدين من خلال نشر بعض المواد الكيميائية السامة في أماكن معينة لغرض منع وتخويف أي شخص من اقتحام المكان، ويخرج الكهنة من المكان ويقفلون المقبرة ورائهم إلى الأبد، وتنتهي رحلة التحنيط الخاصة بالمومياء.
صحيح أن المومياء المحنطة ليست جثة كاملة لأن مثل ما تحدثنا بأن الجسم الذي يتم تحنيطه يكون منزوع منه المخ والكبد والمعدة والأمعاء وغيرها من الأعضاء، لكن هذا لا يمنع بأنها طريقة متقنة ومثيرة للإعجاب، وخصوصاً أن العلماء استطاعوا أن يحصلوا من أجسام بعض المومياوات المكتشفة حديثاً على عينات من الحمض النووي الخاص بها، وبالإضافة إلى أنهم استطاعوا أن يقوموا في بعض عمليات التشريح وحصلوا على معلومات كثيرة مثل معرفة أسباب وفاة كل جثة منهم، وتعرفوا أيضاً عن طريق هذه المومياء على معلومات خاصة في حياة المصريين القدماء في وجه عام، وأن المصريين القدماء كانوا مصابين ببعض الأمراض المزمنة ومنها القلب والشرايين والسل وغيرها من الأمراض، المعلومات هذه حصلوا عليها من خلال التشريح الطبي لجثث مر على وفاتها آلاف السنين، وهذا دليل على مدى إتقان المصريين القدماء لعلوم الكيمياء والطب.
بقلمي: ربا
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك