الممنوعات التقنية ومخدرات التكنولوجيا تصميم الصورة : رزان الحموي |
على الرغم من تسمية أغلب المواقع التي اعتدنا على تحديث صفحاتنا بها على مدارالدقيقة الواحدة ب"|مواقع التواصل الاجتماعي|"، بل إن نظرنا الى الأمر من جانب أخر فهي وسائل الانفصال الاجتماعي بالحقيقة.
الذي يتزوج والذي ينجح والذي يتخرج من كليته بعد عذاب سنوات، أصبح أمر تهنئته مرتبط بتعليق صغير أسفل الPost الذي ينشره، أما إن مات أحد من العائلة أو تضرر مبنى سكني أو تعرض للسرقة فالأمر مشابه هنا أيضاً، مجرد بعض كلمات مباحة أمام الجميع ليقرأها سوف تتكفل بتطيب الخاطر فقط.
اليوم بكل ما تعنيه الكلمة أصبحنا عبيداً لهذه التكنولوجيا، فأُصبنا بغضب من الله وأصبح أغلبنا يعاني من مرض التوحد، فعند الاستيقاظ من النوم لا نذهب للحمام مباشرةً، وإنما يستغرق الأمر منا ساعة على الأقل لنتصفح ال(Facebook، |Instagram|، YouTube)، وحتى قبل الخلود للنوم من تجاربي الشخصية إلى التجارب التي أسمع بها، فأقول سأقوم بالتصفح لبعض دقائق لا أكثر، ولكن لا ندري ولا ننتبه كيف تمضي الساعة تلو الأخرى ونحن مستغرقين بمشاهدة الأفلام أو الصور.
بعض الإحصائيات التي تم إجرائها على مجموعة من الأفراد وبمختلف البلدان، تبين أنَّ الشخص العادي يقوم بالولوج إلى هذه المواقع كل ساعة حوالي ال12 مرة، والغالبية الأكثر قالوا أنّهم تقريباً كل 20 ثانية يخرجون ويعاودن الدخول لهذا المواقع، وبالتالي من الطبيعي جداً أن نصبح أشخاص انعزاليين ونستحب الخلوة بأنفسنا.
لا بدَّ من أنّك من الأشخاص اللذين يعلمون ب "Fear Of Missing Out"، وأقرب تشبيه خطر لي هو مثال الثلاجة، فكم من مرة قمنا بفتح باب الثلاجة من دون أي هدف، ومن دون أي غاية، الأمر هنا مشابه حرفياً، فأنت تقوم بالولوج الى هذه المنصات من أجل الاطلاع على أهم وأخر الأخبار والمنشورات، ولكن من دون أي هدف.
الجدير بالذّكر أنّه مع وجود الانعزالية و|التوحد| فإننا نعاني من مشكلة أكبر بسبب هذا الإدمان على هذه المواقع ألا وهي "|الاكتئاب|"، ولا سيما على منصة الInstagram، فلا يغرك ما يتم رفعه من قبل المشاهير والأشخاص الصاعدين، فبالنهاية ما هي إلا مجرد صور من أجل الترويج للحياة التي يزعمون بأنها Perfect، وبالتالي عمليات المقارنة التي يلجأ إليها الأشخاص بالحياة التي يعيشونها هؤلاء المشاهير وحياتنا العادية تجعلنا بأغلب الأحيان محبطين.
الإنترنيت عالم خفي، عالم لا يذّكر به من الحقيقة ربعها أو أقل، فلا تُصدق كل ما تراه
الممنوعات التقنية ومخدرات التكنولوجيا تصميم الصورة : رزان الحموي |
فالحياة على هذه المواقع لا يمكن تشبيهها إلا بالبيت الزجاجي المعروض بوسط الطريق، الأشخاص كلهم قادرون على معرفة ما هي الخصوصية التي نحاول إخفائها، فهؤلاء |المشاهير| على هذه المنصات يعمدون الى التقاط الصور بأفخم المنازل وأرقى المطاعم وأحدث السيارات، فنظن أن حياتهم مثالية، متناسين أنهم بشر مثلنا لديهم مشاكل وأفراح ومن الممكن أن تكون مشاكلهم أكبر بأضعاف مشاكلنا.
ولكن الّذي نستطيع قوله بأنّ كل شخص لديه حياته الخاصة وهو حرّ بكيفية عيشها، وأنت أيضاً أمام خيارين أما أن تدخل بحالة "عدم احترام الذات" بالنظر إلى نفسك على أنك بمستوى معيشي أقل منهم، أو معرفة ما الذي يخفوه خلف التفاصيل وعدم تصديق كل ما يقومون بنشره.
قديماً يقال "من راقب الناس ماتَ هماً"، فقد تكون أنتَ من الأشخاص الذين لديهم تحصيل علمي عالي، أو من الروّاد والمحافظين على قراءة القرآن و|السيرة النوبية الشريفة|، ومن كل تلك النعم التي أنعم الله بكَ عليها، سوف تضطر إلى النظر إلى نفسك بشكل مهين إلى حد ما.
التكنولوجيا أقل ما يقال عنها أنّها (سيف ذو حدّين)، يمكنك النظر إليها على أنها وسيلة لمساعدتك بالأمور (العلمية، الثقافية، الاجتماعية، وغيرها من الأشياء)، ويمكن أن تراها باب لا يمكن إغلاقه يسمح بدخول |الفشل| والاكتئاب واحتقار الذات لداخلك.
كل يوم تظهر مواقع جديدة، والعلم التقني أو التكنولوجي أصبح هوس أغلب الأفراد، فمن جهة هو وسيلة ممتازة من أجل تحصيل الأموال ولا بد لدى المبرمجين، ومن جهة أخرى هو أداة حادة يجب العمل معها بكل حذر لكي لا تصبح حياتنا على المحك من خلفها.
نصيحتي الأخيرة لك بنهاية هذا المقال: لا تكن الحاضر الغائب، أي الحاضر جسدياً والغائب ذهنياً، نرى بأن أغلب الاجتماعات العائلية أو اجتماع الأصدقاء، بأن الجميع يقضي جلَّ وقته مطأطأ الرأس وممسك هاتفك بإحكام، نجلس مع الأهل فتمضي الساعات المتتالية ولا ينطق أحد بأي كلمة فالكل مشغول بتصفح هذه المواقع التي لا يوجد نهاية لها.
العمر يمر والأيام تنتهي بسرعة، فالأشخاص الذين اعتدنا على رؤيتهم بشكل يومي، قد تأتي اللحظة التي نتمنى أن يعود الزمن ونجالسهم لبعض دقائق، لذلك فلنرتقي ولندرك قيمة هذه اللحظات الأن، لكي لا نصبح نادمين عليها مستقبلاً.
آلاء عبد الرحيم
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك