لماذا لا ترتفع الأسعار في اليابان رغم ارتفاع التكاليف هل تصدق ذلك - الجزء الأول تصميم وفاء المؤذن |
لماذا تخشى الشركات اليابانية رفع الأسعار رغم ارتفاع التكاليف؟ وما الذي يميز عقلية المستهلك الياباني؟
جريمة الشركة اليابانية
- منذ حوالي ست سنوات، وتحديداً في ١٦ آذار عام ٢٠١٦، كان الحديث الذي يشغل الرأي العام في اليابان في ذلك الوقت، هو الجريمة التي ارتكبتها إحدى الشركات اليابانية المشهورة في تصنيع الحلويات المثلجة، وما حدث بالتحديد أن هذه الشركة قررت رفع سعر منتج من منتجاتها بعد مرور ٢٥عاماً على إنتاجها، وتحديداً منذ عام ١٩٩١، حيث استمرت في بيعها بسعر ٦٠ين طول هذه المدة، وقرروا رفع سعرها عشرة ين فقط، أي مايقارب تسعة سنت أمريكي.
- لم يتقبل الشعب الياباني الموضوع، وثاروا على الشركة وانقلبوا ضدها، وأمام موجة الغضب الشعبي الكبيرة لم يكن أمام الشركة، إلا أن تعتذر للناس بعد حوالي ثلاثة أسابيع، وتحديداً في ١نيسان عام ٢٠١٦، حيث أنتجت الشركة إعلان مدته ستين ثانية، وتمت إذاعته في كل أنحاء اليابان، حيث ظهر فيه مجلس إدارة الشركة بالكامل، يقفون بجانب بعضهم البعض ويعتذرون للناس عما حدث.
ثبات الأسعار في اليابان
- هذه القصة ليست حدث استثنائي في اليابان، لأن الشيء الاستثنائي هناك هو أن ترتفع الأسعار، وخصوصاً أن الأسعار منذ حوالي خمسة وعشرين عاماً شبه ثابتة، وفي كثير من الأحيان تتناقص، حتى في الوقت الحالي، في ظل ارتفاع الأسعار المتزايد والتضخم العالي عندنا في الوطن العربي، وفي أمريكا وأوروبا وكل أنحاء العالم، فالأسعار في اليابان ثابتة لا تتغير، وكأن اليابان ليست موجودة معنا على نفس الكوكب.
والسؤال هنا كيف تبقى الأسعار في اليابان ثابتة في حين أن أسعار الطاقة العالمية والمواد الخام مرتفعة جداً؟
لماذا تخشى |الشركات اليابانية| من فكرة |رفع الأسعار|؟ ولو أن ذلك حصل وتجرأت إحدى الشركات على رفع السعر يصبح حدث تتحدث عنه كل البلد؟
ولماذا تتمنى الحكومة اليابانية أن ترتفع الأسعار ولكنها لا تستطيع التدخل في ذلك؟
وضع اليابان في الثمانينات
في ثمانينات القرن الفائت، كان اليابانيون ملوك العالم في الإنفاق على السلع والخدمات الفاخرة، في ذلك الوقت كان الشعب الياباني من أكثر الشعوب المسرفة والمبذرة على وجه الأرض، كان الأفراد اليابانيين العاديين يصرفون أموالهم على ماركات عالمية مشهورة جداً مثل( ROLEX, PRADA, BVLCARI) وغيرها أيضاً من الشركات الكبرى والعالمية، وكانوا يقيمون في أفخم وأغلى الفنادق في العالم، وكانوا من أكبر المشترين للعقارات في مدن عالمية كبيرة مثل نيويورك وكاليفورنيا ولندن، وفي اليابان كانت بعض المطاعم تقدم في تلك الفترة الوجبات المغطاة بغبار الذهب، هل تصدق تقديم طعام بهذه الميزة!!
وأي شخص يسمع هذا الكلام سوف يخطر بباله سؤال منطقي جداً من أين تملك اليابان كل هذه الأموال؟ وكيف يعيش العالم في |أزمات| كبرى بما يخص الطاقة وارتفاع الأسعار الذي أثقل كاهل الجميع في حين أن الشعب الياباني يعيش حياة رغيدة؟!!
لماذا لا ترتفع الأسعار في اليابان رغم ارتفاع التكاليف هل تصدق ذلك - الجزء الأول تصميم وفاء المؤذن |
واستوقفنا سؤال مهم من أين تمتلك اليابان كل هذه الأموال؟
مضمون اتفاقية بلازا
- في عام ١٩٨٥، أقنعت أمريكا اليابان وبريطانيا وفرنسا وألمانيا الغربية، بتوقيع |اتفاقية بلازا|، والهدف الرئيسي من هذه الاتفاقية، أن ينخفض سعر |الدولار الأمريكي| أمام |الين الياباني| و|المارك الألماني|، وبالطبع فعندما يقل سعر الدولار، سوف ينخفض سعر الصادرات الأمريكية، وستكون أرخص مقارنة مع سعرها لباقي دول العالم، وبالتبعية فإن أمريكا ستقوم بتصدير أكثر، وفي نفس الوقت، سوف تكون الأصول الأمريكية أرخص بالنسبة لليابانيين حيث أن قيمة عملتهم زادت أمام الدولار.
قرارات البنك المركزي الياباني
- خلال سنتين من توقيع الاتفاقية، وتحديداً من عام ١٩٨٥حتى١٩٨٧، انخفضت قيمة الدولار أمام الين الياباني بحوالي ٥١%، وبالتالي أصبح سعر الين أغلى، وبإمكانه شراء سلع أمريكية أكثر، والمشكلة أنه بالتزامن مع ارتفاع قيمة الين، قام البنك المركزي الياباني بتخفيض أسعار الفائدة حتى تصل إلى ٢،٥% في شباط من عام ١٩٨٧، وذلك بعد أن كان سعر الفائدة ٩% في آذار عام ١٩٨٠، وفي نفس الوقت، سمح البنك المركزي للبنوك التجارية، بتسليف المستهلكين من دون أن تأخذ منهم أي ضمانات كافية.
الوضع المالي في اليابان
-ومن هنا بدأ الخطأ، لأن الأموال كثرت في يد الناس، ومن ناحية أخرى زادت قيمتها.، فاليابانيين الذين كانوا يمتلكون كميات كبيرة من المدخرات الشخصية، شعروا فجأة بالثراء، وأصبحوا ينفقون بشراهة على كل شيء ممكن أن تتخيله، ومن كان يفهم مايحدث، كان يضارب في البورصة، ويشتري عقارات ويأخذ الأموال عن طريق ضمانها.
دخول اليابان بما يسمى الفقاعة الاقتصادية
وكثرت الأموال بيد الناس وكانت أحد أسباب دخول |الاقتصاد الياباني|، في الفقاعة التي كسرت ظهره عندما انفجرت، ومن أحد مظاهر هذه الفقاعة، أن الأرض المبني عليها القصر الإمبراطوري في اليابان، كانت قيمتها السوقية عام ١٩٨٩، أكبر من قيمة كل العقارات الموجودة في مدينة كاليفورنيا الأمريكية كلها، وقد كان متر الأرض في منطقة تجارية معروفة في طوكيو اسمها(Ginza)، كان يباع بمبلغ ٢٥٠ ألف دولار للمتر الواحد، ولك أن تتخيل ذلك!!
قرارات الحكومة اليابانية
- في شهر آذار من عام١٩٩٠، بدأت الحكومة اليابانية تصحو على نفسها، ومن أجل أن تسيطر على التضخم والإنفاق الاستهلاكي، والقروض العقارية التي خرجت عن نطاق السيطرة، رفعت أسعار الفائدة حتى تصل إلى ٥,٢٥%، وذلك بعد أن أصدرت أمر للبنوك بتقليل حجم قروضها العقارية.
كيف سيكون الوضع الاقتصادي في اليابان بعد هذه القرارات؟
وهل سيستمر الشعب الياباني يعيش حالة الثراء الفاحش؟
وهل انفجرت الفقاعة بهذه القرارات أم أن القادم أعظم؟
لماذا لا ترتفع الأسعار في اليابان رغم ارتفاع التكاليف هل تصدق ذلك - الجزء الأول تصميم وفاء المؤذن |
تحدثنا عن اتفاقية بلازا التي سمحت للين الياباني بأن يكون أغلى من الدولار الأمريكي، وعن قرارات البنك المركزي الياباني، والوضع المالي والاقتصادي في اليابان، بما فيها قرارات الحكومة اليابانية للسيطرة على مايحدث.
انفجار الفقاعة العقارية
-في عام ١٩٩٠، انفجرت الفقاعة العقارية أخيراً، وخسرت العقارات التجارية ٨٧% من قيمتها مقارنةً مع أعلى مستوى وصلت له، وخسرت |البورصة اليابانية| أكثر من ٢ تريليون دولار من قيمتها السوقية في عام ١٩٩٠، والنتيجة أن أغلب اليابانيين خسروا جزء كبير من ثرواتهم.
-وحسب رأي كبير الاقتصاديين في معهد الأبحاث الياباني (Richard.C.koo)، فإن الأموال التي خسرتها اليابان مع انفجار الفقاعة، تعتبر أكبر خسارة للثروة في تاريخ البشرية، عانت منها أي دولة في زمن السلم.
-وعدا أن هذه الخسارة أفقرت الكثير من اليابانيين، وزادت ديونهم، وكأنها كانت لهم بمثابة صدمة نفسية، والتي غيرت سلوكهم الاستهلاكي للأبد، فقد كان الإنفاق الاستهلاكي لليابانيين قبل عام١٩٩٠ مختلف كلياً عن أسلوب إنفاقهم فيها، وكأن الناس تغيرت وتبدلت.
الإنفاق الاستهلاكي لليابانيين في عام ١٩٩٠
-استمر |الإنفاق الاستهلاكي| لليابانيين بالانخفاض، حتى دخلت البلد في منتصف التسعينات بمرحلة يسميها خبراء الاقتصاد |الانكماش المزمن|، باختصار لا يوجد تضخم، الأسعار ثابتة لا تتغير من دون زيادة، وعلى العكس فقد كانت الأسعار تتناقص في كثير من الأحيان، على سبيل المثال، لو قمنا بإلقاء نظرة على مؤشر أسعار المستهلك للتغذية، باستثناء الأغذية الطازجة من عام ١٩٩٥-٢٠٢١، نجد أن النمو إما سالب أو قريب للصفر، وهذا الأمر سبب مشكلة للبنك المركزي الياباني.
النسبة المثالية للتضخم
- حسب رأي علماء الاقتصاد، أن النسبة الأمثل للتضخم هي ٢%، وذلك يعني أن تزيد الأسعار كل سنة بنسبة ٢%، أكثر من ذلك أو أقل يعتبر مشكلة، فعندما تزيد الأسعار بهذه النسبة المعتدلة، هذا يؤدي إلى زيادة دخل الشركات ويمكنها من زيادة أجور الموظفين، وبالتالي يساعدها على ضخ استثمارات أكثر، بالإضافة إلى أن زيادة أجور الموظفين، تؤدي بشكل طبيعي إلى زيادة إنفاقهم الاستهلاكي، وهكذا تدور عجلة الاقتصاد بشكل مثالي، ولكن هذا لم يحدث في اليابان!!
وضع الاقتصاد في اليابان
- منذ أكثر من خمساً وعشرين عاماً الأسعار في البلد ثابتة لم تتغير، والأجور ورواتب الموظفين لم تتغير إلا بشيء بسيط جداً، وذلك يعني أنه في آخر عشرين عام، القيمة الأسمية للأجور في اليابان انخفضت بنسبة ٥%، في حين أنها زادت بنسبة ٨٠% في أمريكا، وزادت أيضاً بنسبة ٥٠% في ألمانيا وفرنسا.
أي شخص يمتلك خلفية اقتصادية سوف يسأل هذا السؤال
لماذا |البنك المركزي الياباني| محتار لهذه الدرجة؟
ولماذا لا يتصرف مثل كل البنوك في العالم عندما ترغب بزيادة معدل التضخم؟
ولماذا لا يتبع استراتيجية تقليل أسعار الفائدة لتسحب الناس أموالها من البنوك، وبالتالي يتم تصريفها إما بصورة إنفاق استهلاكي أو استثمارات وبالتالي يزيد التضخم؟!!!
إذا كنت لاتعرف الإجابة تابعنا في الجزء القادم ❤
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك