ما سر انتشار العمالة الفلبينية في العالم وبالأخص دول الخليج وما ثمن الغربة تصميم ريم أبو فخر |
العمال خارج بلادهم وتحويل الأموال
في كل عام ملايين من الناس يحزمون أمتعتهم ويسافرون بحثاً عن عمل وحياة أفضل، وهناك أكثر من مئتي شخص في العالم يعملون خارج بلدانهم الأصلية، يكافحون ويعملون في الخارج، من أجل تحويل أكبر جزء من دخلهم لأسرهم، وهذه الحوالات المالية عدا عن أنها تساعد الأسر في الحصول على المال، إلا أنها تشكل مصدر دخل مهم للبلد الأم التي تصلها هذه الحوالات.
هناك الكثير من الدول التي تعتبر التحويلات أهم مصادر دخلها، وتحدث مشاكل كبيرة لو حصل نقص كبير في هذه التحويلات مهما كان السبب، وربما تكون أشهر دولة في تصدير العمالة للخارج والاعتماد على التحويلات المالية هي |الفلبين|، فقد أصبح العمال الفلبينيين ماركة مسجلة ويتم طلبهم بالاسم.
فما هي حكاية |تصدير العمالة| في الفلبين وكيف بدأت؟
وكيف يعتمد الاقتصاد الفلبين على تحويلات العاملين في الخارج؟
ولماذا أصبح الفلبينيين مشهورين لهذه الدرجة في سوق العمل؟
وما الذي يجعل جزء كبير منهم يقبل العمل بأجور زهيدة؟
وما سر انتشارهم في دول الخليج وبالأخص السعودية؟
والسؤال الأهم هل تحويلات العمال الأجانب لجزء من رواتبهم لدولهم يضر بالدول المستضيفة لهم (الدول التي يعملون فيها)؟
الوضع الاقتصادي في الفلبين
كانت الفلبين تعاني من مشاكل اقتصادية كبيرة في السبعينات، لا يوجد وظائف ونسبة الفقر تتزايد، واحتياطات البلد من العملة الأجنبية وصلت لمستويات حرجة، وخصوصاً بعد أن أخذت الدول العربية قرار حظر النفط في عام ١٩٧٣، وتسبب هذا القرار في ذلك الوقت، في ارتفاع أسعار النفط لأكثر من أربعة أضعاف خلال ثلاثة شهور، وبالطبع هذا القرار تسبب بالضرر لكل الدول المستوردة للنفط في ذلك الوقت من ضمنها الفلبين.
مضمون خطاب رئيس الفلبين لشعبه
وفي وسط هذا الخراب الاقتصادي، خطب رئيس الفلبين السابق(Ferdinand Marcos) في احتفالية عيد العمال، في ١ أيار عام١٩٧٤، وقال في خطابه الموجه للشعب ما يلي:
بأن أعداد الشعب في تزايد وعدد العاطلين عن العمل كبير جداً، وليس هناك وظائف تكفي الجميع، والحل هو السفر للعمل بالخارج من ناحية يجد لنفسه عمل، ومن ناحية أخرى يرسل الأموال بالعملة الأجنبية لعائلته، وبذلك يساعد على إنعاش اقتصاد البلد، وهذا مجرد وضع مؤقت ريثما تستعيد البلد عافيتها الاقتصادية.
الهجرة العالمية المتزايدة
في ذلك الوقت كانت معدلات |الهجرة| العالمية تزداد في كل مكان، حيث كان الهنود يهاجرون إلى بريطانيا، و الأتراك إلى ألمانيا، والصينين إلى استراليا، والمغربيين إلى هولندا، والجزائريين إلى فرنسا، وكل هؤلاء كانوا يتخذون قرار الهجرة بأنفسهم، وليس بتشجيع من حكومتهم، ولكن الوضع في الفلبين كان مختلف تماماً، فقد كانت الحكومة هي من تشجع الناس على السفر للخارج.
برأيك عزيزي القارئ ما هدف الحكومة الفلبينية من تشجيع شعبها على الهجرة؟!
ما سر انتشار العمالة الفلبينية في العالم وبالأخص دول الخليج وما ثمن الغربة تصميم ريم أبو فخر |
سبب تشجيع الحكومة الفلبينية للهجرة
- كانت الحكومة تشجع الناس على السفر للخارج لعدة أسباب:
١- كان هدف الحكومة انخفاض في مستوى |البطالة|.
٢- كانت بحاجة لزيادة دخلها من العملة الأجنبية (|الدولار|) من خلال التحويلات التي يرسلها العمال لعائلاتهم.
٣- كان هدفها الحد من احتمال حدوث اضطرابات داخلية بسبب الفقر والجوع.
قانون العمل الجديد في الفلبين
ولذلك أصدر الرئيس الفلبيني في عام ١٩٧٤، قانون جديد للعمل، والذي بموجبه تم تأسيس مجلس تنمية التوظيف في الخارج، ومهمة هذا المجلس الأساسية، التسويق للعمال الفلبينيين في كل مكان في العالم، ويقوم بتأمين عقود عمل لهم، ويسهل خروجهم من البلد، وكان هذا المجلس كأنه شركة توظيف حكومية.
الطريقة التي كان يتم التسويق للعمال فيها
الطريف في تجربة العمالة الفلبينية هي الطريقة التي يتم التسويق فيها، على سبيل المثال، وزارة العمل الفلبينية التي كانت تشرف على المجلس، كانت تسوق للعامل الفلبيني في العالم على أنه شخص ودود ومتعاون، عدا عن أنه دقيق في عمله ولديه قدرة على تحمل ضغط العمل، بالإضافة إلى الأجر الزهيد مقارنة بغيره.
إحدى طرق التسويق للعمال الفلبينيين
كانت الخطوط الجوية الفلبينية في عام ١٩٧٧، تقوم بتوزيع على المسافرين في رحلاتها مجلة Wingtips، وكانت تتضمن إعلان للعمالة الفلبينية يصفهم بأنهم ليس لديهم مشاكل في التعامل أو في الأجور كغيرهم من عمال دول أخرى، فهم لا يشاركون في الاعتصامات أو الإضرابات أو أعمال الشغب.
تنفيذ برنامج التوظيف في الخارج
بمجرد ما بدأ |مجلس توظيف العمالة| في الخارج عمله، أصبح غير قادر على استيعاب عدد طلبات توظيف العمالة الفلبينية في عام ١٩٧٥، والتي تعتبر أول سنة يتم فيها تنفيذ برنامج التوظيف في الخارج، ٣٦ ألف فلبيني في ذلك الوقت، خرجوا من بلادهم للعمل في دول مختلفة، واستمرت أعداد المهاجرين تزداد، حتى خرج من البلاد عام ١٩٨٣، ٤٣٤ألف فلبيني في هذا العام فقط.
لكن أين كانت وجهة كل هذه الأعداد الكبيرة
حتى عام ١٩٨١، كان الفلبينيين يعملون في ١٠٨ دولة، ولكن الجزء الأكبر منهم كان يعمل في الشرق الأوسط، وتحديداً في دول الخليج العربي، في ذلك الوقت كانت دول الخليج قد بدأت بالتوسع في مشاريع البنية التحتية، كالمطارات والمستشفيات والطرق ومحطات الطاقة والفنادق، ولم يكن لديها العمالة الكافية، مما أدى إلى الطلب المتزايد للعمالة الأجنبية، وكان للعمالة الفلبينية نصيب كبير في هذه الوظائف.
هل برأيك ستتوقف الفلبين عن إرسال العمالة للخارج أم أن الأمر أصبح جزء لا يتجزأ من اقتصادها.
ما سر انتشار العمالة الفلبينية في العالم وبالأخص دول الخليج وما ثمن الغربة تصميم ريم أبو فخر |
خطة البلد الاقتصادية
كانت خطة الحكومة الفلبينية في البداية، أن برنامج تصدير العمالة للخارج أمر مؤقت سينتهي بعد مرور عدة سنوات، ولكن مع الوقت أصبح هذا البرنامج جزء مهم من |خطة البلد الاقتصادية| لا يمكنها الاستغناء عنه، وبذلك أصبحت الفلبين واحدة من أكبر الدول المصدرة للعمالة في العالم كله.
إحصاء أعداد المهاجرين
حسب هيئة الإحصاء الفلبينية، كان هناك في عام ٢٠١٩، ٢مليون و١٨٠ ألف فلبيني يعملون في الخارج، ٥٦%منهم إناث، ومعظمهم يعمل في وظائف متواضعة، ولكن هناك تقديرات أخرى غير رسمية تشير إلى أن عدد الفلبينيين الذين يعملون خارج بلادهم يتجاوز العشرة مليون، وذلك يعني عُشر الشعب الفلبيني عدا عن أن هناك مليون فلبيني في كل عام يخرج من البلد.
وضع العمال الفلبينيين
سبب الإقبال الكبير من الفلبينيين للعمل في الخارج، هو أن الأجور التي يحصلون عليها في الخارج، أكبر بكثير من الأجور التي من الممكن أن يأخذوها في بلدهم، ذلك في حالو تمكنوا من إيجاد فرصة للعمل.
أكثر الدول التي يتواجد فيها العمال الفلبينيين
- يعمل العمال الفلبينيين في وقتنا الحالي في أكثر من مئتا دولة حول العالم، وأكثر الدول التي يعيش فيها الفلبينيين بهدف العمل، هي السعودية والإمارات والكويت وهونغ كونغ وقطر وسنغافورة، هؤلاء العمال يعملون في هذه البلاد ويقبضون رواتبهم، ويقومون بتحويل جزء منها بصفة دورية لعائلاتهم في الفلبين.
إحصائيات تحويلات المغتربين لعائلاتهم
في عام ٢٠٢٠ قام العمال الفلبينيين في السعودية بتحويل ١,٨مليار دولار لعائلاتهم، أما في الإمارات تم تحويل ١,٣مليار دولار، وأيضاً ٨٢٠ مليون دولار من قطر، أما أكثر دولة حول العمال منها الأموال لعائلاتهم هي أمريكا ووصلت إلى ١١,٩مليار دولار، وإجمالاً فإن تحويلات الفلبينيين الذين يعيشون في الخارج تجاوزت ٣٣ مليار دولار، والذي يعادل عُشر الإنتاج المحلي للفلبين عام ٢٠٢٠.
من المستفيد من هذه التحويلات المالية
- ساهمت هذه التحويلات في انتشال عائلات كثيرة من الفقر، ولكن ليس الفلبينيين وحدهم المستفيدون من هذه التحويلات، فهناك أكثر من ٨٠٠ مليون شخص يستفيدون من التحويلات المالية التي يرسلها المغتربين لأهاليهم، حيث أن نصف التحويلات للمناطق الريفية التي يعيش فيها ثلاثة أرباع فقراء العالم في عام ٢٠١٨، أكثر من ٢٠٠ مليون عامل مهاجر أرسلوا ٦٨٩ مليار دولار لأهاليهم، حوالي ٥٢٩ مليار دولار من هذه الأموال تم إرسالهم للدول النامية تحديداً.
وهذا يأخذنا للسؤال المهم هل تحويلات العمال الأجانب لبلدهم الأم تؤثر أو تسبب الضرر على |اقتصادات الدول| المستضيفة؟
ما سر انتشار العمالة الفلبينية في العالم وبالأخص دول الخليج وما ثمن الغربة تصميم ريم أبو فخر |
لكن هل هذا التحويلات تؤثر سلباً على الدول المستضيفة
حسب تقرير الأمم المتحدة فإن العاملين في الخارج يرسلون لعائلاتهم١٥% في المتوسط من دخلهم، وينفقون جزء من ٨٥ % المتبقية في الدول التي يعملون فيها، ويدخرون جزء منها في بنوك الدول المستضيفة، وذلك يعني أن الجزء الأكبر من دخل المغتربين لا يغادر الدول التي يعملون فيها، ونظرياً فإن الأفضل للدول المستضيفة أن لا تخرج ١٥% منها، ولكن تنفيذ هذا الأمر عملياً مستحيل، ولو حدث مثل هذا الأمر فسوف يضر بالدول المستضيفة.
ما الذي يمنع خبراء الاقتصاد الأمريكيين عن إيجاد طريقة يمنعون فيها المهاجرين من إرسال حوالات لعائلاتهم
وطبعاً الهدف من التفكير في منع التحويل هو الاستفادة من هذا المبلغ وإنفاقه على |الاقتصاد الأمريكي|، وهذا حسب ما اقترحه دونالد ترامب أثناء الانتخابات الرئاسية في عام ٢٠١٦، تعتبر أمريكا أكثر دولة في العالم تقوم العمالة الأجنبية بتحويل الأموال منها، ويأتي بعدها الإمارات وثم السعودية ومن ثم سويسرا.
الحوالات من أمريكا في عام ٢٠٢٠
خرج من أمريكا مايقارب ٦٨مليار دولار في شكل تحويلات مالية لدول أخرى في عام ٢٠٢٠، وعندما يتم مقارنة هذا المبلغ بحجم الناتج الإجمالي المحلي لأمريكا في نفس العام نلاحظ أنه يشكل ٠،٠٠٣%.
الإجراءات التي من الممكن اتخاذها
حتى تمنع أمريكا خروج هذا المبلغ، إما سوف تقوم بفرض قيود مشددة على |حركة رأس المال|، وهذا الأمر سوف يسبب ضرر كبير لأي اقتصاد وخاصةً اقتصاد مفتوح قائم على حرية حركة رؤوس الأموال مثل الاقتصاد الأمريكي أو أن تقوم الشركات الأمريكية بمنع استقدام العمالة الأجنبية والاكتفاء بالعمال الأمريكيين، وكلا الأمرين صعب التنفيذ.
سبب وجود العمالة الأجنبية في أي بلد
|العمالة الأجنبية| في أي بلد موجودة لأمرين، إما تعويض نقص كفاءات وخبرات تعاني منه الدولة المستضيفة وبالتالي لا يمكنها الاستغناء عنهم، أو أن هذه العمالة أجورها رخيصة، وبالتالي فإن من مصلحة الشركات الموجودة في الدول المستضيفة استقدامها، من أجل التقليل من تكاليفها وزيادة أرباحها.
منذ حوالي ٤٥عاماً، وتحديداً في تموز عام ١٩٧٧، مجموعة من العمال المهاجرين الذين يعملون في ميترو الأنفاق في باريس، قاموا بإضراب عن العمل بسبب ضعف أجورهم، وأحد هؤلاء العمال صرح لمجلة نيويورك تايمز بأنه لا يقلق أبداً أن يخسر وظيفته لصالح مواطن فرنسي، فليس هناك فرنسي واحد يقبل أن يعمل العمل الذي نقوم به بالأجر الذي نأخذه.
وخلاصة هذا الكلام أن التحويلات المالية للمغتربين مهمة جداً بالنسبة للاقتصاد العالمي، ومن مصلحة الدول المستضيفة للعمالة والدول المرسل إليها استمرارها، فهناك أكثر من مليار شخص ما بين مرسل ومستقبل يستفيدون من هذه التحويلات.
والسؤال موجه لك عزيزي القارئ هل فكرت يوماً ما أن تسافر للخارج؟ وماهي دوافعك للسفر؟
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك