|
رحلة في فكر أدونيس تصميم رزان الحموي |
من هو أدونيس
اسمه الحقيقي هو علي أحمد سعيد إسبر، من مواليد قرية قصّابين في ريف جبلة السورية في عام 1930، تبنّى اسم |أدونيس| الذي خرج به على تقاليد التسمية العربية منذ العام 1948 وهي كلمة كنعانية تشير إلى إله الخصوبة وهو معشوق الإلهة عشتار حسب الأسطورة. تزوج من الأديبة خالدة سعيد وأنجب منها ابنتان هما أرواد ونينار، نال الجنسية اللبنانية مع أسرته في العام 1963 ثم هاجر إلى فرنسا وأقام فيها.
بدأ أدونيس مسيرته الأدبية في سن مبكرة، ويعتبر من |الشعراء| الذين أثاروا الجدل في |الأدب| بسبب شعره الذي حمل شكلاً جديداً من الإبداع والبلاغة بحيث تجاوز الأساليب التقليدية للشعر، والكثير من قصائده كانت تثير التساؤلات في ذهن القارئ وتدفعه للتفكّر والبحث عن الإجابات، وغالبًا ما كانت هذه الأسئلة حول الثقافة العربية، والتراث.
أصدر أدونيس الكثير من الأعمال الأدبية خلال مسيرته، كما قدّم بعض الأعمال المترجمة، إضافة إلى العديدة من القصائد التي تركت أثرها في الشعر المعاصر وفي أحداث الواقع، وله ديوان شعري مطبوع بعنوان كونشيرتو القدس.
موقف أدونيس من الأديان
كتب أدونيس عن محمد بن عبد الوهاب كما كتب عن الخميني ومن يقرأ ما قرأه يعتقد لوهلة بأنه يمدحهما ويميل إليهما، ولكن عند التعمق فيما كتبه نجد بأنه معجبٌ بالأثر الذي تركه كلٌ منهما في الأمة الإسلامية، فنصف المسلمين اليوم يحكمهم فكر محمد ابن عبد الوهاب، أما الخميني فقد قدّم نموذجاً لتغيير نظام امبراطوري دون استخدام العنف وهذه ظاهرة لم تتكرر في التاريخ، ولكنه يرى بأن إقامة دولة على أسس دينية غير مقبول ولا يتماشى مع الطبيعة الإنسانية الحرة، وهو يعتقد بأنه لا يجوز مطلقاً تدخل رجال الدين كفقهاء عسكريين في السلطة، ومن هذا المنطلق يرى ادونيس بأن الأديان بكل أشكالها وأنواعها يجب أن تبقى تجربة فكرية وثقافية فردية ولا يحق لأحد فرض فكره ودينه على غيره، ولذلك فهو يرفض تماماً فكرة الإسلام السياسي لأنه يرى فيها استغلالاً للإسلام والمسلمين لمصالح شخصية تخدم الحكام والمتنفذّين في بعض الحالات ولكنها غالباً ما تخدم الدول الغربية التي تعمل جاهدةً على إبقاء الأمة العربية والإسلامية غائبةً عن مسرح الأحداث والتطورات العالمية وغارقةً في مشاكلها الداخلية ولذلك فقد دبرّت ودعمت ما يسمى بالربيع العربي.
أدونيس لا ديني ولكنه يحترم جميع الأديان ويرى بأن الدين لا يمكن أن يكون سياسياً ويجب الفصل بين ما هو ديني وما هو سياسي اجتماعي ثقافي لتجنب الوقوع في المهازل التاريخية، وهو يقول: "هل يمكن العيش في المجتمع الإسلامي التقليدي بعد كل تل الثورات والانقلابات الفكرية في العالم؟"، " على المجتمع ان يكون مدنياً "، "الغرب لا يريد للمسلمين ان يتحرروا ويتقدموا"، "نحن محاصرون من الداخل والخارج الذي لا يريد لنا ان نصبح مثله"، "الغرب يريد أناساً مثل الإخوان المسلمين يعطيهم ما يريدون طالما يحققون أهدافه وينقلب عليهم عندما تنتهي حاجته لهم"، "كيف يقبل العرب والمسلمون أن يكونوا مجرد أدوات"، وله الكثير من المقولات المشابهة التي تعكس فكره ونظرته للدين والمجتمع العربي الإسلامي.
|
رحلة في فكر أدونيس تصميم رزان الحموي |
استكمالاً لموقف ادونيس من الأديان فإننا نجده ينتقد بشدة موقف العرب والمسلمين من كل ما يحدث في بلدانهم فمثلاً عندما انتهت الخلافة العثمانية في بداية القرن العشرين قام الغرب بتقسيم العالم العربي دون أن يعترض أي عربي، فنحن \حسب رأيه\ نعيش بلا وطن وحكّامنا مجرد ولاة للغرب.
كذلك يقول أدونيس بأن الإسلام القائم على فكرة القطيع يحتضن إسرائيل والغرب ويدعمها، ويجب إدراك ذلك وتنمية الوعي المعرفي لدى الشباب العربي خاصةً ما يخص السياسة الغربية وموقفها من العرب، أما التيارات السياسية والإسلام السياسي فجميعهم يخدمون الغرب بقصد أو بدون قصد في سبيل الحفاظ على سلطتهم وهم يتناسون كل شيء حتى ذواتهم وأصولهم وهم لا يدركون بأن الغرب لا يحترمهم بل يستخدمهم فقط.
أما ابن تيمية فيرى أدونيس بأنه مجرد جزء من نظام حكم ولابد من تغيير النظام للتخلص من سيطرة فكر ابن تيمية.
الحضارة العربية الإسلامية في فكر أدونيس
يرى أدونيس بأنه يجب التمييز بين ما قدمته الحضارة الإسلامية انطلاقاً من كونها إسلامية بمعنى ما جاء به الإسلام نفسه من قيم ومفاهيم ومعارف، وبين ما قدمه المفكرون الذين عاشوا في ظل الدولة الإسلامية ولكنهم لم ينطلقوا فيما قدموه من أسسٍ إسلامية، ولذلك فهو لا يجد أي مفكرٍ كبيرٍ قدم شيئاً مهماً وكان متديناً، بل يقول بأن معظم أولئك المفكرين كانوا مضطهدين ومحاربين من مجتمعاتهم.
أما نظرة أدونيس إلى المتصوفين والمعتزلة فهو يرى بأنهم قاموا بثورة معرفية كبرى غيرت أشياء جذرية في قلب الإسلام فغيّرت مفهوم الهوية من الهوية الموروثة إلى الهوية المكتسبة من خلال المعرفة والإنجازات، كذلك غيّرت الصوفية مفهوم العلاقة بالآخر الذي يعتبره الإسلام كافراً يجوز قتله وكان لدى الصوفية تجربة كتابية عقلانية ومتحررة من سيطرة الدين.
لا يرى أدونيس الإسلام حلاً ولكنه ليس مشكلةً أيضاً، فالمشكلة هي في الانسان المسلم وفي تأويل الإسلام، وهي مشكلة سياسية مفتعلة في عمقها، لأن الدين الإسلامي اليوم هو أكبر رأسمال للوصول إلى السلطة وجميع السياسيين يتمسكون به كوسيلة للوصول إلى السلطة أو الحفاظ عليها ولكنهم لا يتمسكون به من ناحية معرفية وأخلاقية ولا من ناحية دينية حتى.
كذلك يرى أدونيس بأن المشكلة ليست في النص الديني بل بقراءتنا له، فنفس النص الديني قد يكون جيداً أو سيئاً حسب قراءتنا له فلو قرأناه من خلال القرضاوي لوجدناه سجناً كبيراً يقيدنا ويقتلنا، ولذلك لا يجب الأخذ بأقوال القرضاوي لأنه ليس رجل علم ومعرفة.
من الواضح إذاً بأن نظرة أدونيس إلى الدين لا تعجب أولياء الأمور، ولذلك نجد أعماله وكتاباته ممنوعةً في جميع الدول العربية والإسلامية وهو لم يحصل على أية جائزة رسمية من أية جهة عربية أو إسلامية رغم أنه حصد الكثير من الجوائز العالمية.
|
رحلة في فكر أدونيس تصميم رزان الحموي |
لنتعمق أكثر
كل ما سنقوله في هذه الفقرة هو تجسيد لفكر أدونيس حول قضايا محددة ومقتبس مما قاله في إحدى المقابلات معه:
|الإيديولوجيا| في فكر أدونيس مثل الدين ترى باتجاه واحد فقط ولا تنظر حولها أبداً، وعلى المسلمين قراءة القرآن كخلاصة للثقافات التي سبقته.
أما اللغة فهي |جوهر الشاعر| ومعرفتنا باللغة العربية تضمحل والكثير من الشعراء العرب يخطئون بقراءة أشعارهم وذلك لا نجده في أي بلد من العالم، وإن بعض اللغات لا تمتلك قدرات اللغة العربية، ولكنها تتسع لجميع المعارف رغم ذلك، فالخطأ من أبناء اللغة العربية وليس من اللغة العربية نفسها.
السلطات العربية برأي أدونيس
سلطات قاتلة لأنها سلطات تجارة ومال وعبودية للغرب وتبعية للقطيع، وهناك رغبة عند الشعوب بالتحرر، ولكن على الشباب الراغبين بالثورة على التراث الموروث أن يعمّقوا معرفتهم به من مبدأ اعرف عدوك لكي تعرف كيف تحاربه، أما الجيل الصاعد فهو جيل لا يقرأ وعندما يقرأ فقلما يفهم ما يقرؤه وتلك مشكلة كبيرة فالشباب يريدون التغيير ويحاربون من أجله ولكن عليهم أولاً دراسة وفهم ما يحاربونه فلا أحد يستطيع محاربة ما لا يفهمه.
الربيع العربي انهيار من الداخل وانحطاط بكل المقاييس فهو يأتمر للخارج ولذلك تحول بسرعة إلى ثورة طائفية تقتل على الهوية والهدف منه قتل الشعوب العربية وتدمير أفاقها ومستقبلها وأية فرصة لها نحو مستقبلٍ أفضل، وليس تغيير الأنظمة بل تدمير البلدان العربية والحياة فيها وهذا ما حدث.
المشاريع العربية الفكرية لم تتجاوز مرحلة الفكر ولم تخرج إلى حيز التنفيذ.
الانسان لا يتجزأ والأفكار الجميلة تحتاج إلى مؤسسات تتبناها وتعمل على تطبيقها ويجب أولاً المساواة بين البشر بكل طوائفهم فالعالم العربي مثل الرمل لا يمكن أن يتماسك لعدم وجود نواة يلتف حولها وتربط كافة مكوناته، وتلك النواة لا يمكن أن تتشكل بدون وعي ومعرفة.
الجامعة العربية لا تفعل شيئاً منذ تأسيسها
وهي أصلاً إنتاجٌ غربي لتكون بديلاً للوحدة العربية وإذا تابعنا كل الجرائم التي وقعت بحق الأمة العربية فنجدها لم تفعل سوى الإدانة والشجب والتنديد.
السلطات العربية موظفة عند الغرب مرهونة لإرادته وتأتمر بأوامره ولا تمانع تقديم كل ما يطلبه منها لتحافظ على وجودها وسيطرتها حتى لو ضحت بشعوبها وبلدانها.
|الشعر العربي| ظاهرة اجتماعية وليس فناً إبداعياً فهو غالباً ما كان لمدح السلطان وهجاء أعدائه رغم أن الشعر هو كل ما يملكه العرب لمجاراة العالم، ومع ذلك لا يوجد أي كتاب عن اللغة الشعرية العربية وجماليتها.
الموت ظاهرة طبيعية وجميع الكائنات ستموت والموت يجلس في أحضان الحياة ولذلك فلا مشكلة لأدونيس مع الموت والمهم هو كيف تحيا وليس أن تحيا أو تموت.
لا توجد ديمقراطية في العالم إلا في الدول الإسكندنافية، بل تم تحريفها لخدمة مصالح الحكام فالديمقراطية الحقيقية يجب أن تُعاش وليست مجرد شعارات ونصوص مكتوبة.
النظام الأمريكي الذي يدعي الديمقراطية قام على جثث السكان الأصليين وهو الوحيد الذي دمّر شعوباً وبلداناً واستخدم القنبلة النووية.
الفن عموما والشعر خاصةً هو أعلى تعبير عن الهوية الإنسانية وكينونته، وهو قادر على تغيير صورة العالم وهو أساس الحقيقة وليس الأيديولوجية التي لا تمتلك أي أفق وهي تدمر الانسان وتحوله إلى مجرد شيء.
وجود وزيادة المسلمين في الغرب يثير المشاكل التي يستغلها بعض الحكام لمصالحهم، ولا يتم النظر إليها بمنظار موضوعي فهم لا يحترمون الآخر ولا يعترفون بحقوقه.
|
رحلة في فكر أدونيس تصميم رزان الحموي |
مَن مِن المفكرين تأثر بهم أدونيس
الفيلسوف اليوناني هيرقليطس هو أكثر من أثّر في |فكر أدونيس| خاصةً من خلال مقولته "إنك لن تعبر النهر مرتين" فالعالم متحرك باستمرار وما نراه اليوم يتغير غداً والعالم أفق مفتوح إلى ما لانهاية والإنسان يأتي من المستقبل ولا يأتي من الماضي والإنسان يخلق هويته وفكره وعمله لأنه مبدع كل تلك الأفكار وغيرها الكثير نجدها في كتابه الشهير "|الثابت والمتحول|".
أما نيتشه فيرى أدونيس بأن هدم البنى الدينية الغربية متمثلة بالكنيسة.
كذلك تأثر أدونيس بفكر اسبينوزا واعتبره أول من خرج على مفهوم الدين اليهودي فطرده اليهود.
أدونيس يحب ابن الروندي لشجاعته رغم أن ما بقي من أعماله ليس إلا ما رد عليه المسلمون، وأكثر ما يدل على شجاعته قوله: إذا جاء الوحي بعد العقل فالإنسان لا يحتاج إلى الدين، والدين هو ابتكار إنساني لأنه لم يظهر إلا بعد آلاف السنين من وجود الإنسان وتطور فكره.
كل فكر ديني هو تحجيم وتقزيم وقتل لحيوية العالم.
ليس لدى العرب أي مفهوم للوطن بل لديهم مفهوم السلطة الحاكمة والفراغ الجغرافي ولكن الوطن عند أدونيس هو الإنسان ولا وجود للوطن بدون مواطن، وهو يستشهد بما قاله الامام علي بن أبي طالب "ليس بلدٌ أحق بك من بلد، خير البلاد ما حملك".
|الشعر الجاهلي| عظيم ولا يهم إن كان منحولاً أم لا.
من أجمل ما قاله أدونيس
"يستحيل التعبير عن الشيء بل عن جوانب منه، فالإنسان لو قال ما قاله مرةً أخرى لقاله بشكلٍ آخر".
" نحن نعيش في قبور".
"نحن أمواتٌ يحكمنا الأموات"
رسالة أدونيس إلى الجنس البشري:
"لا تطع أباك" هذا حرفياً ما قاله أدونيس في إحدى المقابلات، وهو هنا لا يقصد الأب البيولوجي بل يقصد السلطة بكل أشكالها، ثم أضاف "اخلق نفسك بنفسك".
آخر ما كتبه أدونيس هو آدويادا ويعمل اليوم على كتابة سيرته الذاتية.
هذا باختصارٍ شديد غيضٌ من فيض ما أبدعه أحد أهم رموز |الفكر العربي| سواءٌ اتفقنا معه أم اختلفنا فرأينا لا يغير شيئاً في قيمته.
أرجو مشاركة المقال إذا نال إعجابكم.
بقلمي: سليمان أبو طافش
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك