|
ما القصة التي تخفيها علبة الكبريت -الجزء الأول تصميم وفاء المؤذن |
العراق بلد الرافدين، تدور أحداث قصتنا الممتعة اليوم في هذه العاصمة، وتحديداً بعام 1992، لشاب يدعر (سيرميد) وهو طالب في كلية الهندسة، يوجد لصديقنا أخ أيضاً يدرس في كلية الهندسة، والاثنين يدرسان إلى الأن ولم يتخرجوا.
في هذا التاريخ حدث في عائلتهم عزاء
لفتاة تبلغ من العمر13 ربيعاً، تعرضت للدهس من قبل أحد الشبان وعلى أثره فارقت الحياة على الفور، وطبعاً من باب القرابة التي تربطهم بالفتاة (من طرف الأم) ذهب كلاً من سيرميد وأخاه وأباه لتأدية الواجب، جلس الثلاثة بمجلس العزاء يقومون بمواساة والد الفتاة.
قام سيرميد من المجلس وتوجه لمنزل الفتاة لرؤية والدتها، وحثها على الصبر بوفاة طفلتها، بالفعل توجه إلى المكان المقصود وقابل الأم المنهارة، بدأ بتخفيف الألم عنها والطبطبة على يديها لتهدئتها.
هم الشاب بالخروج والعودة إلى والده وأخاه، ولكن قبل أن يذهب لفت انتباهه فتاة تنظر إليه بنظرات غريبة وترمقه من بعيد، و أي حركة يقوم بها تلاحقه بنظراتها وعلى وجهها ابتسامة خفيفة، على الرغم من أن الشاب لم يكن لديه أي مشاكل أو علاقات نسائية، فقد كان من هؤلاء الشبان المحافظين على تحصيل علمهم فقط.
لكن مع أنها لحظات معدودة التي رأى فيها سيرميد الفتاة إلا أنه أحس بشيء من |العاطفة| تجاهها، فهو بمقبل العمر ومشاعره طرية ويحتاج إلى هذا النوع من الاهتمام، ما هي إلا لحظات من هذه الحركات إلا وقد تذكر الشاب أنه بمنزل العزاء، وأن الأمر لا يمكن أن يتم في هذا الوضع الحرج، وعلى الفور توجه إلى الباب الخارجي وغادر إلى مجلس عزاء الرجال.
لكن ومن كل الأخلاق الحميدة والرقي إلا أن ذهنه بقي عند الفتاة الجميلة، فما كان منه إلا أن قال لأخيه أنه قد ذهب لوالدة الفتاة المتوفاة وخفف عنها ولو بالكلمات، وهنا أصر سيرميد أن يعاود الذهاب إلى منزل الفتاة ليتمكن أخيه أيضاً من رؤية الأم، والتحدث إليها والآخذ بخاطرها.
لكن نوايا سيرميد لم تكن كما هو واضح لدينا ابداً
فهو يريد أن يعاود رؤية الفتاة التي |سلبت قلبه| وعقله ببضع نظرات بعيدة، فمنذ أن رآها وقد تشتت أفكاره ولا يستطيع فعل شيء إلا التفكير بها.
هذه المرة جهز الشاب نفسه جيداً لهذه |النظرات|، وقام بكتابة رقم الهاتف الخاص به على ورقة، وغايته هي عند رؤية الفتاة أن يرمي لها بالورقة، أو أن يقوم بتسليمه باليد.
فتلك الأيام كان الحب يتم بطرق مخفية ولا يدري بها أحد، أما اليوم انتشار وسائل التواصل الاجتماعي سهلت عملية الحصول على أي معلومة نريدها، فنرى العشاق منتشرين عليها من دون أي خجل.
|
ما القصة التي تخفيها علبة الكبريت -الجزء الأول تصميم وفاء المؤذن |
تحولت مشاعر الحزن والأسى على الفتاة المتوفية إلى مشاعر يمكن أن يقال عنها إعجاب أو بداية |حب| بالنسبة إلى الفتاة وسيرميد.
ولكن أيً كانت الطريقة التي سيوصل بها الشاب الرقم للفتاة، لا بد أن تتم بسرعة ومن دون أن يراه أحد، فيعتبر حينها أنه يقوم بمعاكسة الفتاة وتحصل مشكلة كبيرة.
فما كان من سيرميد إلا أن قام بوضع القصاصة الورقية التي تحوي الرقم داخل علبة كبريت فارغة، توجه الأخوين إلى المنزل وعلى الفور الأخ الكبير سأل عن والدة الفتاة وجلس بجوارها لمواساتها، أم صديقنا سيرميد عاد هو والفتاة الى |تبادل النظرات| والابتسامة الصغيرة مرسومة على وجه كلاً منهما.
وضع الشاب علبة الكبريت بمتناول يديه
واستغل الفرصة التي نظرت بها الفتاة إليه، فما كان منه إلا أن بدأ بالإشارة لها محاولاً توصيل فكرة أنها تحوي على أمر يخصها، وبالفعل تمت العملية بنجاح وفهمت الغاية التي يريد سيرميد الوصول إليها.
فهذه الطريقة كانت من الطرق المتبعة بتلك الأيام، لذلك الأمر لم يكن بالصعوبة الكبيرة لكلا الطرفين، هزت الفتاة رأسها معلنة بذلك موافقتها على |طلب الشاب|، الذي قام برمي هذه العلبة تحت الكرسي الجالس عليه.
ومن ثم وبعد بضع دقائق هم الشابين بالمغادرة والعودة إلى والدهما الذي ينتظرهما، وغادر الجميع إلى المنزل.
تلك الليلة لم يعرف النوم طريق لعيني سيرميد
والتفكير بتلك الفتاة هو الشعور الوحيد المسيطر عليه، ينتظر اتصالها بفارغ الصبر، الهاتف الثابت (لأنه وبتلك الفترة لم يكن هناك اختراع يسمى هاتف محمول) لم يسقط من يديه أبداً، خوفاً من أن يقوم أحد من أفراد العائلة بالرد على الفتاة.
بالفعل بدأت الفتاة محاولات الاتصال المتكررة، وفي كل مرة لا تسمع صوت سيرميد فيها تغلقه على الفور، وأخيراً جاءت اللحظة المنتظرة.
ففي أحد الأيام بينما كان سيرميد يجلس بمفرده بالمنزل يطالع بالتلفاز، وإذ بالهاتف يرن تثاقل بالبداية بالرد لأنه كان مندمج بمتابعة فيلمه المفضل، ولكنه ومع هذا قام بالرد وإذ بصوتها يأتيه من الجهة المقابلة، هنا انفرجت أساريره وبدت |الابتسامة| بعرض وجهه.
صديقتنا الجميلة الرقيقة تدعى (إخلاص)، بدأ بمحادثتها ولامها على التأخير وأنه لم يعد قادر على الصبر، يكاد قلبه ينفطر من شدة اشتياقه لها، وهي أيضاً بادلته بنفس الكلمات وبنفس المشاعر.
مرت الأيام والعلاقة بتطور مستمر، فلم تعد إخلاص ولا سيرميد إمضاء ولو ساعة من دون أن يقوما بالتحدث وأخبار بعضهما أدق التفاصيل عما جرى بيومهم المعتاد.
بالمختصر أصبحت حياة كل منهما معتمدة على سماع صوت الأخر.
|
ما القصة التي تخفيها علبة الكبريت -الجزء الأول تصميم وفاء المؤذن |
بداية شعور بالغرام والولهان
دقات قلب متسارعة، أخبار لا تنقطع على مدار الساعة، احاسيس يملئها الحنان، ودقائق انتظار تفقد منى احتمالية التأخير، جميعها لحظات كان يعيشها كلاً من إخلاص وسيرميد.
وجاءت لحظة الحقيقة الأن، بأحد المكالمات الهاتفية طلبت الفتاة من هذا الشاب اللقاء، فهي لم تعد تحتمل أن تكون علاقتهما مبنية على المكالمات، لم يمانع بالطبع صديقنا بل العكس فرح فرحاً شديداً فهو بانتظار هذه اللحظة.
اتفقا على مقهى بعيد قليلاً عن المدينة ليتمكنا من الجلوس فيه من دون أن يراهما أحد، حيث كان سيرميد وأخيه لديهم سيارة مشتركة، الذي يكون بحاجة لاستخدامها يستقلها، فقد كان الشاب من عائلة ذو وضع مادي جيد تقريباً.
ففي بعض الأحيان كان يذهب للقاء الفتاة بسيارته وأحياناً يستقل الميكروباص الخاص للتنقل، فمع أنه من عائلة نوعاً ما ثرية ولكن أبيه كان يريد أن يعتمد على نفسه، فلم يكن يتيح له ما يريد.
وبذاك الوقت كان حتى الميكروباص قليل جداً، فالعراق تشهد حالة حرب وحصار اقتصادي، سيرميد مستعد لتحمل أي عذاب يواجهه بهدف |اللقاء بالفتاة|، فكان يخرج قبل بضع ساعات من لقاءهما لعدم التأخر عليها.
بلقاء اليوم صارحته إخلاص
قائلة له: أنه شاب تستهويه أي فتاة فهو رجل بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، خلوق ومن عائلة معروفة بالمدينة، يسعى لتحصيل مستوى جامعي مرموق، محترم إلى أبعد حد ممكن، ولكن هذا لا يكفي فها نحن ستصبح علاقتنا عمرها بضع أشهر، ولم تتطور إلى أكثر من الكلام واللقاءات الخفية، فهي تريد |علاقة رسمية| مكللة نهايتها بالزواج.
بالفعل لم يتوانى سيرميد ولا للحظة فذهب على الفور لوالدته وأخبرها برغبته بالزواج من هذه الفتاة، بحيث تتم الخطبة حالياً بشكل رسمي من والديها ويتم |الزواج| بعد الانتهاء من المرحلة الجامعية.
لكن والدته صارحته أن الوقت غير مناسب لأي ارتباط، فالحرب تعلن أوزارها بالمنطقة، والوضع المادي بتدهور، فطلبت منه تأجيل هذه الفكرة لفترة زمنية قصيرة لحين استقرار الأوضاع.
ولكن ومع هذا الشاب رفض وبدأ بترجي والدته بالموافقة هي أولاً ومن ثم مفاتحة والده واخباره عما يرغب به سيرميد، فقالت له أمه: أنت متى رأيت الفتاة؟ وكيف تم التعرف اليها؟ فهل هي من أحد الأقارب أم زميلة لك في الكلية؟
فحدثها وقص عليها ما جرى، وكيف تعرف على إخلاص، وأنه من اللحظة التي رآها في العزاء وهي قد سلبت قلبه، فهو يريد فعلاً الزواج منها وتأسيس عائلة معها، فقالت له ما اسمها؟
جاوبها سيرميد باسم حبيبته التي يحلم أن يبقى معها بمنزل واحد، وأنها من العائلة كذا ووالدها كذا، عندما سمعت الأم باسم الفتاة كادت دقات قلبها أن تقف.
|
ما القصة التي تخفيها علبة الكبريت -الجزء الأول تصميم وفاء المؤذن |
فهل يا ترى ستوافق أم سيرميد على جعل إخلاص زوجة لأبنها
مع كل الأحلام التي كان يحلم بها سيرميد وإخلاص، إلا أنه عندما جد الجد وأصبح الأمر أن يصبح رسمي وعلى أعين الناس، واجهتهم المشكلة التي سنتمكن من معرفة إن كانت ستؤدي لانتهاء علاقتهما أم أنها ستعبر ولن تأثر عليها.
اشتعلت الأم غضباً من الفتاة التي ترك أبنها جميع فتيات المدينة واختارها، والسبب الذي قصته على سيرميد أن الفتاة من عائلة معروفة بالمدينة بكثرة مشاكلها، وأغلب رجال هذه العائلة متهمين بجرائم قتل وسرقة وغيرها، حتى الفتاة بنظر والدته أنها لم تكن بالقدر الكافي من الجمال لتزوجها لأبنها.
فقال لها سيرميد بلهجة صارمة أن الأذواق تختلف من إنسان الى أخر، وأنه يرها ملكة بجمالها بنعومتها، وهو مصمم أن تكون هذه الفتاة هي الزوجة المستقبلية التي يقضي باقي عمره معها.
بقيت الأم على موقفها وهددت سيرميد إن تزوجها فلن يبقى بهذا المنزل ولو لثانية واحدة، سيصبح حُر طليق يعمل لوحده ويعيش بعيداً عن عائلته، ويحرم من ميراث أبيه، ولن تكلمه أبداً لا هي ولا والده ولا أخوته.
ترك والدته واتجه على الفور إلى والده، وقص عليه ما يرجى أن يوافق عليه، ولكن الإجابة واحدة فوالده أيضاً قابله بالرفض الشديد، وأنه صغير على تحمل المسؤولية، فهو لم يتخرج من الجامعة بعد، ولم يقم بتأسيس نفسه، حتى أن الخدمة الإلزامية المكتوبة على كل شاب بالبلاد العربية لم يؤديها بعد، فالطريق أمامه طويل لاتخاذ مثل هذه الخطوة.
ومن تلك الليلة بدأت المشاكل تكثر وتكبر
ما بين سيرميد وعائلته، محاولاً بهذه التصرفات أن يقوم بالضغط على عائلته للموافقة، فهنا خطر لوالدته الفكرة التالية وذهبت الى ولدها لتمهدها له فقالت:
إن كانت هذه الفتاة فعلاً تريد أن تتزوجك وأنها تكن لك كل مقدار |الحب| الذي تكنه لها، فقل لها أنك بعد الانتهاء من المرحلة الجامعية والقيام بأداء الخدمة الإلزامية (التي مدتها عام ونصف)، أقوم بالتقدم لك وبشكل رسمي بوجود عائلتي كلها، ولكن قبل هذه الفترة من المستحيل أن يتم الأمر، فإن وافقت فأعدك بعد أن تتعدى هذه الفترات سأتوجه شخصياً لطلبها.
بعد أن أحس سيرميد أنه الحل الوحيد، وأن أهله لم يوافقوا على غيره، قال لها موافق وسأخبر إخلاص به، وفعلاً توجه الى الهاتف الثابت وطلب رقم منزل إخلاص وانتظر الرد، وما هي إلا ثواني حتى أتاه الرد منها وظهر صوتها الناعم فطلب رؤيتها على الفور ليتناقش معها بما وصل إليه من مستجدات مع أهله.
تواعدا بعد ساعة من الأن وبالفعل ذهب الشاب فوجد الفتاة بانتظاره، ومن دون أي مقدمات أخبرها بما اقترحت عليه والدته، وأنه الحل الوحيد لاستمرار علاقتهما.
فهل ستوافق إخلاص على الشروط التي وضعتها عائلة سيرميد للتقدم لها، سنتابع في
الجزء التالي.
بقلمي: آلاء عبد الرحيم
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك