|
هل الحلاج هو شهيد العشق الإلهي أم هو مدعي الألوهية - الجزء الثاني تصميم وفاء المؤذن |
رأي المؤرخين والباحثين في فلسفة الحلاج
تحدثنا في الجزء السابق عن فلسفة الحلاج في تفسير جملته ( أنا الحق ، أنا الله ).
إن فلسفته قد جعلت كثير من المؤرخين و|الأئمة| يخطؤون في الحكم عليه، وهذا لأنهم رأوه يدعي |الألوهية| أو على الأقل يدعي أنه مرسل من عند الله.
- ولهذا السبب قال عنه الإمام الصوفي " |عبد القادر الجيلاني| " الملقب بسلطان الأولياء من ألف سنة : أرى أن الحلاج قد تعثر في حياته ولم يوجد في زمانه من يأخذ بيده، ولو أدركته حينها لكنت أخذت بيده.
- والإمام الصوفي " |أبو الحسن الشاذلي| " مؤسس الطريقة الشاذلية قال عنه : أكره من العلماء تكفير الحلاج ومن فهم مقاصده فهم مقصدي.
- أما الإمام " |ابن خفيف| " فكان يذكره بالخير دائماً، ويعتقد أن كل الذي يقال عنه هو مجرد تشويه في سمعته، وقال في النص :
" الحسين ابن منصور الحلاج " هو عالم رباني لكن الغريب أن عدد من الأئمة والمؤرخين مؤمنين بغير ذلك، ويرونه ملحد ويستحق الإعدام والقتل ودمه مباح لخروجه عن الإسلام.
كيف قتل الحلاج
- بعد انتشار أفكار الحلاج في جميع أنحاء الدولة العباسية، سمع عنه الوزير " علي ابن أبي عيسى " فقبض عليه بتهمة الزندقة والفجور وادعاء الربوبية، لكن الحلاج دافع عن نفسه وشرح أفكاره التي يرى أنها لا تتعارض مع |العقيدة الإسلامية| التي اجتمع عليها المسلمين، لكن الوزير لم يقتنع بكلامه وأمر بصلبه في ساحة السجن، وكل يوم تدخل الحراس عليه ويسألوه هل مازلت مؤمن بنفس هذه الأفكار الغريبة أم تبت عنها ؟ فكان الحلاج يتمسك برأيه أكثر ويصمم على مذهبه الصوفي، وظل ينتقل من سجن لآخر لسنين طويلة إلى أن استقر في سجن دار السلطان، وحينها لوحظ عليه أنه يستقطب الأشخاص المسجونين معه.
|
هل الحلاج هو شهيد العشق الإلهي أم هو مدعي الألوهية - الجزء الثاني تصميم وفاء المؤذن |
بالإضافة إلى استمالة الحراس لكي يتبنوا أفكاره وفلسفته لدرجة أنهم بدأوا يتغنوا بأشعاره وقصائده، وعندما وصل الخبر للخليفة العباسي |المقتدر بالله| أمر بتسليمه إلى " حامد ابن العباس " لكي يحاكمه ويقتله، فجمعه حامد مع أصحابه أمام القاضي وحكم عليه بأنه يجلد ألف جلدة وبعدها تم تقطيع أطرافه الأربعة، وبعد ذلك ذبحوه وعلقوا رأسه وأطرافه على سور الجسر الجديد أمام العامة لفترة، وبعد ذلك حرقوا جثته قبل أن يدفنوها في قبر صغير بحي الكرخ في مدينة بغداد، والذي زادت مساحته بعد سنين طويلة وتحول في النهاية إلى ضريح.
والغريب أن أتباعه مازالوا مقتنعين بأنه على قيد الحياة، واعتقدوا أنه حدث معه كما حدث مع سيدنا عيسى عليه السلام، وأنه شبه لهم لا أكثر.
لكن هل هذا هو السبب الذي قتل من أجله
* وهل تمت تصفيته والتنكيل بجثمانه وتشويه سمعته لأسباب دينية ؟
* أم أن للأمر أبعاد أخرى ؟
- الحقيقة أن عدد من المؤرخين والباحثين سلط الضوء على جزئية مهمة جداً في حياة الحلاج، وهي أنه كان شاعر متصوف لأقصى درجة، ولكن كان مختلف عن باقي الصوفيين المعاصرين له ومناهجهم الصوفية، والتصوف هو مذهب إسلامي أو أحد المراتب الإيمانية، بمعنى أصح هي مرتبة تهتم بإحسان مقام التربية والسلوك لتهذيب النفس والقلب، وتطهيرها من الرزائل عن طريق جهاد النفس فقط.
ما هي الصوفية
الصوفية هي علم يسعى لتهذيب النفس وترقيتها والوصول بها لأعلى درجات السمو والارتفاع، ولذلك نجد الصوفيين يبعدون عن مخالطة الناس بكثرة ويميلون أكثر للعزلة، لكن الحلاج كان متصوف مختلف عن باقي الصوفيين، ويرى أنها لا تقتصر على تهذيب النفس فقط، بل كان مؤمن بأهمية الجهاد ضد الظلم والفساد بصفة عامة، خاصة الجهاد ضد الطغاة والمتكبرين.
|
هل الحلاج هو شهيد العشق الإلهي أم هو مدعي الألوهية - الجزء الثاني تصميم وفاء المؤذن |
الحقبة الزمنية التي عاش فيها الحلاج
وفي الحقبة التي عاش فيها انتشر الظلم على بعض العباد، لدرجة أنه قامت حركات ثورية وانقلابات ضد الحكم من كرامتها وذوي البشرة السمراء، وهؤلاء كانوا عبيد تم جلبهم من أفريقيا ومناطق أخرى، وكانوا يعملون في مناجم الملح تحت ظروف سيئة وصعبة جداً، بالإضافة إلى العديد من أعراف مختلفة، إضافة إلى العرب الأحرار والفرس وغيرهم الكثير من الذين وقع عليهم الظلم البين، فقاموا بثورات استمرت لأكثر من ١٤ سنة، ونتج عنها عدد كبير من المجازر التي تسببت في وفاة أعداد كبيرة منهم، إلى أن تم إخماد هذه الثورات والحروب على يد السلطة أخيراً.
سبب قتله الحقيقي
والحلاج كان واحد من الذين دعموا هذه الثورات، وأرسل أكثر من مرة إلى الحاكم لكي يرفع ظلمه عن العباد، إلى أن تم القبض عليه وظل مسجون لمدة تسع سنوات، عاشها كلها في نضال مستمر داخل سجن وظل يخطب في المسجونين ويدعمهم ويخطب فيهم ويوعدهم إلى أن تمت محاكمته بشكل فوري على يد القاضي أبو عمر المالكي في ستة وعشرين من مارس عام ٩٢٢.
وحينها أعلن القاضي بأنه |كافر| وأباح قتله، وأمر بصلبه في ساحة السجن وضربه بالكرابيج ألف جلدة، وبعد موته أمر بتقطيع أطرافه الأربعة وذبحه وحرق جثته، وفي النهاية توفي الحلاج بعد أن ترك تركة أدبية عظيمة تتمثل في قصائده التي يتغنى بها الناس إلى الآن، وسوف تظل سيرته باقية رغم اتهامه من قبل عدد كبير من الأئمة والمؤرخين بأنه ملحد و|زنديق|، ووصفه بعض الناس بأنه ساحر ومشعوذ على حد زعمهم، وبالرغم من ذلك إلا أن عدد كبير من الباحثين يحاولون حتى الآن أن ينصفوه ويأكدوا أنه ضرب أروع مثال في |العشق الإلهي|، لكن أسيء فهمه للأسف، وأصبح ضحية الوقوف ضد الظلم والإستبدادات، فقتل لأسباب سياسية دينية ..
فلا أحد يعلم هل كان كذلك ..! الله وحده أعلم ...
بقلمي: رهف ناولو
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك