قصة الأرض التي قتلت صاحبها -الجزء الثاني تصميم وفاء المؤذن |
طيف كان لديها إحدى الصديقات التي تعمل على الحدود بين قطر والسعودية
بمعبر "أبو سمرة الحدودي"، اتصلت بها وأخبرتها أن أخيها سيعبر الحدود خلال الأيام التالية، وقالت لها باستعطاف أنها قلقة عليه مدعية كذباً بأنه يعاني من بعض الأمراض، لذلك تريد أن تخبرها بأنه غادر الحدود عندما يحين وقت السفر.
وبالفعل وافقت صديقتها لأنها تريد تسديد خدمة لطيف، وباليوم المحدد اتصلت بطيف وأخبرتها أن أخيها للتو قام بعبور الحدود برفقة أحد أقاربها، وبنفس اللحظة أغلقت طيف الهاتف مع صديقتها وقامت بإجراء اتصال مع رشيد.
فقالت له أن أخيها بعد بضع ساعات يكون قدّ وصل الى الأراضي السعودية، وهنا تهيأ رشيد وغادر قطر على الفور، وعندما وصل إلى السعودية أجرى اتصال من رقم سعودي على هاتف أخو طيف.
أخو طيف حاول الاتصال عدة مرات مع رشيد على الرقم الذي تواصل به معه
قبل عدة أيام ولكن من دون فائدة، فرشيد عَمِد إلى إغلاق خطه الدولي القديم، عندما اتصل به من الخط السعودي قال لهم معتذراً، أنّه موجود بمنطقة نائية ولا يوجد بها الكثير من أبراج الاتصالات، لذلك فإن شبكة الهاتف تأتي وتذهب فوراً.
وأدعى أنَّ سيارته معطلة وفريق الإصلاح سيحتاج إلى ساعات من أجل الوصول إليه، وطلب قائلاً: بما أنكم على المعابر الحدودية فأنا بمنطقة قريبة منكم، أريد أن تأتوا وتأخذوني معكم بسيارتكم.
في بداية الأمر استغرب أخو طيف من الكلام، ولكن نظراً إلى أنَّه أتى من قطر إلى السعودية فقط من أجل هذا الموضوع ولا يوجد أي عمل أخر يقوم به فوافق، واتفقوا أن يذهبوا جميعاً إلى شرق السعودية لمنطقة الإحساء ليروا الأرض.
استدل الشاب وقريبه على منطقة وجود رشيد
وإذ بمنطقة برية صحراوية، لا يوجد بها أي شخص ولا حتى أي نوع من الحيوانات، فهي بعيدة جداً عن المدينة.
أخذ الأمر أكثر من ساعة حتى تمكن أخو طيف والشاب الأخر للوصول إلى رشيد، الذي تعمّد على أخبارهم بالطريق الأبعد والأكثر عرقلة من أجل أن يصعب عليهم أمر الهروب بحال فشلت الخطة.
عندما وصلا الشابين أخيراً إلى تلك |الأرض الصحراوية|، ترجلا من السيارة عندما رأوا سيارة رشيد، وهنا كان رشيد قدّ جهز سلاحه الناري بانتظارهم، وفور خروجهم من باب السيارة وجهّ إلى أخو طيف عدة طلقات أدت إلى رميه على الأرض مفارقاً الحياة على الفور.
فهل سيتمكن رشيد من |قتل الشاب| الاخر أيضاً؟
قصة الأرض التي قتلت صاحبها -الجزء الثاني تصميم وفاء المؤذن |
فبعد أن أقدم على إطلاق النار على أخو طيف، صُدم الشاب الأخر من سرعة الموقف ووقف متجمد الدماء، فهنا استغل رشيد هذا الأمر وتوجه إلى سيارته وأطلق النار عليه مباشرةً، ومن ثم غادر |موقع الجريمة| على الفور قبل أن يتم اكتشاف أمره.
الله دائماً يمهل ولا يهمل
فعلى الرغم من أن الشاب الثاني تعرض إلى بعض الطلقات القاتلة والمميتة، إلا أنّ الله دبَّ الروح والنبض به من جديد، فبعد عدة ساعات استفاق من غيبوبته ولم يفارق الحياة.
الدماء قدّ ملئت المكان والشاب يشعر ببضع الدوار والصداع برأسه، ومع هذا استجمع قواه وقاد سيارته بصعوبة حتى وصل إلى الطريق العام، ومن ثم خرج من سيارته واستلقى على الأرض.
الناس يمرون من أمامه ويشعرون بالذهول فالأمر واضح أنه خطير
ولكن الدنيا لم تنتهي بعد وليس كل الافراد يحملون الخبث بداخلهم، فمرّت سيارة بها بعض الشبان اليافعين واستوقفهم منظر هذا الشاب.
قام أحدهم بالاتصال بالإسعاف وبأقرب مركز للشرطة وتم نقل الشاب إلى المستشفى، وقبل أن يفقد وعيه من جديد قام بالتلفظ بكلمات تكاد أن تكون غير مفهومة.
فأدلى لهؤلاء الشبان بمواصفات الرجل (رشيد) الذي أطلق النار عليه، وأخبرهم عن الشاب المقتول ضريح الأرض الموجود بالصحراء، وبعض التفاصيل عن سبب قدومهم من قطر، وأهم تفصيل قام بالكشف عنه قبل أن يغمى عليه، أن هذا الشاب يقود سيارة نمرتها سعودية وليست قطرية.
أتت الشرطة وحاوط رجال الأمن المكان، وتمَّ أخبارهم من قبل الشبان بهذه الأمور، وبالفعل قامت الوحدات الأمنية بالاستنفار وتمَّ تعميم مواصفات هذا الشاب وسيارته على جميع المنافذ الحدودية وداخل الأراضي السعودية.
وأمر الضابط الذي تولى القضية بعض الرجال بالتوجه إلى مكان حدوث الجريمة بمرافقة الطبيب الشرعي والأدلة الجنائية من أجل الحصول على بعض المعلومات.
وإذ بالمفاجأة فقد تمَّ إيجاد شريحة هاتف ملقاة على مقربة من مكان وقوع الجريمة
وهي نفس الشريحة التي استخدمها رشيد لإجراء المكالمة، ومن هنا تمَّ الكشف عن هوية المجرم الحقيقية، رشيد قرر أن يعود بنفس الليلة إلى قطر من أجل أن يبرر غيابه عن الأراضي السعودية بحال تمّ التحقيق معه، لذلك توجه إلى الحدود ظناً منه أنّه سينفد بفعلته الشنيعة تلك.
وتفاجئ بأن الأمن كانوا بانتظاره، وفوراً تمّ إلقاء القبض عليه ووضعه بسيارة الشرطة للتوجه إلى مركز الأمن، وقبل وصولهم إلى المركز تمَّ أخبار الضابط أنّ الشاب الذي نُقل إلى المستشفى قدّ |فارق الحياة| بسبب إصاباته الخطيرة.
فما الذي سيحدث من رشيد وطيف بعد أن اُكتشف أمرهم؟
قصة الأرض التي قتلت صاحبها -الجزء الثاني تصميم وفاء المؤذن |
تم التواصل ما بين الحكومة السعودية والقطرية
وإعلام السلطات الأمنية بهذه الجريمة، التي ذهب ضحيتها شابين بمقبل العمر، وتم إعطاء جميع التفاصيل الخاصة بطيف، وبالفعل توجهت سيارات الأمن إلى المنطقة المذكورة واُلقيَ القبض على الفتاة.
وبعد عرض القضية على القاضي تمَّ إصدار الحكم على الشاب رشيد غيابياً، والحكم عليه بالإعدام رمياً بالرصاص لأنه تسبب بجريمتين قتل عمد، أما طيف تمّ إصدار حكم السجن بحقها لمدة 15 عاماً واعتبارها المحرّضة الأساسية لهذه الجريمة، ومن ثمَّ تم تشديد العقوبة بإضافة 7 سنوات على الحكم بسبب قيامها بالفاحشة والزنا مع رشيد.
وتنفذ |حكم السجن| على رشيد بالسعودية إلى حين نقله إلى دولة قطر، وطيف أيضاً أُدخلت إلى السجن من أجل تنفيذ محكوميتها، وبعد أن أخذت هذه القصة أصداء على مستوى واسع.
تدخل الرأي العام
وأصبحت هذه القضية ترند على أغلب مواقع التواصل الاجتماعي ببداية عام2017، حتى أن بعض الشبان والفتيات المتعاطفين مع المجرم رشيد، أَطلقوا هاشتاغ اسمه #اعتاق رقبة رشيد من الموت.
ولكن بعض الحالات غير مستثناة من الرحمة والتعاطف، فهذا قتل عمد عن سابق إصرار وترصد، وليس كمواضيع الميراث مثلاً بين الأخوة وتدخل الشيطان وتحريضهم لقتل بعضهم، ولا كموضوع الخلاف بين الأصدقاء على أمر كبير ومعقد أدى إلى فقدان صواب أحدهم ودخوله بحالة هيسترية وقتل الأخر.
الأمر هنا مختلف تماماً قتل شابين بعد استدراجهما من دولتهم إلى دولة أخرى، والتسبب بموت شخص أخر بريء لا حولَ له ولا قوة، من أجل الحصول على |العشيقة| والميراث.
هنا نرى أن الأمر لا يحتمل النقاشات لا الشرعية ولا القانونية من أجل الدفاع عن هذا المجرم الذي غرته شهوات الدنيا، ولكن من الممكن أن هذه الحملة حصلت كدافع إنساني لا أكثر ولا أقل.
بعد الكثير من المناقشات وتدّخل كبار المسؤولين
من الدولة القطرية والسعودية، تمَّ الموافقة على |دفع ديّة| قيمتها (30 مليون ريال قطري)، ومن ثم خرج رشيد من السجون السعودية بعام 2019.
ولكن إن نظرنا إلى المفارقة الغريبة والتي ستذهلك، أنّ طيف ما زالت إلى اليوم مسجونة بقطر من أجل تنفيذ (21 سنة) محكوميتها كاملة كمحرضة فقط، أما رشيد تمّ الإفراج عنه بعد أن تمَّ الصلح وأخذ الديّة بعد سنتين فقط من ارتكابه الجريمتين.
وبنهاية القصة نرى أن طيف هي الخاسرة الوحيدة، فقد خسرت سمعتها وأخيها وعشيقها وتم سجنها، أما رشيد خرج مثل الشعرة من العجين، فمهما جار عليك أهلك وعائلتك تأكد أنهم أرحم من الدنيا عندما تجور.
آلاء عبد الرحيم
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك