كيف تحول هذا القاتل إلى بطل شعبي في الصين؟! تصميم الصورة : ريم أبو فخر |
تدور الأحداث في عام ٢٠١٥ بطل القصة يدعى أووجين جونج
يبلغ من العمر ٥٥ عاماً، يعيش في قرية موجودة في إحدى المناطق الريفية في الصين، وقبل ستة سنوات قرر أن يبني لنفسه منزل جديد، فقد كان المنزل الذي يعيش فيه مع والدته التي تبلغ من العمر ٨٩ عاماً قديم جداً.
قدم طلب للسلطات والجهات المعنية، وطلب منهم السماح له بهدم منزله القديم وإعادة بنائه مرة أخرى على نفس قطعة الأرض، وتم الموافقة على طلبه.
وبالفعل بدأ أووجين بأعمال الهدم ولكن ولسبب ما بدأ أحد جيرانه بإزعاجه، وكان يقوم بتعطيل أعمال الهدم والبناء من دون معرفة غايته من ذلك.
وكان هذا الرجل من الطبقة الغنية، ويتألف منزله من أربعة طوابق، والذي كان يمنع وصول مواد البناء لأرض أووجين، ووصل به الأمر أنه دفع مبلغ من المال لمجموعة من رجال العصابات ليمنعوا وصول هذه المواد، ويقومون بتعطيل أي عملية بناء.
ليس هناك سبب واضح لما يفعله هذا الرجل
ولكن يعتقد بعض الناس أن هدفه إخراج أووجين من هذه الأرض حتى يستولي عليها، لأنه بجانب منزله وكان يطمع في الحصول عليها، وبالفعل استطاع أن يعرقل عملية البناء ومنعه من إتمام ذلك أو حتى البدء فيه لمدة ست سنوات.
وفي ذلك الوقت كان يعيش أووجين مع والدته العجوز في خيمة صغيرة، والتي اعتبرها ملجاً مؤقت بينما ينتهي من بناء منزله الجديد.
وطول هذه السنوات كان أووجين يحاول بشتى الطرق والوسائل حل هذه المشكلة، في بادئ الأمر ذهب للحكومة وأخبرهم بأن جاره يمنعه من إكمال بناء المنزل وبطرق غير قانونية، ولكن لم يستمع له أحد، وبالرغم من أن السلطات وافقت على طلبه في بادئ الأمر، إلا أنها فجأة بدأت تتجاهل كل شكاويه ومطالبه وتعرقل عملية البناء.
وعلى ما يبدو أن هذا الجار الثري كان ذو نفوذ وكلمة مسموعة
و له صلاته الخاصة بالحكومة وبالحزب الحاكم، ولذلك كان المسؤولين يتجاهلون جميع مطالبه ولا يهتمون له أبداً، وعندما يأس أووجين من مساعدة الحكومة لجأ للإعلام، وحاول التواصل مع |الصحف والجرائد|، ومع القنوات التلفزيونية ولكن بدون فائدة، فلا أحد يريد أن يسلط الضوء على قضيته.
وعندما باءت جميع محاولاته بالفشل، لجأ إلى |مواقع التواصل الاجتماعي|، وأنشأ حساب على موقع( weibo) والذي يعتبر من أكبر المواقع في الصين، وبدأ بنشر تفاصيل قصته ومعاناته والظروف السيئة التي يمر بها على أمل أن يصل صوته للناس ربما استطاع أحد منهم مساعدته، ولكن لم يكن عدد من يشاهد ما ينشره يتعدى عدد أصابع اليد.
كيف تحول هذا القاتل إلى بطل شعبي في الصين؟! تصميم الصورة : ريم أبو فخر |
واستمر في معاناته عدة سنوات
وطرق كل الأبواب في محاولة منه لإيجاد حل لحياته، فقد كان بلا مأوى، وكانت المشاكل تتفاقم بينه وبين جاره الثري، حتى حدث مالم يكن في الحسبان، وكانت القشة التي قسمت ظهر البعير.
حيث كانت المنطقة تتعرض لعاصفة قوية جداً، فالصفيحة المعدنية التي كانت تغطي سطح البيت الصغير الذي صنعه أووجين مؤقتاً، طار جزء منها بسبب الرياح القوية ووقع بحديقة الجار، وعندما ذهب لاستعادتها حصلت مشادة كلامية بينه وبين جاره، تلفظ فيها الجار بكلمات نابية وجارحة جداً، وهذا الموقف جعل أووجين يصل لأقصى حدود التحمل.
وفي اليوم التالي اقتحم أووجين منزل جاره
وقام بقتله هو وزوجة ابنه، وأصاب ثلاثة ممن كانوا في المنزل من بينهم طفلة صغيرة عمرها عشر سنوات، والحقيقة أنها جريمة بشعة مهما كانت الدوافع تبرر له فعلته.
وبعد ارتكابه لجريمته هرب إلى الجبال المحيطة بالقرية على الفور، واختبأ فيها، وتم التقاط صور له من كاميرات المراقبة أثناء خروجه من منزل جاره، تم إبلاغ الشرطة على الفور بالحادثة، وحققوا في المكان، ولم تكتشف الشرطة السلاح الذي استخدمه في جريمته، ولكن على الأغلب أنه استخدم سكين، وبدأت عملية ملاحقته والبحث عنه.
سببت هذه الجريمة ضجة إعلامية كبيرة
وبدأت كل وسائل الإعلام تنشر تفاصيلها وتتحدث عنها، وبدأ الناس على مواقع التواصل الاجتماعي بالتحري عن الأمر، وبدأت تتجمع لديهم تفاصيل وأجزاء القصة، استطاعوا إيجاد نسخ من الرسائل التي كان يرسلها أووجين للجهات الحكومية ومطالبه وشكاويه بما يخص منزله.
واستطاعوا العثور على حسابه على موقع( weibo)، حيث كان ينشر عليه معاناته ويتحدث فيه عن قضيته، وبدأ الرأي العام يميل للتعاطف مع أووجين، معظم الناس كانوا على يقين بأن جريمته لا تغتفر، وأنه يستحق عليها العقاب، لكن من وجهة نظرهم، أن الفساد الموجود في الحكومة، و نفوذ جاره وتسلطه الذي منعه من أخذ حقه، والظلم الذي تعرض له من كل الجهات التي طرق بابها محاولاً الوصول إلى حل، كل هذا كان سبباً للحالة التي وصل لها أووجين.
و بعض الكلمات التي قام بنشرها على الموقع" أليس من المفترض على الحكومة أن تحمي الناس العاديين،؟
لماذا الأغنياء والأقوياء مغرورين بأنفسهم؟
الشرفاء دائماً يتبعون القانون، لكن القانون لايقف معهم أبداً"
وكتب أيضاً
أتمنى لو أن أحدً يخبرني أين يمكنني طلب المساعدة، طرقت كل الأبواب الرسمية ولم يعطيني أحد أي رد نهائياً، أرجوكم جميعاً ليساعدني أحدكم، ويريني الطريق إلى الأمام"
و من خلال الكلام الذي قام بنشره تبين للجميع أن قد وصل إلى أعلى مراحل اليأس بسبب محاولاته الفاشلة التي لم تلقى أي رد، قبل أن يرتكب هذه الجريمة.
كيف تحول هذا القاتل إلى بطل شعبي في الصين؟! تصميم الصورة : ريم أبو فخر |
و إحدى الأشياء التي عززت تعاطف الناس معه
هو مقطع الفيديو الذي انتشر على |الانترنت| لشاب من نفس قرية أووجين، ويخبرهم فيه أنه عندما كان في عمر الخمس سنوات، كان يلعب ويلهو مع أصدقائه على شاطئ البحر، كان يوم عاصف وكانت أمواج البحر قوية، وفقد السيطرة وسحبته الأمواج وبدأ يغرق، الكثير من الناس كانوا يقفون بعيداً ينظرون عاجزين عن فعل أي شيء.
ومن حسن حظه، أن أووجين مر من هذا المكان ورأى الموقف، فقد كان الموج خطير، وأي شخص يقترب منها سيكون مهدد بالغرق، وبدون تردد قفز أووجين إلى مياه البحر الهائج، وقام بإنقاذه بعد نصف ساعة من المعاناة ومقاومة الأمواج العنيفة، ويقول الشاب لولا شجاعته كنت الآن ميتاً بدون أدنى شك.
وبعد هذه الحادثة، ذهب هو وعائلته عدة مرات، وكانوا يحاولون دائماً تقديم الهدايا تعبيراً عن امتنانهم وشكرهم له، ولكن أووجين كان يرفض ذلك ويخبرهم أنه أنقذ الطفل بدافع الإنسانية ولا يريد أي مكافأة على ذلك. وفي نهاية الفيديو بدأ التأثر واضحاً على ملامح الشاب وعيناه ممتلئة بالدموع، وهو يصف أووجين وإنسانيته ومدى حبه للخير.
وأن ماحدث لهذا الرجل كان صادم.جداً بالنسبة له، ودعا أووجين إلى تسليم نفسه للسلطات، ولكن في نفس الوقت طالب الحكومة أن تأخذ بعين الاعتبار الظروف والضغوطات التي مر بها أثناء المحاكمة.
وتحدث عدد من أفراد القرية عن شخصية أووجين وإنسانيته ومدى حبه للناس وأيضاً عطفه على |الحيوانات| حيث كان ينقذ الدلافين التي ترميها الأمواج على شاطئ البحر، والجميع كان يتحدث عن أنه إنسان محب وعطوف بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
فتخيل كيف أن الظلم والظروف يحول شخص مثله إلى قاتل وهارب!
كل هذه الأمور جعلت الناس تتعاطف معه بشكل الكبير، وأصبح الجميع يدعو إلى مساعدته على مواقع التواصل الاجتماعي، بل يتمنون أن لا تتمكن الشرطة من العثور عليه.
وقام أحدهم بتصويت وكانت نتائجه دليل واضح على حب الناس له، وتقريباً كان عدد الأصوات حوالي مئة ألف صوتاً،
٨٣% منحازين لأووجين، ١٣% كانوا يجدون صعوبة في تحديد موقفهم، ٣% كانوا يطالبون بحق الضحايا.
وبعد كل هذه الضجة على مواقع التواصل الاجتماعي، وبعد انحياز الرأي العام لصالح أووجين، نشرت الحكومة والسلطة المحلية في الحكومة بيان كان صادم للجميع.
وهو إعلان جائزة لمن يساعدهم بالقبض على أووجين .وكان يتضمن أن أي شخص يقدم لهم معلومات مفيدة تساعد بالقبض غلى القاتل، ستتم مكافأته بعشرين ألف يوان، ومن يأني لهم بأووجين مقتولاً ستتم مكافأته بمبلغ خمسين ألف يوان.
و كانت دعوة عامة لقتله وبشكل علني
كيف تحول هذا القاتل إلى بطل شعبي في الصين؟! تصميم الصورة : ريم أبو فخر |
وهذا البيان كان من الواضح بأنه تحريض بقتل أووجين مقابل مبلغ مادي مرتفع
وخصوصاً أن جائزة قتله أعلى بكثير من جائزة تسليمه حياً، وهذا أن دل على شيء فهو يدل على أن هناك أشخاص في الحكومة المحلية في المدينة لا يريدون له أن يقف أمام المحكمة ويتحدث أمام الناس مرة أخرى. خوفاً من أن يكشف أمور كبيرة، ويورط ويفضح أشخاص مهمين جداً من ذوي السلطة، ومن الممكن أن تطير رؤوسهم ويقضى عليهم بسبب الضغط الشعبي الهائل بما يخص هذه القضية.
وثار الناس وأعلنوا غضبهم بسبب هذا البيان
وأصبح هناك استنكار شعبي لهذه القرارات المجحفة في حقه، وكيف أن الحكومة عرضت هذه الجائزة الكبرى لمن يسلم رأسه، لأنها تريد إسكات أووجين مهما كانت الطريقة أو الوسيلة.
- وعندما تبين للحكومة أن الوضع الشعبي ساء جداً بسبب هذه البيان، أعلنت الحكومة إلغائه، ولكن محاولاتهم في إخفاء الأمر وإسكات الصوت الشعبي المؤيد له ظلت موجودة ولم تنتهي
على سبيل المثال، وبعد عدة أيام اختفى حساب أووجين الشخص من على موقع( weibo)، وكان هناك منشورات على هذا الموقع تدعم أووجين و قضيته، من أشخاص متعاطفين معه، اختفت أيضاً! فمن الواضح أن الحكومة طلبت من الموقع حذفها نهائياً، وكان الموقع مجبراً للانصياع لأوامر الحكومة.
وبعد كل هذه الأمور التي قامت بها الحكومة ظناً منها أنها ستتمكن من إسكات الشعب إلا أن كل المحاولات كلها باءت بالفشل.
وبعد مرور ثمانية أيام على الجريمة
نشرت الشرطة بيان توضح فيه تفاصيل ما جرى عندما عثروا على أووجين، وأنه قاومهم بشدة عندما حاولوا القبض عليه، وبعد محاولات من الشرطة القبض عليه حياً، قتل نفسه قبل أن يتم إلقاء القبض عليه.
استنكر الناس هذا الخبر وأثار غضبهم، وكانوا يتحدثون على مواقع التواصل الاجتماعي ويتهمون الشرطة بأنهم يكذبون على الشعب وأن هناك سبب كبير وراء ماحدث، وكانوا متأكدين أن الشرطة هي من قامت بقتله وادعو أنه هو من فعلها.
والشيء الذي يدعم هذا الكلام أن هناك بيانين نشرتهم وكالة إعلام صينية كبرى، ومن المفروض أن كلاهما مصدره الشرطة، فجاء في تقرير البيان الأول أنه تم القبض على أووجين
أما التقرير الثاني والذي كان بعد أقل من ساعة من وقت صدور البيان الأول، وينص على أن أووجين قاوم محاولة اعتقالهم له وانتحر قبل أن يتمكنوا من القبض عليه.
فعلياً لا يوجد أي دليل يثبت حقيقة ماحدث، لكن العقل والمنطق يدعم نظرية إلقاء اللوم على الحكومة وتحميلها مسؤولية تحول الأمور من قضية بناء منزل إلى قضية قتل عدة أشخاص.
والحزن و المأساة الذي تسببت به هذه الحادثة لم ينتهي
فقد كانت والدة أووجين العجوز تنتظر أخبار عن ولدها خلال الأسبوع الذي هرب فيه، وكانت تنتظره في خيمتهم المتهالكة، على أرضهم التي منعوا من أن يبنوا عليها منزل يأويهم ظلماً وقهراً، كانت تتنظر بفارغ الصبر وهي محاطة بسيارات الشرطة من كل اتجاه، وظهرت في فيديو وهي تبكي بقهر بعد خبر وفاة ابنها، وبعد عدة ساعات من تلقيها خبر وفاته، ارتقت روحها إلى خالقها من شدة قهرها على ولدها.
حضر جنازته أعداد كبيرة وهائلة من الناس، تعاطفاً معه ومع ما تعرض له من معاناة وظلم.
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك