|
أين اختفت الفتاة الفلسطينية؟ تصميم الصورة : رزان الحموي |
قال الله تعالى بكتابه الكريم: "واذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت"، قديماً كان الرجل الذي تنجب امرأته فتاة، يقوم بدفنها وهي على قيد الحياة، وهذا الكلام كان قبل أن يأتي الإسلام، ولكن مع الوحي الّذي أُنزلَ على رسولنا الكريم تمَّ منع هذه الظاهرة واعتبارها محرمة ومن الكبائر، فجاء الإسلام لتكريم المرأة وقد خصّها الله بالكثير من الآيات الكريمة، وحتى أنَّ الرسول قال بحديث شريف: "لا تكرهوا البنات فإنهن المؤنسات الغاليات" .
قصتنا اليوم سيبقى سرها مخبئ ولا أحد يدري ما هو الى حين أن يقرر الأب الاعتراف بجريمته، لذلك كن معنا أنت وتركيزك لنسرد أحداثها.
بعام 2019 وتحديداً بالشهر التاسع كانت هناك أحد الفتيات الفلسطينيات التي ترتاد إلى المدرسة بغية تلقي العلم والتي تبلغ 13 عاماً، ومن المعروف أن الشعب الفلسطيني هو أكثر الشعوب ذكاء وفطنة، الفتاة كانت بعمر صغير ومعروفة من قبل زميلاتها ومدرّساتها بأنّها من الأشخاص الذين يهووّن العلم والمعرفة، فهي فتاة نشيطة ومجدّة ومثابرة.
تتالت الأيام والفتاة بدأت تصرفاتها تتغير
ببداية الأمر انتبهت مدرّستها على تصرفاتها ولكن لم تعي الكثير من الاهتمام ظناً منها أنَّ الفتاة قدّ تكون مريضة أو تتعرض لبعض المشاكل العائلية، والمعلمة لا تريد التدخل بالشؤون الاسرية.
ذهب يوم وأتى أخر والوضع يزداد سوءً
الفتاة المرحة النشيطة تحولت إلى فتاة انعزالية كتومة، لا تريد أحد ولا تشارك أيً من صديقاتها بأي أمر، وهنا أحسّت المدرّسة أنَّ دورها قد أتى، وبالفعل استدعت الفتاة إلى غرفة المدرسين بوقت الفراغ، وسألتها ما هو الأمر الذي حدث معها ليجعل حياتها تُقلب الى هذه الحالة؟.
وهنا لم تدري الفتاة ماذا تجيب، أو هل من الصحيح أن تخبر مدرّستها بالسّر الذي تخفيه؟، ولكن من شدّة خوفها وحيرتها لم يكن أمامها سوى هذا الباب لتطرقه، فقررت أن تخبر معلمتها بما يحدث بمنزلها.
بدأت الفتاة بالتكلم وقالت للمدرّسة: أنّها من عائلة مكونة من أب وأم وفتاتين، هي و أخت أكبر منها، وأن اختها تبلغ من العمر(31 ربيعاً)، وهي تعتبرها بمثابة والدتها، فهي التي تهتم لأمرها وبشؤونها وتلبي جميع احتياجاتها.
ولكن بين ليلة وضحاها أختها هذه اختفت تماماً
ولا تدري أين ذهبت، والد هاتين الفتاتين كان من النوع العصبي جداً، والذي لا يمكن أنّ تتم مناقشته بأي أمر كان، لذلك الفتاة الصغيرة كانت تشعر بالخوف بسؤالها عن أختها.
تجرأت بأحد الأيام بعد أنّ طالَ اختفاء أختها لأكثر من أسبوعين، مستفسرة من والدتها عن مكان تواجد أختها؟، فقالت الأم أنّها سافرت إلى الأراضي الأردنية من أجل أن تبدأ حياتها من جديد هناك.
بتلك اللحظة أحسّت الفتاة الصغيرة أن الدماء التي تسري بعروقها قدّ توقفت وتجمدت، فكيف يمكن لأختها أن تتركها وحيدة، وتسافر من دون حتى أن تودعها، ولكن هل الأم تقول الحقيقة؟
|
أين اختفت الفتاة الفلسطينية؟ تصميم الصورة : رزان الحموي |
المنظمات الأهلية أو الجمعيات التي تدعم المجتمع لها دور كبير بحماية الأفراد ومساندة هذا المجتمع، فما بالك إن كان الأمر متعلق بالفتيات؟،
لنتابع ما الدور الذي لعبته هذه الجمعيات بالكشف عن اختفاء هذه الفتاة؟، ومن الذي يمكن أنّ يكون مسؤولاً عن اختفائها، فالتفاصيل التي سردناها من القصة تدعوا الى الحيرة والشتات من شدّة غموضها.
عندما علمت الفتاة الصغيرة أنَّ اختها قدّ تركتها وذهبت بدأت بموجة بكاء تكاد لا تخلو من تقطع أنفاسها من شدّتها، فهي تعتبرها عالمها الخاص الذي تهرب إليه كلما ضاقت بها هذه الدنيا، ومن تلك اللحظة بدأت بالانعزال لوحدها، والتفكير والشرود بالأسباب التي تجعل أختها تفعل هذا الأمر.
ولكن الفتاة الصغيرة وكما قلّنا أنّها تمتلك ذكاء كبير
لذلك بدأت باسترجاع ذكرياتها مع أختها فهي كانت بيت السر الخاص بها، و يا للصدمة اكتشفت الفتاة بعد تفكير أنّ أختها لا تمتلك حتى جواز سفر يُمكنها من مغادرة المنطقة، فكيف لها أن تغادر بهذه السرعة؟.
والأمر الذي جعلها تشك أكثر أن هذه القصة التي أخبرتها أمها بها مفبركة، بأنَّ أحد الجوار سأل الأب عن الفتاة ولماذا هي مختفية؟، وإجابة الأب كانت صادمة للفتاة الصغيرة، فأجاب أنّها ذهبت برفقة والدتها الى الاردن من أجل أن تبقى مع والدتها التي تتلقى علاجاً ضد السرطان!.
الفتاة الصغيرة وقفت مذهولة فوالدتها من متى وهي لديها هذا المرض؟
وإنّ كان كلام الأب صحيح فالأم موجودة بالمنزل ولكن الأب يمنعها من النظر حتى من النافذة لكي لا يراها الجوار ويكتشف أمره، ولم تذهب لأي مكان لتلقي العلاج.
فلماذا يختلق الأب والأم هذه الأكاذيب على الفتاة والجوار؟، وعندما انتهت الفتاة من سرد هذه التفاصيل لمدرّستها، أحسّت المدرّسة أنّ الأمر يمكن أن يكون به جريمة ما، والذي دفعها لتلك الشكوك أنّ الفتاة مضى على اختفاءها شهر كامل.
فما كان من المدرسة إلا أنّها قامت بالاتصال بأحد الجمعيات الخيرية وأخبرتهم بتفاصيل القصة، وأعطتهم جميع المعلومات التي يمكن أنّ تساعدهم، وبدورهم ومن خلال طرقهم يمكن أن يقوموا بالضغط على الجهات الحكومية من أجل التحقيق بالأمر.
ولأنّ الجمعية تهتم بحقوق الطفل وبعد رؤيتهم لحالة الفتاة الصغيرة، قرروا أن يتواصلوا مع الشرطة الخاصة بقضايا المجتمع وبدأوا بمراسلتهم لحثّهم على البحث عن الفتاة.
ولأن دور الشرطة يبدأ عندما يتم الإبلاغ عن أي قضية، وبسبب الضغط عليهم من تلك الجمعية بالفعل بدأت المباحثات بالتحقيقات اللازمة، رغم أنّها حالة اشتباه فقط وليست جريمة كاملة.
في البداية وأول خطوة قاموا بها أنهم قاموا بالبحث عن اسم تلك الفتاة على المنافذ الحدوديّة، فقبل أن يتم افتضاح الأمر وتسليط الضوء على هذا الاختفاء أرادوا أن يتأكدوا من صحة أقوال الأهل.
والمفاجأة أنَّ الفتاة بالفعل لم تغادر الأراضي الفلسطينية
وعند العودة لسجلات |الهجرة والجوازات|، تبين أيضاً أنها لا تمتلك جواز سفر لا قديم ولا حديث، فهنا بدأ الشكوك بالتضخّم وأن إحساس المدرّسة قد يكون صحيح، وخلفيات هذا الأمر قد يحمل بطياته جريمة قتل، فهل يصدق إحساس المدرّسة؟
|
أين اختفت الفتاة الفلسطينية؟ تصميم الصورة : رزان الحموي |
من محبة كبيرة، إلى شكوك صغيرة، جعلت الفتاة تعترف لمعلمتها التي لم تتواني عن مساعدتها، فمن يا ترى المسؤول عن الاختفاء؟، وهل سيتمكن عناصر الأمن من كشف المخفي؟، لنتابع معاً.
بالتأكيد الجواب الذي أتى على فكرك الأن صحيح فالمشتبه الأول بهذه القضية هو الأب، وعلى الفور توجهت سيارات الأمن لمنزل الفتاة الصغيرة، وتم أخذ الأب الى مركز الشرطة.
وبعد عدة ساعات أمر الضابط أن يلتقي مع الأب من أجل أن يبدأ بالاستجواب، وحقاً دخل الأب وجلسَ أمام الضابط، الذي على الفور وجه السؤال التالي له:
أيّن أبنتك الكبرى التي تبلغ من العمر31 عاماً؟
وهنا بدأ التعرّق يسيل كالماء بشكل واضح على جبهة الأب، الذي بدأ يتمتم وبصوت يكاد لا يسمع وقال: أنّه لا يدري أين هي، فهو أيضاً يستغرب من اختفاءها المفاجئ، ولكن إحساس الضابط بأن الأب يكذب لم يقارفه طيلة إجراء الاستجواب، فإن كانت أقواله صحيحة لماذا لم يأتي لأحد المراكز ليبلغهم عن اختفاءها؟.
فقال له: أنّ الشرطة وبعد التحري وسؤال الجوار عن الفتاة، أجابة الجميع كانت موحدّة وأنت من أخبرتهم بأن الفتاة سافرت مع والدتها الموجودة حالياً بالمنزل الى الأردن من أجل تلقى |علاج السرطان|.
هنا أحس الأب أن الأمور بدت شفافة أمام عناصر الأمن، وخاصة أن الضابط قد أخبره أنّه هو والأم يعتبران المشتبه بهما الرئيسيان فلا داعي للكذب وتأليف القصص.
ومع هذا أنكر الأب مرة أخرى، الأمر الذي دعيَ الضابط لاتباع أساليب الشرطة بالضغط على المشتبه، وبالفعل كانت النتيجة مرضية فبعد عدة ساعات قرر الأب أن يعترف، وقال جملة واحدة أصابت الجميع بالتعجب: نعم أنا قتلت ابنتي، ودفنتها وهي ما تزال على قيد الحياة!.
ولكن الأمر الذي جعل الضابط يشعر بالذهول هو الطريقة التي اعتمدها الأب بقتل ابنته، الأب اعتدل بجلسته وقال: انّه يوجد في الحديقة الخلفية لمنزله مكان ليبيت به الدجاج الذي يعمل على تربيته.
بالليلة التي قتلت بها ابنتي
قمت بصنع حفرة (وصل عمقها لقرابة المتر ونصف)بعد أن عزمت على ربط يديها وقدميها وإغلاق فمها بقطعة قماشية، ومن ثم قمت بمساعدة والدتها على وضعها داخل الحفرة، وبدأت برش التراب عليها باستخدام الأداة الخاصة بالحفر، واستمريت بالأمر حتى تأكدت أنّها أصبحت مغطاة بشكل كلما بالتراب، ولم أهتم لصوت أنينها الذي يدل على أنها ماتزال على قيد الحياة.
بالفعل توجه رجال المباحثات والأدلة الجنائية إلى المكان الذي قال عنه الأب، والمحزن أنهم عندما بدأوا بعمليات الحفر بالفعل وجدوا الفتاة بملابسها مدفونة، وبعد تشريح الجثة من قبل المختصيّن تبين أنّها فارقت الحياة نتيجة اختناق.
القضية إلى هذه اللحظة هي موضع نقاش، فمع كل الأساليب التي تم الضغط عليها من قبل الأمن على الأب، إلا أنّه أبى وامتنع بالاعتراف بالأسباب التي جعلته يدفن ابنته حيّة ترزق، فهو يعتبر أنّه قتلها وانتهت المسألة هنا، وهو مستعد لأي حكم.
وأخيراً بنهاية القصة الغامضة تم إغلاق القضية واعتبار أنّ هذه الجريمة يمكن أن تكون جريمة شرف وتحويل الأب الى المحاكم المختصة، حيث تم اكتشاف هذه الجريمة بفضل ذكاء الطفلة واهتمام المدرّسة، وطبعاً الفضل الأكبر يعود الى الجمعية الأهلية التي لعبت الدور الأهم بالضغط على رجال الأمن من أجل بدأ التحقيقات رغم عدم وجود بلاغ رسمي.
شاركونا بآرائكم في التعليقات
آلاء عبد الرحيم
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك