تحدي البكتيريا العبقري للإنسان على مرِّ العصور تصميم ريم أبو فخر |
في سنة ١٩٢٨ قام ألكسندر فيلمنغ بزراعة نوع من أنواع البكتيريا
في أطباق لكي تنمو وتتكاثر ويسهل عليه دراستها، فوجد أنه في أحد الأطباق في منطقة معينة لم تنمُ |البكتيريا| أبداً، مما دعاه للاستغراب والتفكير في الشيء الذي منع البكتيريا من النمو في هذه المنطقة بينما نمت وتكاثرت في الأطباق الأخرى.
قام فيلمنغ بفحص تلك المنطقة ليجد أنها تحتوي على فطر عفن البنسلين، وأدرك بذلك أن فطر عفن البنسلين أفرز مادة معينة أعاقت نمو البكتيريا في ذلك المكان، ثم بدأ العلماء بدراسة الموضوع بشكل أوسع، واستخلصوا تلك المادة من فطر عفن البنسلين لاستخدامها في القضاء على البكتيريا، وبالفعل حققت تلك المادة نجاحاً مبهراً في علاج المرضى ومقاومة الميكروبات التي كانت تصيب الإنسان.
كان يعمل |البنسلين| على مقاومة الغشاء البلازمي الخاص بالخلية الجرثومية blasmic membrane والذي يعتبر المسؤول الأول عن إعطاء الخلية القوة والصلابة، كما يمنع دخول الماء والأجسام الغريبة لداخل الخلية، أي هو بمثابة الجدار الحامي للخلية الجرثومية، فكان البنسلين يستطيع مهاجمة المادة المسؤولة عن تصنيع هذا الغشاء البلازمي، وبالتالي إضعاف الغشاء ليبدأ الماء والأجسام الغريبة بدخول الخلية مما يؤدي إلى انتفاخها وموتها.
بعد أربع سنوات من طرح عقار البنسلين في السوق حدثت المفاجأة
ظهرت أول حالة مُقاوِمَة لعقار البنسلين سنة ١٩٤٨، فقام العلماء بتصنيع مضاد حيوي آخر بديل للبنسلين وسموه المسيسلين وبدؤوا يستخدمونه في العلاج، ولكن بعد فترة قليلة من الزمن اكتُشِف أن له تأثير سام جداً على كلى الإنسان، ثم ظهرت في سنة ١٩٦١ أول حالة مقاوِمَة له في بريطانيا مما استدعى توقيف العلاج به.
بدأ العلماء يعزلون البكتيريا التي قاومت عقار المسيسلين وسموها MRSA، وجدوا عدة حالات تموت من تسمم الدم بتلك البكتيريا ففي سنة ١٩٩١ وُجِد أن ٤% من البشر يموتون بسبب البكتيريا المقاومة للمسيسلين، وفي سنة ١٩٩٩ ازدادت هذه النسبة من ٤% إلى ٣٧%.
لم يستسلم العلماء وبدأوا بتطوير مضاد حيوي أقوى من المسيسلين يقاوم MRSA وسموه عقار الفانكومايسين، لتظهر في سنة ١٩٩٦ في اليابان أول حالة مقاومة للفانكومايسين وأطلقوا على تلك البكتيريا اسم VRSA أي البكتيريا المقاومة لعقار الفانكومايسين.
بدأ العلماء في تطوير عقار آخر أقوى من الفانكومايسين مقاوم ل VRSA، وبالفعل نجحوا في تطوير عقار أقوى منه وسموه لاينزوليد Linzolid، ولكن للأسف الشديد أيضاً ظهرت حالة مقاومة له في سنة ٢٠٠٣.
كيف تستطيع البكتيريا القيام بتلك المقاومة
المقاومة هي أن تستطيع البكتيريا أن تعيش وتتعايش في الجسم مع وجود المضاد الحيوي، بالإضافة إلى أن الخلية تقوم بمشاركة استراتيجية المقاومة مع باقي الخلايا ليصبح أسلوب حياة بالنسبة لها.
نحن نتعامل مع كائن ذكي وقوي جداً يستطيع بسهولة مقاومة المضاد الحيوي الذي نصنعه لقتله، فعلينا الانتباه دائماً لعدم أخذ جرعة ناقصة من المضاد الحيوي، لأنه بذلك تعرِّف البكتيريا داخل جسمك على سلاحك وتقوم بمهاجمتها مهاجمة ناقصة لتعود أقوى وأشرس من الأول، في حين أن الجرعة الكاملة من المضاد الحيوي قادرة على قتل الميكروبات داخل الجسم.
وأخيراً المضاد الحيوي هو سلاح ذو حدين فهو قادر على حمايتك بشكل كامل من البكتيريا الضارة بجسمك من جهة، وقادر على تقوية تلك البكتيريا على جسدك وجعلها كائن مميت من جهة أخرى.
إلى هنا عزيزي القارئ نكون قد وصلنا لختام هذا المقال، أرجو أنَّه كان مفيداً بالنسبة لك.
فضلاً شاركنا آراءك الرَّائعة من خلال التَّعليقات ^-^
بقلمي: آية الحمورة
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك