من هي "شجرة الدر" كيف أصبحت ملكة وكيف ماتت؟!! تصميم الصورة ريم أبو فخر |
أين المفر ...؟
كل صعود حتماً سيقابله هبوط
احذرو هذا الهبوط ... فهنا سيكون الجزاء من جنس العمل
القاعدة التاريخية الربانية وجدناها في محطات التاريخ ووقائعه بل رأينا العجب بها ،وسوف يراها أهل المستقبل أيضاً ،وسوف يروون الحكايا والوقائع عن عصرنا هذا
وأبطال قصصهم ،هم طغاة اليوم وبائعي الضمائر......
أصدقاىي المتابعين ،سأروي لكم اليوم قصة امرأة من أشهر نساء العرب المسلمين
امرأة قصتها بدأت من عنابر الخدم والجواري ،فانتقلت إلى قصور الملوك والسلاطين ،ومنها إلى أمجاد الانتصارات الخالدة ، والسلطة المطلقة ،وصولاً إلى النهاية المأساوية بطريقة لن تخطر على بال أحدكم
لن نطيل أكثر من هذا فالتفاصيل ستقرأونها في مقالنا اليوم والتي خصصناها للسلطانة شجرة الدر
إليكم القصة الكاملة....
شجرة الدر
حاملة لقب عصمة الدين وأم خليل ،جارية مجهولة الأصل ،وقيل أنها أرمينية أو شركسية ، أو حتى خوارزمية ،ليس الأصل هو المجهول فقط ،بل حتى الاسم وتاريخ الولادة والوفاة
ففي حين أننا لم نجد تاريخ محدداً لولادتها ،وجدنا أكثر من تاريخ لوفاتها ،إلا أن الأغلب هو الثالث من مايو عام ١٢٥٧م
بداية ذكر شجرة الدر يعود إلى العام ١٢٣٩م ، في هذا العلم وقعت عين الملك الأيوبي الصالح ،نجم الدين أيوب على خادمة حسناء ،فذهب على فوره وقام بشرائها ،ووضعها مع الجواري الملكية.
استطاعت الجارية آن ذاك ،شجرة الدر استغلال جمالها وذكائها الفذ ،في الوصول إلى قلب السلطان الأيوبي
فأصبحت كالنفس الذي لايفارقه في كل أوقاته ،حرباً كانت أم سلماً
حتى أنها كانت معه في فترة الاعتقال التي تغرض لها ،ومن بعدها ذهبت معه إلى مصر ،حيث أعلن هذا الملك زواجه منها ،وخصوصاً ،بعد إنجابه لصبي منها ،اسمه خليل
وبهذا تكون شجرة الدر خرجت من عباءة الجواري ،ولبست عباءة الأحرار
إلّا أن سعادتها بولدها لم تدم طويلاً ،فالصبي مات صغيراً
أصبح الملك الصالح ،سلطاناً على مصر وبالطبع كانت شجرة الدر إلى جانبه
لم يقتصر بقاء شجرة الدر مع زوجها في مصر لكي تنعم في الحياة الرفاهية ،بل إنها رافقته حتى في جولات حروبه ،وبالأخص بصد الحملات الصليبية عن أرض مصر ،وصولاً إلى آخرها
وفي تلك الحملة كان لشجرة الدر ،الدور الأبرز في انتصار المسلمين....
ما الذي حصل.....
خلال مواجهة الجيش الإسلامي للحملة الصليبية السابعة ، بقيادة لويس التاسع توفي السلطان الصالح
فما الذي فعلته شجرة الدر برأيكم؟؟؟؟
من هي "شجرة الدر" كيف أصبحت ملكة وكيف ماتت؟!! تصميم الصورة ريم أبو فخر |
قامت باستدعاء قائد الجيش الأمير فخر الدين اليوسف ،بسرية تامة وأخبرته بوفاة السلطان وعزمت على عدم إشاعة الخبر في هذا الوقت العصيب، خوفا من إثباط عزائم الجيش الذي يتعرض للهجمات العنيفة
وكانت ما أرادته......
فلم يعلم أحد بموت السلطان الذي نقل ودفن سراً في مدفنه ،وإن كنتم تتسائلون كيف لم يلحظ أحد هذا الغياب إليكم الجواب.......
شجرة الدر وبحكم تمرسها أمور السلطنة ،والحكم بعد مرافقتها لزوجها ،استطاعت الحصول على ختمه واتقان توقيعه
فقامت بتسسير كل الأمور التي تستوجب إمضاء السلطة ، بل وكانت تأمر الخدم بأن يحضروا الطعام ويضعوه أمام باب غرفة السلطان دون أن يدخلو
والخدعة التي قالت بها للجميع ،أن السلطان يشعر بالتعب ،وأمر بأن لايدخل أحد إليه
كانت الحرب في أوجها ،والمسلمين يتعرضون للمزيد من الهزائم ،وآخرها كان مقتل الأمير فخر الدين يوسف في إحدها ،ليتولى قيادة الجيش بعده ، وبأمر من شجرة الدر ركن الدين بيبرس
بيبرس وشجرة الدر ،قاموا بوضع مكيدة أوقعت| الصليبيين| في شر أعمالهم ،وأوقعت القائد الملك لويس التاسع في أسر |المسلمين|
ماهي هذه المكيدة ؟؟؟
استدرج الجيش المصري ،الصليبيين الى داخل المنصورة ، التي كان الهدوء التام يلفها بأمر من بيبرس ،لإيهام الجيش الصليبي أنها فارغة
وفور دخول الصليبيين المنصورة وقعوا بين فكي الكماشة
فأحيطوا من كل الحواري والأزقة ،ولم يعلموا من أي مكان يخرج المقاتلون
بعد هزيمة الصليبيين في المنصورة ،أرسلت شجرة الدر ،إلى تورة شاه ابن زوجها الصالح الأيوب ليتولى الحكم خلفاً لأبيه عقب إعلان وفاة الملك الصالح ،بعد أن أبرزت أمراً ملكياً ممهوراً بختم السلطان
طبعاً هذا الأمر كان من شجرة الدر ،وصل تورة شاه والذي كان منتظراً منه أن يحفظ لزوجة أبيه فضلها في إدارة الحكم بعد موت أبيه ،وأن يقيم وزناً للمماليك نتيجة دورهم في هزيمة الحملة الصليبية
إلا أن العكس حدث......
مالذي فعله تورة شاه؟
أخذ يهدد ويتوعد بقتل زوجة أبيه ،وطلب منها الأموال والمجوهرات التي هي برأيه حقه من ورثة أبيه ،أما عن المماليك فتعرضوا للظلم وجردهم من المناصب التي حصلوا عليها من السلطان الراحل وشجرة الدر من بعده
وصل الأمر به احد التخطيط لقتل أمرائهم والتخلص منهم ،إلا أن جماعة المماليك كانت الأسرع في التخلص من الابن الظالم.
من هي "شجرة الدر" كيف أصبحت ملكة وكيف ماتت؟!! تصميم الصورة ريم أبو فخر |
فقتل توراة شاه سنة ٦٤٨هجري ،أي ١٢٥٠م على يد كل من ركن الدين بيبرس ،فارس الدين أقطاي ،وعز الدين الأيبك الدركماني
قتل الملك ولا وريث ،فما الحل؟؟؟؟
كان الحل عند المماليك ،أن يبايعوا من أظهرت حنكة ودراية وصلابة في أوقات الشدة ، فكانت البيعة لشجرة الدر
لتصبح بذلك ،أول سلطانة تحكم في الشرق الأوسط
أول مافعلته شجرة الدر ،هو نقش العبارة التالية على العملات المعدنية
المستعصمية الصالحية
ملكة المسلمين
والدة خليل
أمير المؤمنين
تابعت شجرة الدر تصفية وجود الصليبيين ،وعقدت اتفاقاً مع الملك المأسور لويس التاسع ،عده المؤرخون الصليبيين ،اتفاق ظل وعار
حيث أنها استحصلت منه على فدية كبيرة ،وأجبرته على الرحيل من البلاد الإسلامية ، والتعهد بأن لا يعود مرة أخرى مقابل أن تتركه وشأنه
وكان لها ما أرادت.....
ستمر حكم شجرة الدر مايقارب الثلاثة شهور ،أو على أقل تقدير الثمانين يوماً قبل أن تبدأ الأصوات المعارضة بالظهور
فبدأت المظاهرات الغاضبة التي تطلب تنحيتها عن العرش
كيف لامرأة أن تستلم شؤون البلاد ،وهو الأمر المستنكر والمخالف للشرع آن ذاك
|الأيوبيون| في الشام ،اعتبروا مقتل تورن شاه الوريث الأيوبي لعرش مصر إهانة وإعلان حرب وبالأخص أن الحاكم امرأة
أما الخلافة العباسية فلم تعطي المباركة لجنود شجرة الدر على العرش
وأرسل المستعصم رسالة إلى المماليك مفادها.....
إن كانت الرجال قد عدمت عندكم ، فأعلمونا حتى نسير إليكم رجالاً
أمام هذا الأمر المعارض الشديد ،لم يكن من شجرة الدر إلا التنازل عن العرش لعز الدين أيبك ، قائد العسكر والتي كانت قد تزوجته في بداية حكمها ،وكما خمنتم فعز الدين أيبك ، لم يكن إلا واجهة للحكم ،والأوامر كانت كلها تخرج من عند شجرة الدر التي عشقها أيبك
ووصل هيام أيبك بزوجته إلى حد أنه أطاعها في مطلبها أن لا يرى أو يزور ...وفي بعض المصادر أن يطلق زوجته الأولى وأم ولده المدعوة بأم علي
من هي "شجرة الدر" كيف أصبحت ملكة وكيف ماتت؟!! تصميم الصورة ريم أبو فخر |
قامت شجرة الدر بالتخلص من القائد أقطاي ، بمساعدة زوجها ، درءاً للمخاطر التي كان يسببها له
إلا أن سطوة الحكم غلبت على العشق والهيام ،فبدأ أيبك بالنفور من شجرة الدر ومخالفة أوامرها ووصل به الأمر إلى حد ترك القلعة والسكن بمنطقة تسمى مناظر اللوك
وأرسل من يبلغها بأنه سوف يقسيها عن الحكم ، وبأن الأمر الأول والأخير في الحكم هو له
كل هذا لم يثر الضغين الكبير في قلب شجرة الدر ،إلا أن سعي أيبك للزواج من ابنة بدر الدين حاكم الموصل كانت القشة التي قسمت ظهر البعير....
فالمرأة.... أي شجرة الدر لم تكن ليُصنع بها ماصنعت هي من قبل بضرتها
ولذلك كان التخلص من الملك أيبك ،أمراً لازماً
استعملت شجرة الدر الحيلة فأرسلت إلى أيبك تستلطفه وتستعطفه وتخبره بأنها رهن أمره وهو الملك المطلق ،وظلت تحلفه بأن يعود إلى القلعة حتى كان لها ما أرادت
عندما عاد أيبك إلى القلعة ،كانت شجرة الدر قد أعدت العدة لقتله سراً
وبالفعل وبمساعدة خمسة من المخلصين لها ،قامت شجرة الدر بقتل أيبك وأشاعت بين أمراء المماليك أنه مات بشكل مفاجئ ،ولكن الخدعة لم تدم
فالأخبار وصلت الى أمراء المماليك الذين كانوا على دراية تامة بتأزم العلاقة بين الملك وشجرة الدر ،وبأن أيبك لم يمت بل قتل والقاتل شجرة الدر
ولهذا قرر المماليك الموالون لأيبك وعلى رأسهم سيف الدين قطز الانتقام
ألقى المماليك القبض على شجرة الدر وحبسوها في البرج الأحمر بقلعة الجبل
فهل تظنون أن الأمر انتهى وشجرة الدر ماتت في سجنها؟؟؟؟؟
أنتم جداً مخطئون...... أنصتوا جيداً
تولى الحكم بعد أيبك ولده مور الدين علي بن المعز أيبك ابن الزوجة الأولى التي ظلمتها شجرة الدر والآن أصبح الدور لأم علي كي تقتص من غريمتها
فأرسلت لابنها تطلب تسليمها شجرة الدر... فكان لها ذلك
وصلت شجرة الدر إلى مكان إقامة أم علي فلقيت مالم يكن في الحسبان
بانتظارها كانت تقف الجواري وكل واحدةٍ تحمل قبقاباً خشبياً "وهو حذاءً مصنوعاً من الخشب "في يدها ، وعند إشارة أم علي ،انهالت الجواري بالضرب على شجرة الدر ،حتى لفظت أنفاسها الأخيرة
لتأمر بعدها أم علي برميها من فوق أسوار القلعة وهي شبه عارية ،لتبقى دون دفن لعدة أيام
بعد ذلك تم دفن شجرة الدر في قبر قرب السيدة نفيسة بين حارات ومنازل المنطقة ، إلا أن الدراسات والتاريخ يشيران إلى أن شجرة الدر كانت قد بنت ضريحها الخاص ،وزينته بالفسيفساء ،والأحجار والنقوش الإسلامية وعبارات تدل في صريح العبارة إلى من كانت من المفترض أن تقطن هذا الضريح
إلا أن قتلها منع دفنها في ذلك الضريح ،ودفن فيه إحدى الخلفاء العباسيين بعد موتها بعقود
وبذلك تنتهي قصة الجارية التي تقلدت مفاتيح الحكم في العلن والخفاء وانتهت حياتها على يد الجواري التي كانت هي إحداهن يوماً ما
إذاً أصدقائي هذا ماكان في جعبتنا حول قصة شجرة الدر المثيرة للدهشة
القصة التي علمتنا أن تصميم الانسان وسعيه لابد حتما أن يوصله إلى مراده
وقصة علمتنا أنه بقليل من الحكمة والدراية نستطيع كأفراد أو كأمة مواجهة أي نوع من أنواع الاستبداد
وفي المقابل والأهم من هذا كله ،هي قصة علمتنا وبوضوح تام مايمكن لجنون العظمة وحب السلطة أن يوصل صاحبه إليه
هذا تاريخ يوثق ماقلنا بحقائق ووقائع ،لكم فيه عبرة ولنا في كل يوم قصة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بقلمي حسن فروخ
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك