أساطير الأولين (ملحمة الخليقة البابلية) تصميم الصورة ريم أبو فخر |
تعتبر ملحمة الخليقة البابلية مرجعاً هاماً وأساسياً يعكس نظرة| البابلين| إلى العالم، وتصورهم لكيفية بدء الخلق وتطوره، وقد اكتشفت الملحمة منقوشةً على سبعة ألواحٍ طينية، في مكتبة آشور بانيبال في مدينة نينوى العراقية، من قبل| عالم الآثار| هنري لايارد سنة 1849، ويعود تاريخها إلى القرن الثامن قبل الميلاد، وتضم حوالي ألف سطر، وهي معروفة باسم آخر أيضاً هو إينوما إيليش، وقد كتبها البابليون على ما يبدو لتعظيم الإله مردوخ وتمييزه عن بقية آلهة بلاد الرافدين.
اللوح الأول ... لوح الأقدار:
في البدء كان الظلام يغمر كل شيء، وكان الإله "أبزو" وزوجته الآلهة "تيامات" وحيدين في الكون، ولا يعكر صفوهما شيء، حتى تمازجا فأنتجا عدداً من الآلهة، منها الإله "أنشار"، الذي أنتج بدوره الإله "آنو" والد الإله "آيا" (إله الحكمة)
ولما كثرت الآلهة، وعلا ضجيجهم، أصبح المكان صاخباً، ولم يعد الإلهان العظيمان يشعران بالراحة والسكينة، فانزعجت "تيامات" وثار غضبها، وقد حاول "أبزو" تهدئتها، ولكنه عجز عن ذلك، فاستدعى الإله "مومو" مستشاره الخاص، وسأله النصح والإرشاد
فاقترح عليه تدمير جميع الآلهة والتخلص منهم
ولكن "تيامات" رفضت ذلك، ولم تقبل أن تدمّر ما أنتجته بنفسها، أما "أبزو" فقد أعجبته الفكرة وأراد تنفيذها.
الأبناء يقتلون أباهم:
لما عرفت الآلهة الجديدة بخطة "أبزو" خافت، وارتبكت، وحارت في أمرها، فهي أضعف من أن تقدر على مواجهة "أبزو"
ولكن "آيا" الحكيم رأى رأياً مختلفاً... فبالحكمة والتدبير يمكن صنع المستحيل
فانتظر "أبزو" حتى غط في نومه العميق، فتسلل إليه وقتله، وأخذ قلبه، كما أخذ هالته المقدسة ولبسها، ثم استخدم قلب "أبزو" ليخلق "مردوخ" الذي استلم رئاسة الآلهة.
أما بقية الآلهة، فلم يكونوا راضين عما حدث، وخافوا من غضب "تيامات" وانتقامها عندما تصلها أنباء ما حدث
فذهبوا إليها وأخبروها بكل ما حدث، فثارت "تيامات"، وجُنَّ جنونها، وقرّرت الانتقام لزوجها
فخلقت جيشاً من أحد عشر وحشاً لمحاربة الآلهة المتمردة، وعيّنت الإله "كينغو" قائداً لهم واتخذته زوجاً لها.
اللوحان الثاني والثالث، خطة الحرب:
لما علم "آيا" بخطة "تيامات" للانتقام، ذهب إلى جده "أنشار" ليسأله عن رأيه فيما يجب فعله، فطلب أنشار من "آنو" أن يذهب ليحادث "تيامات" ويهدئها، ولكنه ضعف ولم يستطع مواجهتها
فقرّر "أنشار" أن يدفع "مرودخ" لمواجهتها، فهو الأقدر على ذلك، لأنه مخلوق من قلب الإله الأعظم "أبزو"
فقبل "مردوخ" بذلك، وأعلن بأنه سيهزم "تيامات" بسرعة، ولكنه طلب من الآلهة أن يعلنوه كبيراً عليهم، وأن تكون سلطته أعلى من سلطة الجميع بمن فيهم جده "أنشار"
ولم تستطع الآلهة رفض طلب "مردوخ" لأنه كان أملهم الوحيد في النصر.
أساطير الأولين (ملحمة الخليقة البابلية) تصميم الصورة ريم أبو فخر |
اللوح الرابع، معركة طاحنة:
بعد أن منحت الآلهة السلطة العليا للإله "مردوخ"، منحته أيضاً صولجان الحكم وأزياءه، وزودته بالأسلحة المتنوعة، فانطلق لمحاربة "تيامات" على عربةٍ يقودها أربعة كائناتٍ غريبةٍ خلقها بنفسه
كما أخذ معه القوس والعصا والصاعقة والرياح الأربعة، فالتهب جسده وأصبح مشعاً
وباستخدام الرياح الأربعة، مع الزوبعة والإعصار والريح الشريرة، نصب "مردوخ" فخاً، وتجادل مع "تيامات" فاتهمها بأنها سبب كل ما حدث
فثار غضبها، وبدأت المعركة، وبفضل الفخ المحكم استطاع "مردوخ" قتل "تيامات"، بواسطة سهمٍ ملتهبٍ غرسه في قلبها، ثم حطّم رأسها بصولجانه، ثم قسمها إلى شطرين خلق من أحدهما السماء وأخذ الآخر إلى الآلهة "أنو وإنليل وآيا".
اللوح الخامس والسادس، خلق البشر:
بعد انتصار "مردوخ" الكبير، أصبح محبوباً من جميع الآلهة، فصنع لهم الأبراج الفلكية لكي يعرفوا أيام السنة، ثم خلق الليل والنهار والقمر، كما خلق الغيوم وجعلها تمطر فتشكل من المطر نهرا دجلة والفرات
ثم تحدّث إلى "آيا" وأخبره بأنه ينوي خلق البشر لكي يخدموا لآلهة ويحملوا خطاياهم وذنوبهم، ولكن "آيا" اقترح عليه أن يضحي بأحد الآلهة لكي يستخدم دمه في خلق الانسان، فأخذ "كينغو" وضحّى به، ثم مزج دمه بتراب الأرض التي خلقها من القسم المتبقي من جسد "تيامات"، فخلق الإنسان.
بعد ذلك بنت الآلهة باستخدام البشر| مدينة بابل|، وفيها تم بناء معبد "مردوخ" لتبجيله وتقديسه، وهو الذي قسّم الآلهة إلى قسمين: آلهة فوقية تعيش في السماء، وآلهة سفلية سكنت في الأرض.
اللوح السابع، أسماء "مردوخ":
يحتوي هذا اللوح على خمسين اسماً ولقباً لمردوخ، نذكر منها:
- مار- أوتو : ومعناه ابن الشمس، وقد أطلق عليه لأنه كان مشعاً براقاً كالشمس، ولأن جميع المخلوقات تسبح بنوره.
- ماروكا : وتعني الإله الحق الذي خلق كل شيء .
- ماروتوكا : ومعناه الملجأ والملاذ الآمن والسند المتين الذي يستند إليه جميع عباده.
- لوجال ديمير أنيكا : ومعناه الملك الأعظم الذي يخشاه ويهابه كل من في السماء والأرض .
أهمية ملحمة الخليقة البابلية:
يعتقد بعض| الباحثين| بوجود أوجه شبه عديدةٍ بين ملحمة الخليقة والكتاب المقدس، مثل الإشارة إلى الفوضى المائية قبل الخلق، وعملية الفصل بين السماء والأرض، وتطابق عدد الألواح مع عدد أيام الخلق، وعملية قتل الإله، واستراحة الخالق بعد عملية الخلق، وخلق الإنسان من تراب الأرض ممزوجاً بشيءٍ إلهي، وترتيب حدوث الخلق: من الظلمة، إلى النور، ثم خلق السماء والأرض وانتهاءً بخلق الانسان.
وكل ذلك يدفع إلى الإعتقاد بأن |اليهود| الأوائل قد تأثروا كثيراً بالفكر البابلي عندما كتبوا كتبهم وصاغوا معتقداتهم، وخاصةً أثناء وجودهم في بابل خلال فترة السبي، بعد أن غزاهم وسباهم الملك البابلي "|نبوخذ نصّر|".
كذلك تُعتبر ملحمة إنوما إيليش المصدر الرئيسي لعلوم الفلك البابلية، ولا يخفى تأثرها الكبير بالحضارة السومرية، ويظهر ذلك من خلال أسماء بعض الآلهة والوحوش، ومن خلال الكثير من التفاصيل
وقد تحمل الملحمة رسالةً سياسيةً لتبرير سيطرة البابلين على كامل منطقة بلاد الرافدين.
إذا كنت من محبي| الأساطير|، وترغب بمعرفة المزيد منها فشارك المقال.
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك