|
مواقع التواصل الاجتماعي وما الخطورة التي تخفيها؟ تصميم الصورة : رزان الحموي |
هل أصبح أمر تصفّح مواقع التواصل الاجتماعي بشكل يومي إدمان بالنسبة لنا؟، وهل يصح القول أنَّ هذا الإدمان أشد فتكاً بنا وبعقولنا وأجسادنا من الكحول والسجائر؟، فاليوم نحن نتعاطى مخدرات العصر والتكنولوجيا.
عندما يتم وضع هذه التطبيقات على الشاشة الرئيسية لهواتفنا، نحن نساعدها بأن تستدرجنا بشكل غير مصدق، وإذّ تطرقنا الى بعض الدراسات التي تمَّ إجرائها على أكثر من 1000 شاب وفتاة، نرى أن منصة ال|Instagram| هي الأكثر ضرراً.
فهذا الإدمان لا تقتصر أضراره على تدمير العلاقات الاجتماعية والأسرية، أو هدر الوقت من دون فائدة، بل إن الأمر قد يصل الى التأثير الكبير على الصحة العقلية
أمّا الأن سنبقى مع هذا المقال من أجل أن نسلط الضوء على أهم الموضوع حالياً ألا وهو:
ما الخطورة الحقيقية لمنصات التواصل الاجتماعي؟، وكيف تأثر سلباً وإيجاباً على علاقتنا مع الأخرين؟
فهذا جوهر حديثنا لليلة.
ال|Facebook| تعتبر من المنصات الأكثر انتشاراً وإقبالاً للمستخدمين، نظراً للخدمات الترفيهية والعلمية والاجتماعية التي تقدمها، ولكن هل فكرت يوماً كيف لهذه الشركة العالمية أن تعلم أدق التفاصيل عن مستخدميها؟.
Facebook لديها الكثير من المصادر التي يمكن أن تستعين بها من أجل تجميع المعلومات، فمحرك البحث يعتبر من أول المواقع الذي تحتوي سيرفراته على Data Base خاصة بالمشتركين، ومؤخراً تم افتضاح أمره بقيامه ببيع هذه المعلومات لباقي الشركات، ومن بينها شركة Facebook التي تأخذ تلك المعلومات وتقوم بمطابقتها مع البيانات الموجودة لديها، ويوجد الكثير من الشركات الكبيرة التي مهمتها الأساسية بيع وشراء بيانات المستخدمين.
واليوم تعتبر أكبر شركة تعمل بهذه الأمور هي شركة "|Excel|"، والسؤال الذي يمكن طرحه من قبل أحد القراء هو: أين المشكلة إن تم استهداف المستخدمين بإعلانات تثير اهتماماتهم؟.
الأمر مثير للاهتمام بالحقيقة فأنا وأنت كمستخدمين لهذه المواقع، لا نعلم من الذي يستهدفنا بتلك الإعلانات عبر شبكة الانترنيت، ولا ندرى ما هي مدى مصداقية هذه الاعلانات، فمن الممكن أن تكون مزيفة أو مفبركة من قبل أحد الهاكرز.
وبالتالي عندما تمتلك هذه الشركة هذا الكم الهائل من البيانات عن المستخدمين، يصبح من السهل عليها أن تقوم بتصنيفناً وفرزنا حسب اهتماماتنا وتفاصيل حياتنا اليومية.
ولكن إن انتقلنا الى موضوع |الخوارزميات الرياضية| التي تستخدمها برامج هذه المنصات بعملية التصنيف، يجب أن نبدأ بالحديث عن العالم ميكال بجامعة ستانفورد، الذي أبدى اهتمامه الواضح بهذا الموضوع، ممّا دعاه الى القيام ببعض الأبحاث حول تلك الخوارزميات، ففي أحد اللقاءات قال: أن الإعلانات عبر هذه المواقع لا تظهر بشكل عشوائي كما يعتقد الناس، فهذا الأمر يأخذ وقتاً كبيراً من المعلنيّن باختيار الفئة التي يريدونها أن ترى اعلاناتهم.
فهم يعتمدون على إغراءك بشراء المنتجات التي يظهرونها لك ضمن هذه الإعلانات، وبالتالي هذا الأمر يساعدهم بمعرفة الفئة التي تهتم بهذا النوع من المنتجات، وليس فقط هذا ما صرّح به بل هناك الكثير من التفاصيل أيضاً
|
مواقع التواصل الاجتماعي وما الخطورة التي تخفيها؟ تصميم الصورة : رزان الحموي |
إن نظرنا الى فئة المراهقين بالمجتمع، نرى أن كثيراً منهم يعاني من حالات قلق واكتئاب، والسبب هو رسوخ هذه الوسائل بحياتهم اليومية، فاليوم أصبح موضوع الرضا عن الذات مرتبط بمقارنة أنفسنا مع الأخرين عبر هذه المواقع.
إن تمت المقارنة مع الأشخاص الأعلى منّا، قد نشعر ونصاب باستياء حاد، وإن كانت المقارنة مقتصرة عن من هو أدنى منّا، نشعر بالارتياح، ولكن في الحقيقة أنَّ حياتنا هي ذاتها بكلا الحالتين.
تكلمنا عن بعض الأفكار التي سردها علينا صديقنا مايكل لنتابع بقيتها هنا، حيث قال:
نحن نعلم جيداً أننا جميعنا نشترك مع الأصدقاء اللذين لديهم نفس اهتماماتنا من حيث المكان أو الرؤية الاجتماعية أو حتى التفكير والحالة الاقتصادية، متشابهين معهم الى حد بما بالشخصية أيضاً، فنحن نتعمد أن نتواصل مع مثل هؤلاء الأفراد اللذين يشبهونا.
وبالتالي إن دققنا بكلام هذا العالم نرى هذه الخوارزميات يمكن لها أن تحلل شخصيتنا وتفهم أفكارنا أكثر من فهمنا نحن لتلك الأفكار، فهي تعتمد بشكل كبير على فهم السلوك الذي نتبعه عبر| شبكة الانترنيت|، ويمكن لها الاستفادة من |الأجهزة الالكترونية| التي نستخدمها على أرض الواقع، مثل الGreen Card، فنرى صدق كلام الدكتور مايكل أن الخصوصية معدومة تماماً بهذه المواقع.
فاليوم اهتماماتنا التي ندلي بها من خلال ال|Likes| أو التعليقات، ما هي إلا سلوك غير عشوائية لنا، فمثلاً إن قمت بأي سلوك معين ولنفرض، شراء موسيقى "هاري دايفيدسون" أو نوع موسيقى معين، فهذا السلوك رغم أنه ضئيل جداً فهو يُظهر للخوارزمية الرياضية الكثير من المعاني.
أحد هذه المعاني أنّها تقوم بجمع عشرات أو مئات من هذه المعلومات الصغيرة عنك برغم أنّها قد تكون معلومات غير مترابطة ولكنها مهمة للخوارزمية من أجل أن تقوم بتصنيف دقيق لكَ، وهذا التصنيف بالتأكيد أدق من التصنيف الذي يقوم به الأنسان.
وهذا الأمر يقوم به الأفراد أيضاً فمن خلال بعض السلوك التي نقوم بها يمكن أن يتم تصنيفنا من قبلهم، فمثلاً إن قلت لكَ أنني أحب الشعب الذي ينتمي الى حكومة معينة، فعلى الفور يمكنك أن تخمّن ما هو التوجه السياسي لي.
ولكن إن أخبرتك أنني من عشاق موسيقا "ليدي جاجا"، فهنا من المستحيل أن تعلم ما هي توجهاتي السياسية من خلال هذه المعلومة، ولكن إليك الصدمة التالية: أن الحاسوب يمكنه من خلال قاعدة البيانات الموجودة لديه أن يفعلها.
وسأخبرك أيضاً هذا السر
أن الخوارزميات والحاسوب يستطيعان معرفة الكثير من التفاصيل عن شخصية كلاً منا فمن الممكن أن تكون الصورة الشخصية الموضوعة على أحد حساباتنا أحد الطرق التي يتبعها، والأن المواقع مليئة بالاختبارات التي تحدد شخصيتك بدقة متناهية
|
مواقع التواصل الاجتماعي وما الخطورة التي تخفيها؟ تصميم الصورة : رزان الحموي |
في هذا العصر أصبح من السهل اكتشاف الحياة الخاصة لأي فرد من أفراد المجتمع عبر |منصات التواصل الاجتماعي|، إن الخوارزميات التي تتبعها هذه المواقع كفيلة بأن تجعلنا كصحيفة بيضاء شفافة، فهي تستطيع معرفة أدق التفاصيل عن المستخدمين.
والكثير من المواقع التي تنتشر اليوم عبر شبكة الانترنيت مهمتها تحليل الشخصية، ومنها موقع (Cambridge Analytuca) الذي يساعدنا كمستخدمين بمعرفة طريقة التحليل المتبعة، من خلال صورة البروفايل للأفراد، أو حتى من خلال المحتوى المرسل لكَ من Email هذا الشخص.
مجرد Post على أي منصة من تلك المنصات ال|Twitter| مثلاً، كفيل بأن يستطيع هذا الموقع أن يتنبأ بعمر كاتب المنشور، وما هو جنسيته وأين يقطن وما هي أهم اهتماماته، بالإضافة لكشف شخصيته إن كانت متحفظة أو متحررة، وما الصفات التي يتمته بها (أناني، انطوائي، اجتماعي، كريم، بخيل،..).
للأسف لا تستطيع أن تخفي أي أمر مهما كان على هذه الشبكة، فالموضوع ليس بالأمر الجديد، فإن طبيعة شبكة الانترنيت منذ اللحظة التي ظهرت بها الى اليوم حملت فكرة أساسية ألا وهي: لا تعتمد على الخصوصية.
المدير التنفيذي لشركة Google يدعى "Eric Schmidt"
الذي قال بأحد التصريحات لو كنت من الأشخاص اللذين يريدون أن يفعلوا أمر ما ولا يريد أن يدري به أي أحد، فمن الأفضل أن لا تقوم به بالأساس، فالمقصود من كلامه أن: الأمر عندما يحدث ما هو إلا فترة زمنية وسيتم نشره بين الأفراد ولا سيما القريبين منك مهما حاولت إخفاءه، وهذا النموذج الذي بني عليه الانترنيت منذ البداية.
إحدى الصحفيات وجهت هذا السؤال ل"Eric Schmidt" أن المستخدمين يتعاملون مع Google على أنه صديق موثوق؟، فهل هذا الأمر مستحب؟، أجاب: أن الأمر يحتاج الى التعقل بشكل كبير جداً، وخاصةً إن تم التعامل مع واقع افتراضي مثل شبكة الانترنيت.
التطور المرعب والمخيف بخوارزميات |علم الذكاء الاصطناعي|، سوف يصل الى المرحلة التي يعلم عنّا كمستخدمين أشياء نحن لا ندري بها، فهو سيستطيع الكشف عن أدق تفاصيل لنا من دون أن نشعر بأي شيء.
فكل التطورات التي تحدث باستخدام الذكاء الاصطناعي تدّل أنَّ القادم عظيم جداً، فمن الممكن أن يأتي اليوم الذي يستطيع به Google الإجابة والتفاعل مع اتصالات اصدقاءك بالنيابة عنك.
بأحد معارض التطور التي تقوم به شركة Google بين الحين والأخر من أجل التفاخر لما وصلت اليه
تم عرض المثال التالي:
إن كنت تريد ان تطلب من Google أن يقوم بحجز مكان لكَ عند أحد |مراكز التجميل|، وقمت بتحديد الوقت مثلاً يوم الثلاثاء ما بين [9..10]صباحاً، هنا سيقوم مساعد Google بإجراء اتصال هاتفي لهذا المركز بدلاً منك، الأيام القادمة عجيبة ومذهلة ولكشف المزيد عنها، تابع معنا
|
مواقع التواصل الاجتماعي وما الخطورة التي تخفيها؟ تصميم الصورة : رزان الحموي |
إنَّ الروبوتات أصبحت اليوم أمر واقعي وبدأت الكثير من الدول باستخدامها، ومنها بعض الدول العربية مثل "الإمارات"، فإن موضوع التطورات التي ستشهدها محركات البحث Google أصبح أيضاً قريب المنال جداً.
فلك أن تتخيل ما هي الحياة التي تنتظرنا، والتي سنعتمد كل الاعتماد بها على |الأجهزة الالكترونية|، حتى أنه من الممكن أن يصبح موضوع الخصوصية أمر ملغى أو مستحيل.
فماذا سيحدث للخصوصية مع هذا التطور التقني والتكنولوجي الذي ينتظرنا؟
تخيل أن يقوم Google بافتضاح أمر عشاءك السري مع أحد صديقاتك أمام زوجتك، بمجرد أن تسأله عن المكان الذي كنت به بالساعة كذا، سيقوم بإعطائها كل التفاصيل التي تريدها، من اسم الفتاة التي جلست معها ولون شعرها ورقم الهاتف الخاص بها وحتى مكان اقامتها.
هذه الأحداث ليست أوهام أو خيالات ولا خزعبلات، هذه التفاصيل حقيقية وسيستطيع أي شخص معرفتها عنك بمجرد أن يقوم بسؤال Google عنها بالمستقبل.
فتخيل أن تلجأ الى هذا الموقع أو المحرك الصوتي من أجل أن يقوم بحجز مطعم لكَ ولأصدقائك بالمستقبل، عندها سيقوم الناطق بالاتصال الى المطعم المراد، ويحدد التاريخ والساعة التي تريدها أنت وعدد الأشخاص المدعوين الى هذا العشاء.
هنا سيقوم بتسجيل جميع الملاحظات التي ستأتي إليه من الطرف الأخر للمكالمة، وسؤاله عن بعض التفاصيل الغير واضحة وارسالها لك برسالة صغيرة، أو عن طريق الEmail لتستطيع معرفة ما جرى خلال عملية الحجز.
لا تقلق هذا يعتبر التطور الطبيعي لخوارزميات الذكاء الصناعي، Machine Learning، فهي تشمل على ترجمة الصوت والنبرة واللغة التي تتكلم بها، بالإضافة الى أنها قد تصل الى علوم الكمبيوتر.
فيمكننا القول أننا على موعد مع عالم أفكارنا ستكون واضحة ومتاحة أمام الجميع به، الى هذه اللحظة الناس لا يهتمون كثيراً لهذا الكلام، فالجميع مندفع خلف التطور الذي يوماً بعد يوم يثبت بأنه قادر على تخطي ذكاء الانسان، بل وأنه يمكن أن يجعل الإنسان تحت رحمته.
فالتكنولوجيا سيف ذو حديّن
من الممكن أن تكون سلبياته تفوق إيجابياته بشكل كبير، ولكن قد أصبحت الغشاوة تغطي أعيننا بالكامل، وقد شلَّ تفكيرنا، فنحن اليوم أصبحنا عبيداً لهذه التكنولوجيا.
فنصيحتي لكَ: الحياة من المعروف عنها أنها غير عادلة، لا تجعل هذه المنصات سبباً بتعاستك وعدم الرضى عن نفسك وعن إنجازاتك، ولكن يجب أن تؤمن أن ما تراه بأحد هؤلاء الأفراد الذين ينشرون حياتهم عبر هذه الصفحات، هو ليس كل ما يمتلك، وتذكر دائماً أن الحياة تأخذ منه مثلما تأخذ منك.
ولا تسارع بالسير خلف كل شيء تراه منتشر عبر هذه المواقع، بل تَفكّر وحلل الأسباب التي جعلت تلك الإعلانات تظهر أمامك، ومن ثم تجنب هذه الأسباب وحاول قدر الإمكان أن تحتفظ ببعض الخصوصية، ولا تجعل نفسك مباح أمام الجميع.
آلاء عبد الرحيم
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك