كيف تسير القطارات دون الخروج عن مسارها اختيار الصورة رزان الحموي |
ما فائدة السكة
فكرة القطارات أو العربات التي تسير على القضبان بشكل عام ظهرت للمرة الأولى في شكلها الحديث في ألمانيا في عام ١٥٥٠ ميلادي، وتحديداً في المناطق التي كان يوجد فيها مناجم الفحم لأن الناس في ذلك الوقت كانوا يشعرون بصعوبة شديدة في تحريك العربات المحملة بالفحم على الطرق الترابية العادية وخاصةً أن العربات كانت تشدها الخيول، وتم التخطيط لعمل مسار من مادة صلبة وتثبيت العجلات عليه مما يسهل حركة العربات، فقاموا في تجهيز عوارض خشبية ثم وضعها جانب بعضها وثبتوا عليها العربات وبدأت الخيول تشد العربات، فكانت أول وسيلة مواصلات تشبه فكرة القطارات الحالية واسمها كان |فاكن واي|، ومع مرور الوقت بدأ الموضوع يتطور أكثر وأكثر، وبدل العربة الواحد أصبحت عربتين أو ثلاثة متصلين ببعضهم بالإضافة إلى مقاعد للجلوس داخل العربات، أما العوارض الخشبية التي كانت مثبتة على الأرض تحولت مع الوقت إلى قضبان حديدية متينة، وابتداءً من شباط عام ١٨٠٤ ميلادي تم استبدال الخيول بالمحركات عندما تم صناعة أول |قاطرة بمحرك بخاري|.
الطريق لا يكون دائماً خط مستقيم
المشاكل الحقيقة بدأت عندما القائمين على تطوير السكك الحديدية بدؤوا في مرحلة زيادة السرعة حتى تتمكن القطارات من قطع مسافات أطول في وقت أقل، لأنهم اكتشفوا أن القطار في هذه الحالة سوف ينحرف عن مساره ويبتعد عن القضبان، ولأن القطارات عندما ظهرت لأول مرة كانت إطاراتها عبارة عن أسطوانة منتظمة وهي مجرد عجلة توضع على القضبان وتتحرك، والشكل الدائري الأملس لها كان يجعل أي قوة جانبية مثل الرياح أو الاهتزازات تؤثر على القطار وتجعله ينحرف عن المسار، وكما ظهرت مشكلة ثانية وهي اكتشاف القائمين على تطوير |السكك الحديدية| أن القطارات لا تسير إلا في خط مستقيم، أي أنه لو تم وضع القضبان منحنية للجهة اليمنى أو الجهة اليسرى لتغير جهة القطار، فإن العجلات سوف تخرج عن القضبان دون أي سبب واضح، وجميع المحاولات التي قاموا بها لتغيير مسار القطار كانت النتيجة دائماً الفشل، واستمرت المشكلة حتى عام ١٧٨٩ ميلادي عندما جاء الإنكليزي وليم شسب وقال مهما حاولتم العمل على سير القطار في المنحنى فالموضوع لا يمكن، والسبب هو أن الموضوع متعلق في الرياضيات.
كيف تسير القطارات دون الخروج عن مسارها اختيار الصورة رزان الحموي |
حل المشكلة
قال وليم لو أن لدينا طريق دائري مكون من منحنيين وخاصة لو أن هذين المنحنيين متوازيين ومرسومين من نفس المركز، فإن المنحنى الخارجي من الطبيعي أن يكون طوله أطول من المنحنى الداخلي، وهذا يعني بأن العجلة التي تسير على المنحنى الخارجي تحتاج أن تسير لمسافة أطول من العجلة التي تسير على المنحنى الداخلي، ولأن العجلتين متصلتين ببعضهم فلا يستطيع القطار السير بشكل صحيح، ووجد أن الحل رياضياً هو أن تكون عجلة أكبر من الثانية في الحجم، وهذا لأن العجلة عندما يكون حجمها أكبر سوف تقطع مسافة أطول مع اللفة الواحدة، وهنا تم القرار في وضع العجلة الكبيرة عند المنحنى الخارجي والعجلة الصغيرة عند المنحنى الداخلي، ولكن وليم أكد أن في هذه الطريقة لم تكن المشكلة محلولة بشكل كامل، صحيح أن الحل سليم رياضياً إلا أنه لا يصلح تطبيقه في الواقع ولا يصلح أن يكون للقطار عجلة كبيرة وعجلة أخرى صغيرة، لأن العجلتين سوف يكونوا متصلين ببعضهم وبالتالي عند وضعهم على القضبان في هذه الحالة سنجد أن واحدة منهم ملامسة للأرض أما الثانية لا تلمس الأرض، أي أن القطار لا يمكن أن يسير بالأساس، ولكن وليم وجد الحل وكان بسيط جداً وهو استعمال |عجلات مخروطية| الشكل.
هندسة الشكل المخروطي
من أجل حل المشكلة قرر وليم استبدال |العجلات الدائرية| في عجلات أخرى تأخذ الشكل المخروطي، وهذه العجلات لا تكون مرتكزة على القضبان لكنها تكون داخل القضبان عند نقطة المنتصف، وفي هذه الحالة تكون العجلة ملامسة للقضبان من نقطة ثابتة والتي هي منتصف المخروط تقريباً، وعندما يكون الطريق مستقيم لن نلاحظ فرق كبير بين التصميم المخروطي والعجلات العادية، لكن بمجرد أن يميل القطار ويتجه إلى الجهة اليمنى أو اليسرى سوف نلاحظ الدور الذي سوف تقوم به، وكما تحدثنا سابقاً حتى القطار يأخذ المنعطف بنجاح نحتاج إلى العجلة الخارجية أن يكون ارتفاعها أكبر والعجلة الداخلية يكون ارتفاعها أصغر، والمدهش هو أن هذا الذي سوف يحدث تماماً مع حالة المخروط، وأول ما يأخذ القطار المنعطف ستتمركز العجلة الخارجية على آخر نقطة في قاعدة المخروط، والعجلة الداخلية ستتمركز على أول نقطة في بداية المخروط، وكأن العجلة الخارجية تكون فعلاً كبيرة والعجلة الداخلية تكون فعلاً صغيرة، وهذا الذي يجعل القطار وكأنه يسير على عجلتين حجمهم مختلف كما يحتاج تماماً، وبمجرد أن ينتهي المنحنى وقوة الطرد المركزي تتلاشى وتعود العجلات إلى وضعها الطبيعي مرة أخرى، وبالرغم من بساطة الفكرة إلا أنها حلت مشكلة كبيرة في خصوص حركة القطارات، وتم تطبيقها على نطاق واسع وإلى الآن مازالت مستخدمة.
تجارب كبيرة ممكن أن تفشل لأنها بحاجة إلى حلول بسيطة تحتاج لأحد العباقرة عن طريق البحث والتحري للوصول إلى حل المشكلة التجربة، والتي كادت أن تتوقف وينتهي بها الأمر إلى موت هذه التجربة.
بقلمي: ربا
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك