العصر الذهبي الإسلامي للعلوم تنسيق الصورة : ريم أبو فخر |
• هدية هارون الرشيد لشارلمان
كان الخليفة العباسي |هارون الرشيد| من أعظم الخلفاء المسلمين على مر التاريخ، حيث شهدت الدولة الإسلامية في عهده رخاء وقوة وعز، والقصة المشهورة للهدية من هارون الرشيد إلى شارلمان واحدة من أبلغ الصور التي تلخص الحال خلال تلك الفترة
الملوك في العصور القديمة كانوا معتادين على تبادل الهدايا فيما بينهم، وهذه الهدايا لم تكن مجرد مجاملات، وإنما عظمة الهدية كانت تعبر عن قوة المملكة التي جاءت الهدية منها، ولذلك لما أرسل إمبراطور الشرق هارون الرشيد هدية إلى إمبراطور الغرب شارلمان والتي كانت عبارة عن ساعة كبيرة من النحاس ويبلغ طولها ٤ أمتار
وكانت الساعة تعمل على القوة المائية، وكل ساعة كانت تمر يتساقط منها مجموعة من الكرات المعدنية على قاعدة من النحاس وكان صوت ارتطام الكرات على القاعدة له رنين وصدى صوت جميل، وبالإضافة إلى أنها كانت تشتمل على ١٢ باب لحجرات صغيرة وكل ما تمر ساعة يخرج فارس من كل باب ويدور دورة كاملة ثم يعود إلى حجرته، وعندما تكون الساعة ١٢ يخرج الفرسان الاثنى عشر مع بعضهم البعض.
و بالطبع مثل هذه الهدية كانت بالنسبة إلى |شارلمان| وحاشيته أشبه بالسحر، و نتيجة لذلك خاف شارلمان من الهدية، واعتقد أنها مسحورة بالفعل، وهو السبب الذي يجعلهم يكسرون الساعة، ولكن بعد ذلك اكتشف بأن الموضوع لم يكن فيه أي نوع من السحر، والذي اكتشفه أنه هو وقومه في عالم وأصحاب الهدية في عالم آخر.
• إنشاء دار الحكمة
الإسلام منذ بداياته سعى في كل قوة للقضاء على الجهل والأمية، وفي أولى الغزوات الإسلامية كان |النبي صلى الله عليه وسلم| يعفي عن أسرى المشركين في حال استطاعوا تعليم أي أحد من المسلمين القراءة والكتابة
العلم هو كان الفداء، والهدف لم يكن يقتصر على طلب العلم فقط، وإنما حتى نشر العلم كان على نفس درجة من الأهمية، ومن أجل تحقيق هذا الهدف في تعليم العلم ونشره هذا كان يحتاج إلى استيعاب العلوم والخبرات من الآخرين، وفي الوقت الذي كانت به أوروبا تغرق في عصور من الجهل والظلام، الطبيعي كان هو أن تعتمد |الدولة الإسلامية| على نفسها، وكما أن المطلوب منها أيضاً أن تفهم طريقة وثقافة المعاصرين.
العصر الذهبي الإسلامي للعلوم تنسيق الصورة : ريم أبو فخر |
• علوم الترجمة
وكانت من أهم العلوم حتى يتطلع الناس على الثقافة والخبرات السابقة وهي |علوم الترجمة|، وعن طريق الترجمة من الممكن الإطلاع على علوم القدماء والاستفادة والانتفاع منها
وأيضاً عن طريق الترجمة نستطيع أن نفهم عادات وتقاليد المعاصرين ونختار الطريقة المناسبة لدعوتهم، ولذلك كان الكثير من علماء المسلمين وخاصة الذين أسلموا من أماكن مختلفة عن الدول العربية هم نفسهم الذين كانوا قائمين على حركة الترجمة هذه، فالذين أسلموا من بلاد الفرس أو| الهند | أو السند كانوا يتعلمون العربية حتى يفهموا الدين وعلومه وفي نفس الوقت يترجموا كتب علمائهم وتاريخهم كله للعربية
أما المسلمين من الأصل العربي كانوا يتعلمون لغات وأعراق الشعوب الأخرى حتى في النهاية يكونوا قادرين في القيام بنفس الجهود التي يبذلها المسلمين الأعاجم، ولذلك دار الحكمة التي أنشأها هارون الرشيد من أعظم منارات العلم، ولم تقتصر فوائدها على مئات الآلاف من الكتب الموجود فيها، وإنما أكبر مساهمة قدمتها أنها كانت ملتقى العلماء من كل الأعراق والثقافات.
• الخوارزمي
من أشهر علماء عصر الذهبي الإسلامي الذي استفاد من مجلدات القدامى في دار الحكمة، هو العالم |محمد بن موسى الخوارزمي|، وهو واحد من الأشخاص الذين جسدوا فكرة العصر الذهبي
حيث نشأ محمد بن موسى في إقليم خوارزم، وتعلم من مجموعة كتب عالمية بكل معنى الكلمة، كتابات الفارسيين والمصريين والبابليين واليونانيين والرومانسية وجميع العلوم و الثقافات القديمة
وهو كان عالم موسوعي مثله مثل باقي علماء العصر الذهبي الإسلامي، ولكن علم الجبر الخوارزمي كان هو ابنه البكر، وكان العلم الذي اشتهر به بعد ذلك، واشتهر محمد بن موسى في الخوارزميات والتي يتم استخدامها إلى يومنا هذا في أحدث العلوم
فالخوارزمي استطاع أن يفهم قوة المتغيرات التي تعتمد فكرتها العامة على معالجة مجموعة من الرموز حتى تجد حلاً عاماً ينفع مع أي رقم، بالإضافة إلى مساهماته في حل المعادلات الخطية والتربيعية.
• بنو موسى
بالرغم من القيمة العلمية المرموقة ل بنو موسى، إلا أنهم ليسوا بالشهرة مثل باقي العلماء في العصر نفسه، بنو موسى نموذج رائع لفريق علمي متكامل من عصر النوابغ الإسلامية، فالأخ الأكبر محمد كان نابغة في علوم الفلك، والأخ الأوسط أحمد كان نابغة في علم الميكانيكية أو كما كانت تعرف في تلك الفترة في علم الحيل، أما الأخ الثالث الحسن كان يعتبر الوريث الحقيقي لعلم الخوارزمي في الرياضيات
والأخوة الثلاثة نشأوا في |بغداد| خلال القرن الثالث الهجري، وانشغلوا في تجربة وتطبيق كل المعارف العلمية القديمة، وأضافوا على كل العلوم من جهودهم وخبراتهم، واستطاعوا في تحويل الكلام النظري الذي وجدوه في كتب الذين سبقوهم إلى تطبيقات وأجهزة يتم استخدامها على أرض الواقع.
العصر الذهبي الإسلامي للعلوم تنسيق الصورة : ريم أبو فخر |
• كتاب الحيل ل بنو موسى
وكما قاموا في تقديم الكتاب المشهور بكتاب الحيل، وهو عبارة عن شروح تفصيلية ل حوالي مئة جهاز ميكانيكي، وكل جهاز يتضمن الشرح الوافي مع الرسوم التوضيحة لطرق التركيب والصنع والتشغيل
وكمل ذكرنا بأن الحيل كان يقصد بها العلم الميكانيكي، أما عن حيل بنو موسى التي مازالت مستمرة لوقتنا الحالي كانت عبارة مجموعة من المبادئ الأساسية والتي كانت سبب في تصنيع الآلات الميكانيكية الحديثة، بالإضافة إلى الكثير من الأجهزة التي تعتمد على علم سكون السؤال، وعلم حركة الهواء، والصمامات ذاتية التشغيل، وهي المبادئ التي لها الكثير من التطبيقات في عصرنا الحالي.
وكما أنهم قاموا في تصميم أجهزة ترفيهية تعتمد في جوهرها على سحر العلوم ومبادئها الأساسية، وعلى سبيل المثال قاموا في تصميم جهاز والذي سموه القمقم المسكون
وهو عبارة عن إناء من أنبوبتين، ولو قمت في صب مياه ساخنة في الأنبوب الأول ومياه باردة في الأنبوب الثاني لا يختطلوا مع بعضهم، وحتى لو قمت في صب المياه مرة ثانية سوف تخرج المياه الساخنة من مكان تخزين المياه الباردة، وتخرج المياه الباردة من مكان تخزين المياه الساخنة، وكما قدم |بنو موسى| بعض من الأجهزة التي لها الكثير من الفوائد، مثل المصباح السحري أو السراج المنير، وهذا المصباح العالم بالكامل كان بعمل به قبل الكهرباء وبالإضافة إلى الكثير من القرى إلى وقتنا الحالي مازالت تستخدم ضوء الكاز الذي يقوم على نفس فكرة العمل، والجرة الذكية وهي موجودة في أحدث خلاطات المياه الحديثة، والتي تعتمد على تدفق كمية محدودة من الماء ثم تقف الماء عن التدفق لتوفيرها من الهدر.
• تكافؤ الفرص
على عهدة الباحثين الغربيين، فإن أحد أسباب التي أدت إلى العصر العلمي الإسلامي الذهبي كان تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص إلى كل الذين كانوا يريدون أن يتعلموا، على عكس جميع الحضارات والثقافات التي سبقت الإسلام التي لم يكن فيها أي مدارس خاصة للفقراء وغيرها للأغنياء، ولا مجالس للسادة وغيرها للعبيد، ولا البيض كانوا يأخذون فرص أكثر من السود، تحصيل العلم والمساهمة فيما ينفع الناس كان مكفول للجميع، بصرف النظر عن الجنس واللون والعرق والدين، ويوجد دراسة تم اجرائها في |جامعة هارفرد| لعام ٢٠١٥ ميلاي، حيث أثبت القائمين عليها أن الأبحاث التي قامت عليها أعراق مختلفة كانت الأبحاث الأكثر نجاحاً، وتم حصر آلاف الأوراق العلمية التي تقدمت في فترة ما بين ١٩٨٥ ميلادي حتى ٢٠٠٨ ميلادي
والنتيجة كانت أن ثمانين بالمية من الأوراق العلمية التي كُتبَ لها النجاح هي أبحاث قام عليها فريق لمجموعة من الباحثين مكوّن من أعراق مختلفة، والدراسة تقول أن تعدد الثقافات يقدم عدد أكبر من الفرضيات، وفي نفس الوقت التنوع يؤدي إلى عدد أكبر من الاعتراضات، وهو الأمر في النهاية الذي يثري البحث العلمي ويساعد على التطوير.
المسلمين هم الذين سبقوا العالم بمراحل في هذه الفكرة.
كانت معكم صديقتكم ربا
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك