|
قصة الرجل الذي بقوة مئة رجل وعاش ثلاثة آلاف سنة تنسيق الصورة : ريم أبو فخر |
هناك في التاريخ شخصيتان عرفوا باسم لقمان الحكيم، فالأول هو الذي ذكر في القرآن وجميعنا نعرفه، أما شخصية لقمان الثانية والتي ستكون محور حديثنا اليوم فهو من أصل عربي من قوم عاد.
ولقمان الذي سنتحدث عنه لم يكن رجلاً عادياً بل كان رجلاً بقوة وحكمة وحاسة مئة رجل، وكان يبحث في حياته عن فلسفة الحياة وعن سر الخلود أو عن الخلود بحد ذاته، وكان أخو ملك من ملوك العرب يقال له" شداد بن عاد"، وأيضاً عاصر زمن |النبي هود| عليه السلام، وقد قيل بأن لقمان قد عمر طويلاً في حياته على هذه الأرض، حيث يقال بأنه عاش ثلاثة آلاف سنة.
هناك أحداث وقصص كثيرة حدثت مع لقمان بن عاد، مثل قصته مع السبعة نسور. وسنبدأ بسرد أحداث قصتنا من ما قبل الصفر لنتمكن من ربط الأحداث التاريخية مع بعضها.
عاش لقمان بن عاد في عام ١٧٠٠ قبل الميلاد
وكان أخوه شخصية معروفة يقال له شداد بن عاد وكان ملك العرب وملك قوم عاد، وكانت منطقة تواجدهم في " |الأحقاف|" والتي تقع ما بين السعودية واليمن وعمان.
كان لقمان مختلف في شخصيته وبنية جسده عن باقي الرجال الموجودين في قومه، فقد كان ذو شخصية شديدة وقوية وكان جسده طويل جداً، وكان حكيم لدرجة أنهم قالوا بأنه يملك حكمة مئة رجل، وباختصار كان لقمان شخص مميز جداً في ذلك الزمن.
وقام أخوه الملك شداد بتوليته على حكم مملكة آشور و سوريا، لأنها كانت تتبع قوم عاد في ذلك الزمن، واستمر لقمان في حكم هذه المملكة لمدة أربعين عاماً، وكان قوم عاد بما فيهم شداد ولقمان من العرب البائدة والقدماء، وبعث إليهم النبي هود عليه السلام.
وعندما أرسل النبي هود لقوم عاد، كان يدعوهم إلى عبادة الله وترك الشرك به، ولم يتبع النبي هود سوى فئة قليلة جداً من قوم عاد، وغضب الله عليهم ومنع عنهم المطر فلم تنبت لهم الأرض من خيراتها أبداً، وعاشوا في فترة قحط وجفاف شديد.
وخرجت مجموعة من قوم عاد واتجهت إلى مكة ليدعو الله أن ينزل عليهم الغيث، ومن ضمن هذه المجموعة كان هناك رجل يقال له" قيل" و لقمان الذي هو محور قصتنا.
وسوف يخطر في بالنا سؤال مهم، كيف نتحدث عن قوم عاد ولقمان ما قبل الميلاد وكيف ذهبوا إلى |مكة| وهل كانت عامرة في ذلك الزمن؟
وهل كان هناك كعبة في مكة حتى يذهبوا ويدعوا الله عندها وخصوصاً أن هذا الكلام كان في الفترة التي سبقت وجود نبي الله وخليله ابراهيم عليه السلام وابنه النبي اسماعيل عليهم السلام؟!.
المعلومة الأكيدة التي نعرفها جميعاً ولاشك فيها، هي أن |النبي ابراهيم| واسماعيل هم من رفعوا بناء الكعبة.
ولكن هل كانت |الكعبة| موجودة قبل زمن النبي ابراهيم؟
ومن الممكن أنها تدمرت بسبب كوارث طبيعية والنبي ابراهيم هو من أعاد بنائها، وهذا أمر وارد بالتأكيد.
وهناك عدة أقاويل تدور حول هذه النقطة، منها أن الملائكة هم من قاموا ببناء الكعبة لأول مرة ومن ثم أن هدمها، ثم أعاد بنائها سيدنا آدم عليه السلام وهدمت للمرة الثانية.
|
قصة الرجل الذي بقوة مئة رجل وعاش ثلاثة آلاف سنة تنسيق الصورة : ريم أبو فخر |
وعندما وصل وفد قوم عاد إلى مكة توجهوا مباشرة إلى الكعبة
وجميعهم بمن فيهم الرجل الذي ذكرناه سابقاً " قيل" بدأوا بالدعاء والتضرع لله تعالى أن ينزل عليهم الغيث ويرزقهم الخيرات والثمرات، وينقذهم من الجفاف الذي حل بهم ويبعد عنهم القحط والفاقة والعوز.
ماعدا لقمان فقد كان يدعو الله بدعاء مختلف ويقول" اللهم يا رب البحار الخضر، والأرض ذات النبت بعد القطر، أسألك عمراً فوق العمر"، وسمع لقمان صوت منادياً يناديه "يا لقمان إن دعوتك قد أجيبت، ولكن لا سبيل للخلود"، وخيره المنادي بين ثلاث طرق ليزيد في عمره أضعاف مضاعفة.
وقال له المنادي لديك ثلاثة طرق اختر واحدة منها
"اختر إن شئت سبع بقرات عفر، في جبلٍ وعر، لا يمسهن ذعر. وإن شئت بقاء سبع نواياتٍ من تمر مستودعات في صخر لا يمسهن ندي ولا قطرٌ. وإن شئت بقاء سبع نسور كلما مات نسر عقبه نسر.".
وذلك يعني بأن عليه اختيار إحدى الطرق التي سيتم حساب عمره بناءً عليها، فلو اختار بقاء سبع نوايات من تمر في الصخر ذلك يعني أن عمره سيكون مرتبط بنبات هذه النوايات أو الثمرات، فعندما تنبت جميعها سيتوقف عمر لقمان.
ولكنه اختار الخيار الثالث وهو السبع نسور وذلك يعني أنه سيرزق بعمر سبعة نسور، وكلما مات نسر سيظهر له نسر آخر حتى يكتمل العدد على سبعة، ومما هو شائع أن النسور من الطيور التي تعمر طويلاً، ويقال أن عمر النسر قد يصل إلى ثلاثمئة عام.
ورد عليه المنادي وقال له" يا لقمان المغرور في بقاء النسور، اذهب أبو قبيس، واصعد رأس ثبير"، وعندما ذهب لقمان إلى ذلك المكان الذي وصفه المنادي، وجد عش نسور فيه فرخين قد خرجوا للتو من بيوضهم، فاختار لقمان واحد منهم وأخذه معه وأطلق عليه اسم" المصون"، وبدأ بالعناية به وكان يهتم بطعامه وشرابه، لأن عمر هذا النسر مرتبط بعمر لقمان، فكلما طال عمر هذا |النسر| طال عمر لقمان.
وبعد وفاة ملك العرب شداد تولى الحكم بعده أخوه لقمان وأصبح هو ملك العرب، وكانت تأتيه كل القبائل العربية لأنه كان حكيماً، فيقصدونه لحل النزاعات والخلافات بين القبائل.
كان لقمان ينادي نسره بإسمه، فعندما يقول له يا مصون كان يأتيه على الفور، وتوالت الأيام والسنين، وفي أحد الأيام نادى لقمان يا مصون عدة مرات ولكنه لم يأتي لعنده كعادته، هنا قلق لقمان وذهب للمكان الذي يتواجد فيه النسر ووجده قد فارق الحياة، وكان المصون قد عاش مائة عام، وحزن لقمان حزناً شديداً فقد اهتم به اهتماماً كبيراً خوفاً عليه من المرض، لأن هذا النسر الأول من النسور السبعة وبموته فقد لقمان جزء من عمره.
وظل لقمان في انتظار المنادي ليرشده على مكان النسر الثاني.
|
قصة الرجل الذي بقوة مئة رجل وعاش ثلاثة آلاف سنة تنسيق الصورة : ريم أبو فخر |
وبعد موت نسره المصون
سمع لقمان صوت المنادي الذي ناداه أول مرة، وقال له " اصعد رأس الجبل، مرعى الوعل فهناك البدل.".
واتجه لقمان على الفور للمكان الذي أخبره عنه المنادي، ووجد عش نسر فيه بيضتان قد أفرخا، فاختار أحدهما وأخذه معه وأطلق عليه اسم" عوض" ليكون عوضاً له عن فقده لنسره المصون الذي فطر قلبه.
وبدأ لقمان بتربية هذا النسر والاعتناء به، حتى أصبح ضخم وكبير جداً، فمن المعروف عن النسور أنها من أكبر الطيور، فعندما يفرد النسر جناحيه كان امتداد أجنحته يصل إلى متر أو مترين ونص من مساحة المكان الموجود فيه، ولك أن تتخيل أن رجلاً مثل لقمان بهذه القوة والشدة والهيبة، يمشي ويحوم حوله نسر ضخم جداً، باختصار كان منظر لقمان مهيب جداً ونسره يفرد جناحيه فوقه.
ومرت الأيام ما بين لقمان ونسره عوض
إلى أن جاء اليوم الذي كان فيه لقمان في طريقه لإطعام نسره، حاملاً في يده قطعة من اللحم وكان نسره عوض يطير في السماء بعيداً عنه، فناداه لقمان يا عوض فنظر إليه وحلق متجهاً لعنده مسرعاً ليأخذ قطعة اللحم، واصطدم في غصن شجره واختل توازنه وسقط على الأرض ومات.
وكان هذا النسر الثاني من نسور لقمان السبعة، وهكذا فقد لقمان من عمره عدد سنوات حياة هذين النسرين، ومباشرة ناداه المنادي وقال له" اصعد إلى الصفا، فستلقى الخلف.".
و ذهب لقمان كعادته للمكان الذي وصف له من قبل المنادي، ووجد عش نسور وأخذ منهما واحداً وأطلق عليه اسم "خلف"، ليكون خلفاً لنسره السابق عوض.
وهذه المرة تعامل لقمان مع نسره خلف بطريقة مختلفة عن عوض والمصون
فصنع قفص ضخم لخلف ووضعه فيه، وهكذا كان لقمان أول إنسان يضع النسر في قفص، وفي بعض الأحيان كان يفتح له القفص ليطير قليلاً ويفرد أجنحته ثم يعيده للقفص.
وفي إحدى الأيام اتجه لقمان ومعه نسره خلف الذي لا يستغني عنه ولا يبتعد عنه أبداً إلى |سوق عكاظ|، ومشى ومعه نسره في السوق وتجمعت حوله القبائل العربية، وكان الجميع يرغب برؤية لقمان ونسره فقد كان أسطورة بالنسبة لهم.
وعندما اقتربوا من لقمان طلبوا منه أن يخرج لهم نسره لرؤيته يحلق ويفرد جناحيه، وكان لقمان رافضاً في البداية، ولكن بسبب إصرارهم الشديد أخرجه لهم من قفصه، وبدأ الناس يتفحصون النسر عن قرب، لأنه من غير الطبيعي أن يربي الإنسان طائراً مفترس كالنسر، فمن الصعب اصطياد النسر حتى يومنا الحالي.
وبينما كان الناس في حالة دهشة لرؤية نسر بهذا الحجم، وبدأوا بالاقتراب منه وتفحصه، فجأة انقطع نفسه وفارق الحياة، وفي هذه المرة حزن لقمان حزناً مضاعفاً، وبكى بكاءً شديداً، فقد كان هذا النسر الثالث الذي يموت، ولم يتبقى له من عمره سوى عمر أربعة نسور.
وتكررت مع لقمان نفس الحادثة، حيث ناداه منادي وحدد له منطقة معينة، وذهب واختار نسر وأطلق عليه اسم "المغيب"، وبعد موته اختار نسر آخر واسمه "المسرة"، وجاء بعده نسر يقال له " أنس"، أما النسر السابع والأخير فقد أطلق عليه لقمان اسم" لبد"، ومعناه الدهر، وقد أطلق عليه هذا الاسم أملً ورغبةً منه في طول العمر والبقاء.
|
قصة الرجل الذي بقوة مئة رجل وعاش ثلاثة آلاف سنة تنسيق الصورة : ريم أبو فخر |
ويعتبر النسر لبد من أشهر النسور التي مرت على تاريخ العرب، أولاً فهو يعتبر من أطول النسور عمراً فقد وصل مع لقمان إلى مرحلة العجز والشيخوخة، ويقال أن عمر هذا النسر وصل إلى ألف سنة.
هناك معلومة تقول أن لقمان هو أول من طبق حد الزنا
حيث يقال أنه في زمن ملك لقمان كان هناك قبيلة يقال لها "بني كركر" من قحطان، وكانت هذه القبيلة تعرف بالمكر والخداع والغدر، وكانت قد أذت كل القبائل من حولها، وفي إحدى الأيام اجتمعت كل القبائل التي تأذت وتضررت من قبيلة بني كركر، وقرروا الإغارة والهجوم عليها.
وفي ذلك الوقت، قرر "السميدع بن زهير" وهو شيخ قبيلة بني كركر أن يأخذ قبيلته ويلجأ إلى لقمان، حتى يكون في جواره ويحميه من غضب بقية القبائل، وبالفعل أجار لقمان قبيلة بني كركر وأمن لهم الحماية.
حتى أنه تزوج من نسائهم امرأة يقال لها " السوداء"، وكانت امرأة جميلة جداً بشكل مبهر، وذات وجه جميل وملفت للناظرين، ولشدة خوفه وغيرته عليها قرر أن ينتقل معها للعيش في كهف على قمة الجبل، حتى لا يصل إليها أحد، ولا يراها أي أنسان.
ومرت الأيام وتوالت ما بين الملك لقمان وقومه وبين قبيلة بني كركر، إلى أن جاء يوم كان يعتبر بالنسبة لهم أحد أيام الأعياد، وتجمع الناس في هذا العيد وكان من بين الحضور الملك لقمان وزوجته" السوداء"، وخلال الاحتفالات التي أقيمت في ذلك اليوم، كان هناك رجل يدعى" الهميسع بن السميدع" ابن شيخ قبيلة بني كركر.
وخلال الاحتفال لمح الهميسع زوجة الملك لقمان ودخلت في قلبه ووقع في حبها، فقام بجمع رجال قبيلته وأخبرهم أن يدبروا له خطة ليحصل فيها على زوجة لقمان، وهددهم إن لم يقوموا بمساعدته بأنه سوف يقتل الملك لقمان، وبذلك ستجتمع كل القبائل العربية لمحاربتهم والقضاء عليهم مطالبين بالثأر لملكهم.
وهنا وقعت قبيلة بني كركر في حيرة من أمرهم، وأصابهم القلق خوفاً أن تحل بهم مصيبة نتيجة تصرفات الهميسع المعروف بتهوره، ورضخوا للأمر وأخبروه بأنهم سيفكرون له في حيلة تساعده أن يحصل على زوجة لقمان، وقاموا بجعله يختبأ بين مجموعة كبيرة من السيوف والأسلحة، وأعطوها للقمان الذي أخذها ووضعها في الكهف الذي تتواجد فيه زوجته " سوداء".
وخرج الهميسع على زوجة الملك لقمان ووقع فيها وجلس معها، وعندما علم لقمان بالأمر بهذه الحادثة، قام برمي الهميسع ومعه زوجته من قمة الجبل ثم رجمهم بالحجارة، ويقال أيضاً بأن لقمان أول من طبق حد السرقة.
ونعود لقصة لقمان ونسره لبد
الذي عاش معه أطول فترة من بين كل النسور، حتى أنه كبر لدرجة أن أصبح غير قادر على الطيران والحركة، وفي إحدى الأيام توجه لقمان لمكان تواجد نسره، فنادى عليه لقمان لكن مامن إجابة، وكان على قيد الحياة لكنه عاجز تماماً عن الحركة، ثم نادى عليه مرة أخرى وقال له:" انهض لبد نهضاً شدد إذ لم يكن أبد الأبد"، واقترب منه وحمله محاولاً أن يجعله يطير ولكن ريش ليد نثر بين يدي لقمان، وهنا عرف أن لبد يحتضر ولم يمر سوى عدة دقائق حتى فارق الحياة.
وهذا يعني أن منية لقمان قد حانت
وبهذه اللحظة بدأت عروق ظهر لقمان تتصلب، ووقع على الأرض فجأة وتوفي، وانتهت حياة لقمان، انتهت حياة الرجل المعمر والذي يقال أن عمره وصل لثلاثة ألاف سنة، ودفنه قومه في الأحقاف بجانب النبي هود عليه السلام.
وقيل في موت لبد العديد من البيوت والقصائد الشعرية ومنها قول الشاعر
ولما رأى لبد النسور تطايرت رفع القوادم كالفقير الأعزل
من تحته لقمان يرجو نهضه ورأى لقمان أن لا يأتلي
تهاني الشويكي
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك